21 يونيو – الرباط - إحداث مجلس الجالية المغربية بالخارج: منعطف مهم في مقاربة قضايا المهاجرين المغاربة

الثلاثاء, 21 يوليوز 2009

عرفت مقاربة قضايا الجالية المغربية بالخارج خلال العقد الأول من عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس تغيرا مهما تجسد بالخصوص في إحداث مجلس الجالية المغربية بالخارج باعتباره آلية جديدة وصيغة مناسبة تيسر إمكانيات التفكير العقلاني في الصيغ المناسبة لتمثيلية الجالية على أسس تأخذ بعين الاعتبار التحولات التي يعرفها ملف الهجرة على مختلف المستويات.


فقد أكد جلالة الملك، في خطاب الذكرى الثانية والثلاثين للمسيرة الخضراء، أن إحداث هذه الهيأة يندرج في إطار "إعادة التفكير العقلاني والمراجعة الجذرية لسياسة الهجرة باعتماد استراتيجية شمولية تضع حدا لتداخل الأدوار وتعدد الأجهزة، استراتيجية متناسقة تنهض فيها كل سلطة عمومية أو مؤسسة أو هيأة بالمهام المنوطة بها في تكامل وانسجام سواء في حسن تدبير جميع قضايا الهجرة أو في المسار الديمقراطي التنموي الواعد الذي نقوده بحزم وثبات وتفان ونكران ذات".


مسعى شامل ومتناسق


وإذا كان إحداث هذه المؤسسة قد تم عقب نقاش واسع حول أفضل السبل لإشراك المهاجرين المغاربة في المسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد فإن الإعلان عن ميلاد المجلس شكل خطوة هامة في اتجاه وضع ركائز جديدة لتمثيلية المغاربة المقيمين بالخارج.


وألح جلالة الملك ،عند تعيين رئيس المجلس وأمينه العام وأعضائه ، يوم 21 دجنبر 2007 على أن من بين ما ينتظره جلالته من المجلس ، تعميق التفكير والانكباب، بروح التجرد والمسؤولية، والحكمة والتبصر والانفتاح، لرفع توصيات إلى جلالته بشأن اختيار مجلس مقبل يتمتع بمزيد من التمثيلية، وكذلك بتوفير الشروط الكفيلة بضمان تمثيلية شاملة للمواطنين المغاربة في الخارج، بصفة تدريجية، في كافة مؤسسات ومجالات الحياة الوطنية.


إن هذا الورش يكتسي أهميته بالنظر إلى اتساع خريطة الهجرة المغربية في السنوات الماضية حيث برزت تجمعات جديدة للمهاجرين في مناطق جغرافية جديدة ( الولايات المتحدة وكندا وبلدان عربية ...)، وارتفع عدد هؤلاء في مناطق الاستقطاب التقليدية ( البلدان الأوروبية)، وهو ما تطلب خلق إطار مؤسساتي أولي يسمح بتحقيق تراكم مختلف الاجتهادات بغية التوصل إلى تصور شامل حول تمثيلية الجالية.


مجلس الجالية قوة اقتراحية


كما أن إحداث مجلس الجالية المغربية المكلف بمهمة استشارية يتولى بالخصوص إبداء الرأي وإصدار توصيات بشأن مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة بالهجرة والدفاع عن حقوق المهاجرين ، يشكل قوة اقتراحية وآلية ديمقراطية تمكن الجالية المغربية بواسطته من المساهمة في مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يقودها صاحب الجلالة الملك محمد السادس.


وبالإضافة إلى هذا الرهان فإنه بفضل هذا الإطار المؤسساتي الذي أحدث لولاية تمتد لأربع سنوات بالنسبة لأعضائه وست سنوات لرئيسه سيكون بوسع أفراد الجالية المغربية توظيف ما راكموه من تجارب وخبرات في خدمة بلدهم الأصلي خاصة وأن هذه الفئة أضحت تمثل حوالي 10 بالمائة من مجموع سكان المغرب( بلغ عدد المغاربة المقيمين بالخارج حسب إحصائيات 2008 ثلاثة ملايين و292 ألف و599 شخصا).


فبعد إحداث قطاع حكومي خاص بشؤون المهاجرين المغاربة كانت الحاجة ماسة لخلق هيئة تمثل هذه الفئة وتكون مخاطبا للجهاز التنفيذي ومواكبة لعملية سن القوانين واتخاذ الإجراءات التي تهم بشكل أو بآخر المهاجر المغربي.


المجلس العلمي المغربي لأوربا..مرجع ديني لتوعية بقيم الإسلام في أوروبا



وفي سياق المقاربة الجديدة في التعامل مع قضايا الجالية المغربية بالخارج تم أيضا إحداث المجلس العلمي المغربي لأوربا في إطار هيكلة الحقل الديني.


ويعد المجلس، الذي أعلن جلالة الملك عن الشروع في إحداثه بتاريخ 27 شتنبر 2008، دعامة أساسية ومرجعا دينيا مغربيا في أوروبا لإشاعة الوعي بقيم الإسلام المثلى القائمة على التسامح والاعتدال والتعاون.


ومن بين مهام المجلس، الذي يضم 18 عضوا من بينهم خمسة نساء من العلماء والمرشدين والمرشدات المقيمين ببلاد المهجر، السهر على حسن أداء الفرائض الدينية، والقيام بشعائر الإسلام وصون مقدساته، في جو من الطمأنينة والأمن الروحي بالنسبة لكافة المغاربة المقيمين بأوروبا وفي إطار العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي.


وقد تجسدت المقاربة الجديدة في التعاطي مع قضايا المهاجرين المغاربة بالخارج، على المستوى الحكومي ببعد استشرافي حيث وضعت الوزارة المكلفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، برنامجا خماسيا أوليا ( 2008 إلى غاية 2012).


ويتعلق هذا البرنامج بقضايا الجالية داخل الوطن، منها بالأساس تبسيط المساطر الإدارية والجمركية والسكن، وكذا خارج الوطن منها العمل مع وزارة الشؤون الخارجية والتعاون لتحيين الخدمات وتوسيع الاستفادة من تعميم تعليم اللغة العربية لتشمل كافة البلدان التي تعرف تواجد جالية مغربية بها، فضلا عن إنشاء فضاءات ثقافية للدفاع عن حقوقهم ببلدان الاستقبال من خلال تحيين الاتفاقيات الثنائية.


كما تميزت السنوات الأخيرة بالسعي لتوفير شروط أفضل لعمليات العبور السنوية للمهاجرين المغاربة لقضاء العطلة الصيفية بالوطن حيث عرفت عمليات " مرحبا " تطورا ملحوظا على مستوى التنظيم والخدمات المقدمة للمهاجرين المغاربة وكذا على المستوى التواصلي، خاصة مع انخراط مؤسسة محمد الخامس للتضامن في هذه العملية.

وقد شهدت السنوات الأخيرة انفتاحا أكبر للفاعلين الاقتصاديين على هذه الفئة التي تساهم بشكل كبير في الدورة الاقتصادية الوطنية حيث سعت شركات ومؤسسات وطنية إلى تقديم منتوجات وخدمات خاصة بالجالية فيما نظمت معارض حول مختلف الأنشطة الاقتصادية الوطنية بأهم مواقع تمركز هذه الجالية.


كما أصبح للمهاجرين وملف الهجرة حضور واسع في وسائل الإعلام الوطنية العمومية منها والخاصة سواء تعلق الأمر برصد المشاكل والصعوبات التي تواجه المهاجر المغربي أو بإنجازات هذه الفئة في بلدان الاستقبال وفي المغرب.


إن ما يميز كل هذه المبادرات هو أن التعاطي مع المهاجرين المغاربة أصبح يتم، ليس فقط باعتبارهم فئة لها وضع وحاجيات خاصة، بل بالدرجة الأولى كمواطنين مغاربة معنيين على قدم المساواة بكل ما يجري في البلاد على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها.


مصطفى بوبكرواي، وكالة المغرب العربي للأنباء

الصحافة والهجرة

Google+ Google+