سلطت حلقة برنامج “تحت المجهر” الذي بتتها قناة الجزيرة هذا الأسبوع، الضوء على المفارقة الإنسانية والقانونية التي يعيش فيها المتقاعدون المغاربيون في فرنسا، حيث إن المتقاعد الأوروبي يستطيع الهجرة ناقلا معه حقه التقاعدي كاملا، بينما المتقاعد المغاربي في أوروبا تواجهه قوانين صارمة تمنعه من العيش بشكل دائم في وطنه، لأن ذلك سيفقده جزءا كبيرا من تعويضاته التقاعدية.
وجاء في تقديم الحلقة أن حلقة “تحت المجهر” وعنوانها “جمرة التقاعد” رحلة في عمق قضية نمت وراء ظهور الدول التي تصدر المهاجرين وتلك التي تستقبلهم. فعندما كان الاهتمام منصبا على جذب العمالة الرخيصة إلى أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، كان التركيز على العمال الشباب الذين يوافقون على العمل ساعات طويلة وفي ظروف صعبة.
أكثر من ثمان مائة ألف متقاعد من الدول المغربية وجنوب الصحراء يعيشون في فرنسا ولا يحملون الجنسية الفرنسية، ووفق قوانين فرنسا فإن أيا منهم إذا أقام في بلده الأصلي أكثر من ستة أشهر يُقطع عنه الجزء الأكبر من حقوقه التقاعدية المتمثلة في التقاعد التكميلي والتغطية الصحية وتعويضات السكن.
من النماذج التي أدرجها برنامج “عمر أيت الصغير” متقاعد مغربي من مواليد 1950 يعيش في مونت لاجولي في فرنسا، يقول إنه يعيش في سجن وجحيم، وإن آلاف المهاجرين المغاربة الذي جاؤوا إلى فرنسا وعملوا بها يعيشون حياة التشرد، وأيضا “محامد آيت واكريم” (75 عاما)، متقاعد مغربي عاش في فرنسا 45 عاما وحصل على التقاعد عام 1993، لكنه اليوم يعيش متنقلا بين بلده الأصلي وفرنسا لأنه مضطر لتحمل هذا الأمر حتى لا يجرد من حقوقه التقاعدية.
الحاج بلقاسم شميث متقاعد تونسي يعيش في ضاحية أوبرفيلييه في العاصمة الفرنسية باريس، جاء إلى فرنسا عام 1972، واشتغل في ظروف قاسية من أجل الحصول على تقاعد، لكنه أيضا يعاني مثل أقرانه المهاجرين الآخرين.
وتضيف القناة في تقديمها لهذه الحلقة أنه “خلال إنتاجنا لـ “جمرة التقاعد” تكشف لنا حجم الإشكالية، وكان من الصعب الإحاطة بكل تفاصيل مشكلة المتقاعدين المغاربيين في أوروبا، لذا قررنا التركيز على الحالتين الهولندية والفرنسية لاعتبارين: الأول أن قوانين هولندا الخاصة بالتقاعد التي بدأت منذ عام 2014 تميل نحو مزيد من التشدد ضد المتقاعدين الأجانب مقارنة بباقي الدول الأوروبية
والاعتبار الثاني هو أن علاقة فرنسا بدول المغرب العربي متداخلة جدا، إلى درجة أن المتقاعدين الفرنسيين يفضلون العيش في تونس والمغرب بسبب رخص الحياة وسهولة الاندماج، ولهذا كان البعد الثاني للفيلم يسلط الضوء على الحياة المرفهة للمتقاعد الأوروبي في بلاد المغرب العربي ومقابلتها بحياة المتقاعد المغاربي الصعبة في أوروبا”.
وكانت ما تعرف بقضية “الشيبانيين” أي كبار السن، قد انفجرت مع بداية القرن الـ21 في فرنسا، بسبب الظلم الكبير الذي يعانيه آلاف المهاجرين الذين تحملوا طيلة إقامتهم بفرنسا ظروفا معيشية ومهنية صعبة، وكان أملهم الحصول على تقاعد كريم.
هياة التحرير + الجزيرة نت