على هامش تخليد الذكرى الستين لتوقيع اتفاقية العمل بين المغرب وبلجيكا سنة لسنة 1964، وضمن سلسلة ندواته بمناسبة الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للكتاب والنشر، نظم مجلس الجالية المغربية بالخارج يوم الخميس 24 أبريل 2025 مائدة مستديرة حول موضوع “المغرب-بلجيكا: تاريخ، هجرات وإحياء ذكرى”.
وشارك في هذه الندوة التي أقيمت بالرواق المشترك بين مجلس الجالية المغربية بالخارج ووزارة الشباب والثقافة والتواصل، وأدارها الصحفي أمين بوسحابة، كل من السياسية السابقة والكاتبة فتيحة السعيدي، والباحث والسياسي أحمد المدهون، ومحمد إقوبعان، منسق “موسم بلجيكا”، والناشرة ميشيل ديسموت، والأستاذ بجامعة لييج، حسن بوستة.
في مداخلتها خلال هذه الجلسة تطرقت الكاتبة فتيحة السعيدي للمؤلف الذي أشرفت عليه وصدر مؤخرا بعنوان “لدي حبان“، معتبرة أن المؤلف جمع شهادات لكاتبات وكتاب من مغاربة بلجيكا ينتمون لأجيال مختلفة، من أجل تأكيد الانتماء المزدوج إلى البلدين في تكامل وتناغم، غير قابل للتفريق.
وأضافت السعيدي بأن هذا الكتاب يكشف هذه التوليفة التي صنعها البلجيكيون المغاربة والتي تتسم بغنى هوياتي وتعدد الإسهامات، كما يعبر عن اختلاف تصورات المهاجرين الأوائل والأجيال الجديدة في الجالية المغربية حول علاقتهم مع بلدهم.
المدهون بين واجب الذاكرة ودين التاريخ
من جهته اعتبر السياسي والجامعي، أحمد المدهون أن إحياء ذكرى العلاقات البلجيكية المغربية يدخل في إطار واجب الذاكرة الذي يلزمنا نحن الجيل الأول والثاني من المهاجرين، أن نناضل لحماية هذا التاريخ من النسيان”، مؤكدا أن التاريخ هو تراكم للديون.
كما تحدث المدهون منسق كتاب “بلجيكا بلادي: قصة بلجيكية مغربية” مع فاطمة زيبوح وأندريا ريا وكريستوف سوكال، الصادر بمناسبة إحياء الذكرى الستينية لاتفاق اليد العاملة بين المغرب وبلجيكا، عن تجربة هذا المؤلف الجماعي، الذي يسعى أيضا إلى التذكير بمعنى الانتماء في المجتمعات الفردانية، سواء الانتماء للعائلة أو الانتماء للمجتمع وتعزيز هذا الرابط بالنسبة للأجيال الجديدة.
وعلق نفس المتحدث على صورة الغلاف التي تظهر امرأة مسنة من الجيل الأول للمغاربة في بلجيكا وشابة من الجيل الثالث أو الرابع، حيث “تعبر كل امرأة عن هويتها الخاصة في هذا الكتاب الذي يكرّم النساء اللواتي كنّ غير مرئيات عبر تاريخ الهجرة”، يضيف.
بوستة يستعيد تاريخ العلاقات بين المغرب وبلجيكا في مؤلف جديد
كتاب أخر حظي بتقديم منسقه خلال هذه المائدة المستديرة، هو كتاب ” بين ضفتين: بلجيكا-المغرب: تاريخان متوازيان ومصائر متقاطعة” وأشرف عليه الباحث والبرلماني السابق في بلجيكا، احمد بوستة، الذي توقف من خلال الوثائق ورواية مسارات الأشخاص التي جمعها الكتاب على كثافة وعمق العلاقات البلجيكية المغربية، والتي لم تحفظ الذاكرة إلا بالشيء القليل منها.
وأكد بوستة خلال هذه المداخلة أن هذا الكتاب جاء نتيجة تفكير سياسي قبلي يضع الهجرة في سياق اتفاقية عمالية هي اتفاقية 1964، إلا أن قراءة هذه الهجرة في عام 2024 تجعلنا نتوقف على مفاهيم أخرى مثل مفهوم الحركية الدائرية الذي أفرزه وجود مغربي في بلجيكا ووجود بلجيكي في المغرب.
وحول المنهجية المعتمدة في هذا المؤلف أبرز بوستة أن الكتاب ينطلق من التاريخ البعيد للعلاقات بين البلدين ليصل إلى الفترة الراهنة، مشددا على أنه ليس كتاب مؤرخين، بل هو عمل ساهم فيه باحثون في علم الاجتماع والعلوم السياسية مهتمون بما يمكن أن يقدمه التاريخ كمادة لبناء الذاكرة.
في نفس إطار الحديث عن كتاب “ين ضفتين: بلجيكا-المغرب: تاريخان متوازيان ومصائر متقاطعة” كانت مداخلة الناشرة ميشيل ديسمونت، والتي عبرت عن ارتباطها بالمغرب الذي تقيم فيه، وأرادت من خلال المساهمة في هذا العمل الفكري إبراز أنواع أخرى من الهجرات التي لا يتم الاهتمام بها بشكل أقل في رواية تاريخ الهجرة بين المغرب وبلجيكا، “فهناك الهجرات بدافع الحب، والهجرات بدافع الفضول والهجرات العلمية…” تضيف المتدخلة.
وفيما يتعلق بالتصورات التي يحملها البلجيكيين عن المغرب عبرت ميشيل ديسمونت عن شعورها ببعض الإحباط خلال تتبعها لاحتفالات بالذكرى الستين لاتفاقية اليد العاملة بين المغرب وبلجيكا، “عندما أتحدث إلى أشخاص بلجيكيين أجد أنهم لا يعرفون الكثير عن المغرب، ويختزلونه في سنوات الستينات والسبعينات عندما كان هناك بعض الخلل في التوازن بين البلدين، لذلك أردت تصحيح هذه الأفكار عن طريق المسارات الإنسانية والروايات التاريخية التي يتضمنها هذا الكتاب”.
إيقوبعان وسياق تأسيس “موسم بلجيكا “
من جانبه تحدث المحامي محمد إيقوبعان، عن تجربته الشخصية في الهجرة إلى بلجيكا وبداية التفكير في تأسيس “موسم بلجيكا”، ويروي في هذا الصدد أن الفكرة جاءت تزامنا مع صعود الخطاب العنصري في المنطقة الفلامانية اتجاه المهاجرين خاصة من شمال إفريقيا، والإهانات التي يتعرض لها هؤلاء بشكل يومي، معتبرا أن هذا السياق خلق بالنسبة إليه صدمة من هذا الخطاب الذي يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب العالمية، ولا يتماشى مع القيم الأوروبية التي كان يحملها قبل الهجرة.
ويقول إيقوبعان إنه وفي ظل الغياب التام لتاريخ المهاجرين وعلى رأسهم المغاربة في المتاحف والمسارح وفي مختلف الإطارات الفنية والثقافية في المنطقة الفلامانية، واقتصار الجمعيات على بعض الأنشطة الفلكلورية، قرر تأسيس “موسم بلجيكا” كمشروع ثقافي يشرك مغاربة وبلجيكيين، حول محورية الثقافة في الربط بين الهويات، مضيفا أن الهدف كان تمثل أيضا في زيادة الوعي بالثقافة المغربية التي أصبحت جزءًا من التاريخ البلجيكي، خصوصا وأن التأسيس تزامن مع بداية بروز نخبة مغربية في بلجيكا كنتاج للتمازج بين الثقافتين.