أمام الأزمة التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط خصوصا في سوريا والعراق بعدما تعرضت له من حروب ونكبات دفعت مئات الآلاف من مواطنيها إلى ركوب البحر طمعا في إيجاد موطن آمن يحفظ على الأقل الحق في الحياة، اختلفت الدول الأوروبية على طريقة مواجهة تدفق اللاجئين على أراضيها بين مرحب ومعارض.
لكن هذا الاختلاف السياسي الذي تحاول قيادات الدول الأوروبية إيجاد توافق حوله، أمام ضغوطا مجتمعاتها والرأي العام الدولي، وضع دولا أوروبية أمام امتحان لتقييم مدى احترامها لمبادئ حقوق الإنسان التي ناضلت مجتمعاتها طويلا بمساعدة أجانب من دول غير أوروبية، خصوصا مغاربية، لمواجهة النازية والفاشية ووضع لبنات العيش المشترك واحترام حقوق المستضعفين.
لكن ومع تدفق مئات الألاف من اللاجئين الهاربين من أتون الحروب، ظهر تنكر من بعض الفئات وأحيانا الدول لهذه المبادئ الكونية وعبرت بصريح العبارة عن رفضها استقبال ما بقي من الأشخاص الذين نجو من قصف الطائرات ومن انفجار البراميل المتفجرة وأخطار البحر المتوسط، ولم ينجوا من تقلب مزاج مجتمع آمنوا لوقت قريب أن مبادئه قد تكون طوق نجاتهم الوحيد.
وإذا كان عدد من الولايات الأوروبية قد فتحت أبوابها لجميع اللاجئين السوريين والعرب ووفرت لهم المأكل والمبيت وتبرعت لهم حتى لم يعد هناك مكان يستطيع تجميع المساعدات الإنسانية، حالة ولاية بافاريا الألمانية مثلا، إلا أن هناك مناطق أخرى اختارت الاصطفاف في الجهة المقابلة ورفضت مساعدة هؤلاء اللاجئين بل وحتى التمييز فيما بينهم بناء على معتقداتهم الدينية.
في الدنمرك قررت الحكومة نشر اعلانا في صحف لبنانية يهدف إلى إثناء اللاجئين عن الهجرة، ويحذر من أن الدنمارك قد “شددت القوانين المتعلقة بالمهاجرين”، وخفضت من الاعانات المخصصة للاجئين القادمين حديثا إلى البلاد مقدار 50 بالمئة؛ بدوره اعتبر رئيس الحكومة المجرية فيكتور اوربان في وقت سابق أن هذا التدفق الكبير للاجئين الى اوروبا وهم “من المسلمين في غالبيتهم” يشكل تهديدا لهوية اوروبا المسيحية؛ أما في فرنسا بلد الحرية والمساواة والأخرة” وكذا اليمين المتطرف، فأعرب عدد من بلدياتها الصغيرة في شارفيو-شافانيو (وسط غرب) وبيلفور (شمال شرق) وكذا روان (وسط شرق) عن استعدادهم لاستضافة اللاجئين بشرط أن يكونوا ينتمون إلى الديانة المسيحية!
وفي تأكيد واضح للعنصرية والتمييز المبني على أساس ديني برر مسؤولو هذه المناطق اقتصارهم على اللاجئين من ديانة مسيحية بالقول إن “المسيحيين لا يعرضون للخطر سلامة الاخرين”, و”لا يهاجمون القطارات مسلحين برشاش كلاشنيكوف” ولا “يقطعون رؤوس ارباب عملهم” في تلميح واضح إلى بعض الهجمات التي وقعت في فرنسا وكان ورائها أشخاص محسوبين على الديانة الإسلامية مجموعة من الهجمات الجهادية التي وقعت منذ بداية السنة في فرنسا.
واستند أعضاء المجلس البلدي لشارفيو-شافانيو التي يبلغ عدد سكانها 8250 نسمة، في قرارهم “العنصري” الى ما عتبروه دعوة البابا فرنسيس من اجل استقبال لاجئين، والى وعد قطعه القديس لويس في 1250 بحماية مسيحيي الشرق. واعتبرت البلدية ان “هذا الوعد صمد عبر الأجيال وجعل من فرنسا حامية وفية لمسيحيي الشرق”؛ متناسية بذلك تضحيات عشرات الآلاف من المجندين المسلمين الذين شاركوا جنبا إلى جنب مع الجيش الفرنسي أمام النازية دفاعا عن القيم الإنسانية، وبغض النظر عن أي نزعة عرقية أو دينية، تعيد الإنسانية قرونا إلى الوراء.
وفي خطوة منه لحماية صورة فرنسا المتعددة، وقيم أوروبا بشكل غير مباشر، دافع رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس عن الطابع “العالمي” لحق اللجوء والذي يمنع اختيار اللاجئين “على اساس انتمائهم الديني”.
وقال فالس في كلمة القاها في كنيس الناصرة في باريس إنن استضافة اللاجئين يجب ان تتم “بالطبع وفقا لقواعد وبتنظيم جدي” ولكن “لا يمكن انتقاء (اللاجئين) على اساس انتمائهم الديني” مشددا على أن “حق اللجوء هو حق عالمي”، في وقت تعهدت فرنسا بأن تستقبل 24 ألف لاجئ خلال سنتين، وأن تأخذ عن عاتق برلين في مرحلة اولى الاهتمام بألف لاجىء من سوريا والعراق واريتريا وصلوا اخيرا الى المانيا.
هياة التحرير