في ختام مشاركته في الدورة 25 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء احتضن رواق مجلس الجالية المغربية بالخارج يوم الأحد 17 فبراير 2019 ندوة جول موضوع "تدبير الاختلاف في المدينة" بمشاركة كل من نجاة فالو بلقاسم السياسية والأكاديمية الفرنسية من أصل مغربي، ورولان كيس، عمدة مدينة ستراسبورغ الفرنسية، وسير أطوارها الصحفي أمين بوسحابة.
نجاة فالو بلقاسم: للتعليم دور محوري في تفكيك خطاب الكراهية
وخلال مداخلتها في هذه الندوة، أكدت نجاة فالو بلقاسم أنها لم تكن تشعر بكونها مختلفة في فرنسا إلا عندما دخلت غمار السياسة لأن الناس بدأت ترى فيها مرشحة مفروضة بحكم انتمائها لأصول مهاجرة، واستطردت قائلة إن الدرس الذي تعلمته من هذه التجربة السياسية هو أن على المرء دائما الثقة في شرعيته بشكل شخصي وعدم التشكيك فيها، وهو ما فرض عليها الاشتغال بشكل مضاعف من أجل إثبات الذات سياسيا.
وأكدت وزيرة التعليم الفرنسية السابقة أن دور المنتخبين مهم جدا لأنهم يوجدون في المستوى الذي يمكنهم من وضع أسس التربية على الاختلاف وتكوين قناعة التعدد في المدينة، وهو ما حاولت القيام به في مختلف المسؤوليات السياسية التي تبوأتها، مشددة في نفس الوقت على أهمية التعليم في تفكيك خطاب الكراهية وتفسير تطور الأفكار الداعية إلى العيش المشترك واحترام الأخر.
ولم تفت بلقاسم الإشارة إلى التحديات التي تواجه التعدد الثقافي وتشكل خطرا على الديمقراطية، والمتمثلة أساسا في انتشار الاخبار الكاذبة في مواقع التواصل الاجتماعي وصعود أفكار اليمين المتطرف، وأبرزت أن الشكل الحالي لوسائل الإعلام ونموذجها الاقتصادي يطرح اشكاليات على الديمقراطية مما يفرض ضرورة التفكير في كيفية دعمها من طرف الدولة لجعلها أكثر دمقرطة وانفتاحا على التعدد وعلى المرأة أيضا وعدم الاكتفاء بحصر تدخلات المهاجرين في مواضيع مرتبطة بالهجرة او التنوع وكأنهم لا يشكلون جزءا من المجتمع بجميع قضاياه.
من جهة أخرى قالت نجاة فالو بلقاسم إنه من الجيد المحافظة على علاقات مؤسساتية مع بلدان الإقامة خصوصا في الجانب الثقافي، منوهة بدور المغرب الذي يعتبر جاليته كثروة لا مادية موجودة في أكثر من مائة بلد، الأمر الذي يجعله من بين الدول القلائل التي وجدت الطريق الصحيح في مجال المحافظة على رابط ثقافي مع جاليته بالخارج.
عمدة ستراسبورغ: التعدد الثقافي وسيلة لإغناء المجتمع
أما عمدة ستراسبورغ، رولان ريس فقد أكد في بداية مداخلته على أن التعدد التعددي وسيلة إغناء لثقافة المجتمع، كما أنه أمر إيجابي لمعرفة الأخر والتحاور معه، ويساعد على تقدم المجتمع كما يسهل يساعد على التقدم إذا لم يفرض الأخر اختلافه بالقوة.
وتحدث ريس على تجربة تدبير التعدد في مدينة ستراسبورغ التي حاول مجلسها ربط أحيائها الهامشية بوسط المدينة عبر وسائل النقل خاصة الترامواي ليستفيد الجميع مما توفره المدينة والذي هو ملك لجميع سكانها، وذكّر بتجربة بناء مسجد ستراسبورغ الكبير والذي ورغم الصراع السياسي الذي أثاره مع تيارات المعارضة، إلا أن القائمين عليه كانوا حريصين مع مجلس المدينة على أن يكون فضاء مفتوحا لغير المسلمين، ويساهم في خلق التعايش بين الأديان.
"وهنا يأتي دور السياسي في الدفاع عن اختياراته وفق الإطار القانوني، (قانون 1905 في هذه الحالة) الذي يفرض عليه التعامل بمنطق المساواة بين جميع الأديان وحماية حق جميع السكان في ممارسة شعائرهم الدينية" يضيف.
وأكد نفس المتحدث على أن التربية أمر محوري في تغيير العقليات لكنها تتطلب وقتا طويلا، والوضعية السياسية تجعل من المستعجل تدبير التعدد في سياق يتميز بصعود الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية، مشيرا إلى أن السياسي عليه الانتباه إلى التطور السريع للأحداث الذي يجعل من المستحيل توقع الوضع المستقبلي مما قد يهدد الاستقرار الاجتماعي.
بوصوف: مسار اندماج المغاربة في الخارج لا رجعة فيه
الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج عبد الله بوصوف، وفي كلمة له خلال هذا اللقاء دعا إلى المعرفة المشتركة والتعليم للترويج لصورة حقيقية عن الأخر معتبرا ان الجهل بالأخر هو سبب عدم تقبله ورفضه.
وأكد بوصوف أن مجلس الجالية المغربية بالخارج لاحظ من خلال دراسته للهجرة المغربية أن مسار الاندماج لا رجعة فيه، لذلك يسهر في إطار عمله على تقييم السياسات العمومية، على ألا توثر السياسات الوطنية في مجال الهجرة على مسار الاندماج، وتعمل على الحفاظ على الرابط الثقافي.
وأشار بوصوف إلى أن مغاربة العالم أثبتوا بدورهم حرصهم على المحافظة على مكونات ثقافتهم الأصلية وإدخالها للعولمة عبر تعبيراتهم الإبداعية بلغات أجنبية انطلاقا من ثقافتهم الأصلية، وهو ما ظهر جليا في سهرة شعرية نظمت على هامش مشاركة المجلس في معرض الكتاب، مؤكدا حرص المجلس على تعزيز العلاقة بين مغاربة العالم ووطنهم الأصلي في إطار اخترام مواطنتهم في دول الإقامة، وهم يشكلون بذلك قيمة مضافة لبلدهم الأصلي ولبلدان الاستقبال.
وفي ختام المائدة المستديرة كرم مجلس الجالية المغربية بالخارج، في شخص أمينه العام كلا من نجاة فالو بلقاسم ورولاند ريس، وهو نفس التكريم الذي حظي به المتدخلان من طرف وزارة الثقافة والاتصال في شخص، الوزير محمد الأعرج.
هيأة التحرير