في إطار برنامج ندوات مجلس الجالية المغربية بالخارج في الدورة 30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، احتضن فضاء المعرض يوم الثلاثاء 22 أبريل 2025 ندوة حول قصة المغاربة المطرودين من الجزائر.
وقدم عبد الرزاق الحنوشي عن التجمع الدولي لدعم المطرودين من الجزائر سنة 1975 كلمة تأطيرية لسياق هذه الندوة التي جاءت، كثمرة تعاون بين التجمع ومجلس الجالية المغربية بالخارج من أجل حفظ ذاكرة ضحايا الطرد، مبرزا منهجية اشتغال هذا الإطار الجمعوي في الترافع على هذه قضية الحقوقية على الصعيد الدولي من خلال جمع وحفظ الذاكرة، وكذا الترافع على مستوى المؤسسات حقوق الإنسان الدولية للتعريف بالقضية وإعادة الاعتبار للضحايا.
فتيحة السعيدي وواجب الذاكرة تجاه الضحايا
وفي هذا الصدد لم تخرج جل المدخلات عن هذا التأطير، فشهادة الكاتبة والسياسة السابقة في بلجيكا فتيحة السعيدي التي عاشت مأساة الطرد من خلال أجدادها الذين طردوا من وهران، تحدثت عن انخراطها منذ سنة 2007 في هذا المسار، مسار الذاكرة، الذي تعتبره واجبا تجاه هؤلاء الضحايا الذين “عاشوا مأساة حقيقة، اضطرتهم إلى إعادة حياتهم من الصفر، وتم انتزاعهم من بيوتهم بشكل تعسفي”.
وتضيف فتيحة السعيدي المتخصصة في علم النفس أن هذه المعاناة انتقلت عبر أجيال هؤلاء المهجّرين، وتأثر بها أبناؤهم وأحفادهم، “شخصيا ليست لي صورا لطفولتي لأنها بقيت في الجزائر، وهذه الأمور الرمزية مهمة ولها تأثير على الذاكرة خصوصا في سياق الهجرة” تخلص السعيدي في مداخلتها.
أطفال ضحايا الترحيل القسري من الجزائر
وفي نفس الاتجاه خصص الكاتب الهاشمي الصالحي جزءا من مداخلته في هذه الندوة إلى المأساة التي عاشها الأطفال والذين انتزعت طفولتهم، وأخرجوا من المدارس بسبب قرار السلطات العسكرية في عهد بومدين ترحيل 45 ألف عائلة مغربية من الجزائر سنة 1795 ردا على المسيرة الخضراء؛ “من بين 300 ألف مغربي تم ترحيلهم بشكل قسري من الجزائر هناك أطفال أخرجوا من مدارسهم وهي مأساة حقيقية لأن إيقاف تمدرس الأطفال وإدخالهم في عالم الكبار” هو جريمة ضد الطفل وجريمة ضد الإنسانية” يقول.
وحول أعماله الأدبية التي خصصت لموضوع المغاربة المطرودين من الجزائر من بينها “منطق الطير الطريد” الصادرة بالفرنسية والعربية سنة 2017، يعتبر الهاشمي صالحي أنه يحرص على الحديث عن هؤلاء الناس البسطاء الذين نسيهم التاريخ بتعابير أدبية متنوعة من أجل حفظ ذاكرتهم، مؤكدا أنه بعد خمسين سنة من هذا الطرد التعسفي ما زال هؤلاء الضحايا ينتظرون العدالة وإعادة الاعتبار.
فرتات تقارب رواية “مداهمة عند الغروب”
وفي مداخلتها خلال هذه الجلسة قامت السوسيولوجية، التيجانية فرتات، بقراءة في رواية بعنوان “مغاربة الجزائر: مداهمة عند الغروب” للكاتب والباحث في العلوم السياسية منصور قديدير، الصادرة باللغة الفرنسية عن دار نشر ملتقى الطرق سنة2022، والتي يتحدث فيها عن التهجير القسري لمغاربة الجزائر من خلال قصة الشاب عادل المولود في الجزائر ووالده علال الذي شارك في مقاومة الاستعمار الفرنسي في الجزائر، ليجدا نفسيهما مرحلين مع عائلتهما بشكل مأساوي نحو المغرب بشكل مفاجئ وبدون أي سبب موضوعي سوى أن أصولهم مغربية.
وتوقفت العضو السابق للمجلس الأعلى للتربية والتكوين على هاته المأساة التي تركت جروحا لا يمكن نسيانها، مؤكدة أن هذا النضال من أجل مقاومة النسيان هو ما يهدف إليه المؤلف، الذي لا يكتفي، بحسب التيجانية فرتات، بحكي هذا الكابوس ولكنه “يجعلنا نحسن به ونعيش بداخله بكلمات دقيقة تعبر عن الظلم وفقدان الأمل” والظروف الصعبة التي وجد فيها هؤلاء أنفسهم بعد طردهم من الجزائر.
محمد الشرفاوي والكتابة عن مأساة “المسيرة السوداء”
من جانبه تحدث محمد الشرفاوي، وهو واحد من اللذين عاشوا مأساة الترحيل عن الجروح النفسية التي خلفتها لديه هذه “الدراما” لعقود من الزمن، وعن رغبته في ترك أثر حول هذا الحدث المأساوي الذي تجاهله لأزيد من ثلاثة عقود، من خلال تأليف رواية “المسيرة السوداء: طرد المغاربة من الجزائر سنة 1975” (منشورات ملتقى الطرق).
” كان الألم حادا لدرجة أنني لم أستطع الحديث في الرواية بضمير المتكلم، وتقمصت شخصية عيسى بعد ثلاثين سنة من تجاهل الموضوع، بحيث كنت أرفض أن أسمع أو أقرأ عن الجزائر وبالتالي فهي لم تكن موجودة في ذهني” يقول المهندس المزداد في وهران والمقيم بفرنسا.
وبعد نصف قرن من هاته المأساة الإنسانية يعتبر محمد الشرفاوي أن الغضب مازال حاضرا عنده، لأنه لم يكن أي داعي لهذا الطرد خاصة وأنه جاء في مناسبة رمزية هي يوم عيد الأضحى وبطريقة “احتيالية” لأن السلطات الجزائرية كانت توقف المغاربة بدريعة المراجعة الإدارية للأوراق ويجدون نفسهم في اليوم الموالي على الحدود مع المغرب؛ معبرا في نفس الوقت عن رغبته في زيارة المدينة التي ولد فيها وحنينه إلى أغراضه الشخصية التي تركها هناك.
اليعقوبي : الأدب أول أرض للجوء
أما الكاتب عبد القادر اليعقوبي المزداد بدوره في وهران، فقد خصص مداخلته للحديث عن تجربته الشخصية مع الإبعاد، بداية بإبعاده أصدقائه الأوروبيين المولودين في الجزائر بعد الحرب، وطرده من الثانوية في الجزائر بسبب رفضه دراسة المواد المقرر الدراسي، والذي سيؤدي إلى هجرته الطوعية إلى فرنسا للعمل في معمل نسيج قبل أن يكمل دراساته الجامعية ويلج ميدان التدريس.
كما توقف الكاتب على أهمية الأدب في معالجة قضايا الهجرة واللجوء باعتباره أول أرض للجوء، وعن نظرته لهاته القضايا والمعاناة التي يعيشها المهاجرون في الوقت الحالي والذين يتم تحميلهم مسؤولية جميع المشاكل الاجتماعية التي تعرفها البلدان المستقبلة.
إقرا كذلك: ادريس اليزمي: يتعين الأخذ بعين الاعتبار التحولات التي يعرفها مغاربة العالم