ينظم مجلس الجالية المغربية بالخارج بأمستردام على مدار ثلاثة أيام (من 7 إلى 9 يونيو الجاري 2014) المهرجان الأول للثقافة الأمازيغية بأوروبا "تويزة".
وتندرج هذه الفعالية الثقافية ضمن الاحتفاء بالثقافة الأمازيغية بمختلف أبعادها وألوانها، والذي يعتبر -أي هذا الاحتفاء- من أبرز الواجبات الوطنية التي على كل مواطن مغربي الاهتمام بها وحمايتها وتطويرها وتنميتها حفاظا على التعدد الثقافي واللغوي الذي يزخر به المغرب؛ ذلك أن "الأمازيغية في صلب الهوية المغربية" كما أكد ذلك جلالة الملك محمد السادس في خطاب تاسع مارس 2011.
ثم إن اختيار مجلس الجالية المغربية بالخارج تنظيم هذا المهرجان في بلد يعرف تواجد عدد كبير من المغاربة ذوي الأصول الأمازيغية (خاصة الريفية)، يعدّ من المقتضيات الأساسية لترسيم اللغة الامازيغية والاعتراف بها لغةً رسمية للبلاد الى جانب اللغة العربية، كما جاء ذلك في دستور 2011 في الفصل الخامس الخاص باللغات وضمن الأحكام العامة، حيث ورد فيه: "تظل العربية اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها. تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء".
وهو الأمر الذي يقتضي كما يضيف هذا الفصل: "حماية وتنمية اللغات العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا".
ومن ناحية أخرى، فإن إبراز أهمية التعدد الثقافي واللغوي بالمغرب سيساهم في تغيير الصورة النمطية التي تلصق ببعض دول الأصل للجاليات بما فيها الجالية المغربية، بما أن وجود هذا التنوع دليل على قبول الاختلاف والعناية بالرموز والتعبيرات الثقافية...
كما ستمكن هذه الفعالية الثقافية من إبراز خصوصية النموذج المغربي في تدبير الاختلاف وتعزيز التنوع، بل إن الموائد المستديرة التي ستحتضنها "تويزة" ستشكل فرصة للنظر والتحاور حول ماهية وأسس وروح هذا النموذج وأهميته وجدوائيته في السياق الهولندي بشكل خاص والأوروبي بشكل عام.
وفي كل الأحوال، فإن تغيير هذه الصورة وبناء صورة جديدة حول موقع التعدد الثقافي واللغوي في المغرب سيصب في مصلحة الجاليات المغربية بدول الاستقبال خاصة بأوروبا، وسيعزز تفهّم هذه الدول للمطالب الثقافية والدينية لهذه الجاليات؛ مما سيسهل أكثر فأكثر اندماجها في محيطها مع الحفاظ على خصوصياتها الدينية والثقافية.
إن هذا المهرجان بفقراته الفكرية والثقافية والفنية المتنوعة يحمل رسالة نبيلة جوهرها أن الجاليات المغربية التي تعيش في إطار فضاء ثقافي متنوع ومتعدد ليسوا غرباء عن قيم هذا الفضاء، بل إنهم هم أيضا قد جاءوا من فضاء ثقافي وتاريخي متنوع لغة (لغات متعددة) وثقافة (تعبيرات ثقافية وفنية متنوعة) ودينيا (وجود معالم دينية يهودية ومسيحية).
بقي أن نشير إلى أن استثمار الجهود المختلفة للنهوض بالثقافة الأمازيغية المغربية بالخارج مدخل مهم للحفاظ على الهوية المغربية المتنوعة والمتعددة التي تشكلت عبر تاريخ طويل، ولربط مغاربة العالم بجذورهم الثقافية والحضارية.
نتمنى لهذه التظاهرة الثقافية أن تجسّد الثقافة المغربية الأصيلة، وأن تكون بداية موفقة في إثراء العمل الثقافي الذي يقوم به مجلس الجالية المغربية بالخارج سواء داخل المغرب أو خارجه، والذي هدفه الأول والأخير النهوض بالثقافة المغربية الغنية والحفاظ على الروابط الثقافية التي تربط مغاربة العالم بوطنهم المغرب، و"تأمين الحفاظ على علاقات متينة مع هويتهم المغربية"، كما جاء في الفصل 163من الدستور المغربي الجديد.