شكلت حركية الهجرة محور مائدة مستديرة انعقدت الثلاثاء 8 أبريل 2025 بمونتريال، بمشاركة خبراء تناولوا خلالها الرهانات والتحديات المرتبطة بالهجرة.
وخلال هذا اللقاء، استعرضت سميرة بليزيد، المكلفة بقضايا الإنصاف والتنوع والإدماج لدى الجمعية الدولية لدراسة الآداب والثقافات في الفضاء الفرنكفوني، الخطاب الإعلامي الفرنكفوني في كندا المتعلق بقضايا الهجرة.
وفي إطار هذا اللقاء، الذي نظمه المركز الثقافي المغربي (دار المغرب) بشراكة مع مجلس الجالية المغربية بالخارج، أبرزت الأستاذة بجامعة مونكتون الكندية، أن العقدين الماضيين شهدا تصاعد خطاب وصم المهاجرين في الفضاء العام، وهو ما ساهم في تكريس الصور النمطية حول الهجرة وأثر، في الوقت نفسه، على السياسات العمومية في هذا المجال.
واعتبرت المتدخلة أن هذا التناول الإعلامي كانت له آثار “سلبية” على السياسات العمومية وسلوكيات الأفراد، مشيرة إلى ارتفاع في عدد حوادث العنف التي تستهدف المهاجرين المسلمين. وشددت على ضرورة إعادة النظر في المعالجة الإعلامية لهذا الموضوع والعمل بشكل استباقي للوقاية من العنف وتعزيز قيم العيش المشترك، داعية إلى انخراط أكبر للمهاجرين المسلمين في النقاشات العمومية وفي الحقل الإعلامي.
من جانبه، تطرق توفيق فتايتة، أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة كوت دازور، بنيس الفرنسية، إلى تاريخ الهجرة المغاربية إلى فرنسا، مشيرا إلى أن هذا البلد شهد موجتين كبيرتين من الهجرة.
وأوضح أن الموجة الأولى انطلقت بعد الحرب العالمية الثانية، عندما لجأت فرنسا إلى اليد العاملة المغاربية، فيما ارتبطت الموجة الثانية بظاهرة التجمع العائلي خلال سنوات السبعينيات في سياق الأزمة البترولية والاقتصادية. كما أثارت حركات الهجرة، يضيف فتايتة، عددا من الإشكاليات من قبيل السكن، وتعليم الأطفال، وغياب التأطير الملائم.
أما سميرة العطية، أستاذة التعليم العالي ونائبة عميد جامعة ألبرتا الكندية، فقد سلطت الضوء على إشكالية اللغة بالنسبة لبعض المهاجرين، والتي تعرقل اندماجهم ومسارهم المهني. واعتبرت أن هذه المعضلة تتجلى بشكل خاص في غرب كندا، حيث يطلب من اليد العاملة المؤهلة إتقان اللغة الإنجليزية، مضيفة أن مشكل اللغة يؤدي في كثير من الأحيان إلى عزل المهاجرين عن محيطهم.
من جهته، أكد مصطفى جمال، أستاذ بجامعة كوين مارغريت الأسكتلندية، أن تاريخ المملكة المتحدة تميز دائما بموجات متتالية من الهجرة من مختلف بقاع العالم. وتطرق أيضا إلى الخطاب الذي يروج له بعض الساسة المؤثرين بشأن “إخفاق التعددية الثقافية” في المملكة المتحدة، والذي يعتبر أن التراجع الثقافي يعد نتيجة مباشرة للتعددية الثقافية و”الإساءة إلى القيم البريطانية”. وأشار إلى أن هذا الخطاب أدى إلى تنامي المواقف المعادية للهجرة، وارتفاع عدد الأفعال العنصرية، وتصاعد نفوذ اليمين المتطرف.
من جانبه، ركز أحمد لقروري، العميد السابق ونائب الرئيس الأكاديمي بجامعة الأخوين، على هجرة الطلبة، معتبرا أنها تساهم في تنمية الرأسمال البشري ونقل المعرفة. وأبرز أن وجود الطلبة الأجانب يعد أحد أشكال “القوة الناعمة” التي تؤثر في السياسات العمومية، مشددا على أهمية تعزيز حضور الكفاءات المغربية داخل المؤسسات والمنظمات الدولية المرموقة.
كما أكد الدور المحوري للتعليم والتكوين في مكافحة الفقر وتعزيز التنمية الاقتصادية. وأضاف أن حركية الطلبة تسهم أيضا في تعزيز التبادل وبناء مجتمعات أكثر سلما. واعتبر، في الوقت نفسه، أن هذه الظاهرة تطرح بإلحاح إشكالية “هجرة الأدمغة”، مبرزا أهمية توفير الشروط الكفيلة بالحفاظ على الكفاءات وتشجيع المهاجرين على العودة إلى بلدانهم الأصلية.
من جانبها، اعتبرت مديرة (دار المغرب)، هدى الزموري، أن الهجرة لم تعد ت ختزل فقط في بعدها الأمني أو الاقتصادي، بل يجب التفكير فيها في شموليتها، من خلال مقاربة تقاطعية ترتكز على حقوق الإنسان، والتعاون الدولي، والقيمة المضافة التي تمثلها حركات الهجرة.
وفي هذا السياق، أكدت المتدخلة أن المغرب تبنى، تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، سياسة هجرة طموحة، إنسانية ومتضامنة، تماشيا مع تقاليده العريقة المتمثلة في الانفتاح، مبرزة أن المملكة أضحت فاعلا مرجعيا على الصعيدين الإفريقي والدولي في مجال تدبير قضايا الهجرة.
وأوضحت أنه منذ سنة 2013، ومع اعتماد الاستراتيجية الوطنية الجديدة للهجرة واللجوء، وضعت المملكة قضية الهجرة في صلب سياستها العمومية، من خلال مقاربة تدمج الأبعاد الإنسانية والقانونية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
وذكرت بأنه تم اختيار صاحب الجلالة الملك محمد السادس رائدا للاتحاد الإفريقي في مجال الهجرة، مشيرة إلى أن إحداث المرصد الإفريقي للهجرة، ومقره الرباط، يندرج في إطار هذه الدينامية ويشكل أداة حقيقية للرصد والتعاون جنوب-جنوب في هذا المجال.
أما هشام تيفلاتي، الباحث الرئيسي في البرنامج الكندي “فورين فايترز” بجامعة واترلو الكندية، فقد خص ص مداخلته لإشكالية الاندماج التي يواجهها الجيل الثاني من المهاجرين بكندا.
وتطرق، في هذا الإطار، إلى قضايا الحفاظ على الهوية والثقافة الأصلية، وروابط الأجيال الصاعدة مع البلد الأصل، مشددا على الدور الهام الذي تضطلع به المؤسسات الثقافية بالخارج في هذا السياق.
كما عرف هذا اللقاء تقديم شهادات عدد من أفراد الجالية المغربية المقيمة بكندا، تطرقت إلى التحديات التي يواجهونها في بلد الاستقبال.