فقد محمد ديابي مدخراته في محاولة فاشلة أنفق خلالها 4000 دولار للوصول إلى أوروبا ساعده خلالها مهربون على عبور الصحراء الكبرى قبل أن تطلق الشرطة النار نحوه وتودعه السجن في ليبيا لستة أشهر.
والآن وبعد أن عاد إلى قريته سيجوكورا في السنغال التي تنعم بالسلام رغم فقرها يقول الشاب البالغ من العمر 23 عاما إنه سيعاود الكرة.
قال ديابي بيما كان محاطا بأفراد أسرته “أحمد الله على أنني عدت ولم أمت. لكن إن سنحت لي الفرصة ثانية فسأحاول… ليس لي أن أجلس هكذا مع العجائز.”
هلك ما يقرب من 2000 مهاجر غير شرعي هذا العام حتى الآن خلال رحلة تحفها المخاطر عبر البحر المتوسط إلى إيطاليا. وقصة ديابي قصة متكررة تروي دوافع آلاف السنغاليين الذين يخاطرون بحياتهم كل عام.
وتشير بيانات منظمة الهجرة الدولية إلى أن السنغال هي سادس أكبر دولة انطلق منها مهاجرون هذا العام حتى الآن. أما الدول الخمس المتقدمة عليها فهي إريتريا والصومال ونيجيريا وسوريا وجامبيا وكلها دول إما تعاني صراعا أو مخاوف تتعلق بانتهاكات الحقوق.
لكن السنغال على النقيض من هذه الدول هي من أكثر دول أفريقيا استقرارا كما أنها تحقق معدل نمو اقتصادي قدره خمسة في المئة وهو معدل قد تحسدها عليه كثير من دول أوروبا.
ومع هذا يقول ديابي الذي كان جالسا في الظل أمام منزل أسرته إنه يحلم دائما بالفرار. وأخفقت محاولاته الثلاث للحصول على تأشيرة سفر لفرنسا.
قال وهو يمسك بمظروف يحوي أوراقا مثنية بحرص “منذ كنت صغيرا وأنا أريد الذهاب لأوروبا… أعمل هنا لكني لا أكسب مالا. أريد الذهاب لأوروبا لأساعد أسرتي.”
ويعيش بمنطقة تامباكوندا الفقيرة التي ينتمي إليها ديابي ثلثا مهاجري السنغال الذين رحلتهم منظمة الهجرة الدولية من ليبيا وبلغ عددهم 541 مهاجرا في أول أربعة أشهر من العام. وفي سيجوكورا يقول كبار المنطقة إن ما بين 70 و80 شابا غادروها منذ يناير كانون الثاني.
وفي حين تنتشر مراكز التسوق المبهرة والمباني الشاهقة في العاصمة دكار الواقعة على بعد 500 كيلومتر إلى الغرب تتلخص مساكن سيجوكورا في مجموعة مبان من الطوب اللبن يتعيش سكانها على الزراعة وبيع القليل من الأغنام.
ويعاني ثلثا سكان تامباكوندا من الفقر بينما يعانيه أقل من نصف سكان البلاد ككل والبالغ عددهم 15 مليون نسمة.
وفي حين أن مشقة العيش تمثل أحد العوامل الطاردة لشبان المنطقة توجد أيضا رغبة في تحقيق نجاح كذلك الذي حققه مهاجرون يرسلون المال للديار. وديابي مثله مثل كثير من الشبان هنا يأمل في أن ينضم لأصدقاء وأقارب يعيشون في فرنسا.
أكبر البيوت في سيجوكورا هي تلك البيوت التي بناها من هاجروا للخارج. والكهرباء المتوافرة تتولد من ألواح شمسية تعلو أسقف تلك البيوت فتدير أجهزة التلفزيون التي تعرض نموذجا مغويا للحياة في الغرب.
قال أبو باجي (35 عاما) الذي يعمل بالفرع المحلي لجمعية (سئمنا) وهي إحدى منظمات المجتمع المدني “لا توجد وظائف… هؤلاء الناس يظنون أن الهجرة قدرهم المكتوب.”
الفقير “لا يقدر” على تكاليف الهجرة
يقر سوري كابا الذي يرأس الإدارة المعنية بالمواطنين في الخارج بوزارة الخارجية السنغالية بأن معدل البطالة الذي يزيد على 25 في المئة من العوامل الدافعة للسعي للهجرة.
لكنه يقول مثله مثل كثير من الخبراء إن هجرة كثيرين من أبناء المنطقة إضافة إلى الرغبة في تحسين معيشة الأسر تحفزان آلاف السنغاليين على الهجرة.
قال كابا “الفقر المدقع ليس هو العامل المحفز للهجرة لأنك لو كنت فقيرا فعلا لما أمكنك دفع ثمن هذه الرحلة” مشيرا إلى آلاف الدولارات التي يتعين على المهاجرين أن يدفعوها.
ويبغي معظم من يحلمون بالهجرة لأوروبا تأمين حياة أسرهم. ويشجع كثيرون أقاربهم الشبان على الهجرة بل ويمولون رحلتهم أملا في جني الثمار يوما.
وقال كابا إن المواطنين السنغاليين يرسلون للديار كل عام ما يقدر بنحو 800 مليار فرنك أفريقي (1.37 مليار دولار). وتشير أحدث بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن تحويلات العاملين في الخارج مثلت أكثر من 11 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2011.
محمد كامارا يعيش في فرنسا منذ عام 1993. لديه الآن مسكن في فرنسا لكنه يمضي ثلاثة أشهر من كل عام في سيجوكورا مع عائلته الكبيرة ومع زوجتيه وأبنائه الثمانية.
جنى كامارا ثمار تعبه.. فبنى منزلا كبيرا للعائلة تربض في فنائه سيارة دفع رباعي. وفي الآونة الأخيرة لحق به أحد أبنائه في فرنسا.
أما بالنسبة لمن أجبرتهم الظروف على العودة إلى سيجوكورا فلا يرون فرصا تذكر. من هؤلاء نفامارا دياوارا الذي رحلته منظمة الهجرة الدولية من ليبيا بناء على طلبه بعد أن عانى انتهاكات على أيدي المهربين.
يجلس الآن دياوارا -وهو أب لثلاثة أبناء- أمام بيت كامارا الكبير بلونيه الأخضر والأبيض ولا يرى أمامه فرصا تذكر.
يقول “أفقت اليوم. أريد أن أعود. لا أملك شيئا هنا.”
عن وكالة رويترز للأنباء