حسن بلعربي: وجود المهاجرين المغاربة باهت في المؤسسات العمومية والسياسية الإسبانية

هو واحد من مغاربة العالم الذين لمع اسمهم في مجال البحث العلمي في إسبانيا التي ذهب إليها طالبا للعلم ليستقر به المقام أستاذا للهندسة الكيميائية بجامعة ألميرية، وفاعلا مدنيا يشتغل على مشاريع تنموية لتقوية الكفاءات في البلدان العربية والإفريقية، ويسعى إلى مد الجسور بين بلد الإقامة والوطن الأم، من خلال تقوية العنصر البشري في المؤسسات الجامعية في البلدان الأصلية التي ينحدر منها المهاجرون والاعتماد على التحويل المعرفي والتكنولوجي إليها.

في هذا الحوار مع بوابة مجلس الجالية المغربية بالخارج، يعيد حسن بلعربي، الذي عُيّن السنة الماضية عضوا في أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات، رسم مساره المهني والجمعوي في الهجرة، ويقدم بعضا من التحديات التي تواجه الهجرة المغربية في إسبانيا ومقترحات لمعالجتها، ويعطي تصوره لمسألة المشاركة السياسية كإحدى المواضيع الأساسية التي تشغل تفكيره وتأخذ حيزا مهما من كتاباته.

تعيشون منذ مدة طويلة بإسبانيا، كطالب للعلم وكأستاذ وفاعل جمعوي، هل لكم أن تحدثونا في البداية عن مساركم المهني وتجاربكم الجمعوية في مجال التنمية؟

بعد حصولي على شهادة الدكتوراه بامتياز في شعبة هندسة الكيمياء من جامعة ألميريا بإسبانيا، وإحرازي على جائزة الدكتوراه المتميزة، حصلت على منحة من الدولة الإسبانية قصد تطوير كفاءاتي العلمية بجامعة " فاخنيغن" بهولندا. بعد مدة تقارب السنة عدت الى إسبانيا إثر حصولي على عقد عمل كأستاذ جامعي وباحث بنفس الجامعة التي تخرجت منها.

HFTLW 1

وبعد سنوات من التفاني في العمل وتدرجي المهني وموازيا مع مسؤولياتي في البحث العلمي والتدريس كلفت بمسؤولية إدارة التعاون الخارجي من أجل التنمية برئاسة الجامعة. تلك المسؤولية التي أخذتها على عاتقي لمدة سبع سنوات، مكنتني من كسب تجربة غنية في التسيير المؤسساتي، واطلاع واسع على إشكالية التنمية في العالم الثالث، وزادت أيماني بأن العنصر البشري المؤهل هو مفتاح التنمية، وهذا ما جعلني أهتم في مشاريعي التنموية التي ترأستها على تقوية الكفاءات في بلدان عربية وإفريقية، والعمل على تحويل المعرفة والتكنولوجيا الملائمة لتلك الدول. بعد تجربتي هذه أصبحت من أكثر المدافعين على ضرورة الاستثمار في الكفاءات المغربية القاطنة في الخارج، والتي اكتسبت مؤهلات وخبرات يشهد لها.

كثيرا ما طرحت فكرة إنشاء شبكات موضوعاتية وجغرافية مكونة من جمعيات الكفاءات المقيمة بالخارج، للإسهام في تنمية المغرب. أتذكر أنني توصلت يوما برسالة شكر وتقدير من وزارة الخارجية الكولومبية بعد أن أشادت بالتجربة الكولومبية في هذا المجال غداة لقاء دولي حاضرت فيه حول موضوع الاستثمار في الكفاءات الافريقية القاطنة في المهجر للإقلاع بتنمية بلدانهم الأصلية.

2-  كيف تلقيتم خبر تعيينكم سنة 2015 كعضو في أكاديمية المملكة؟ وما هي مشاريعكم المستقبلية في مجال التعاون والمساهمة في التنمية؟

أتذكر جيدا عندما اتصل بي أمين السر الدائم لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات، الأستاذ عمر الفاسي الفهري، ليخبرني أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وافق على تعييني عضوا لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات. كانت فرحتي كبيرة جدا بطبيعة الحال، وأنا جد ممنون لصاحب الجلالة وللدولة المغربية. وهنا أريد أن أشكر أيضا المدرسة المغربية التي كونتني، والمجتمع المغربي الذي شارك أهلي في تهذيبي وزرع في نفسي حب العلم وتقدير المعلم.

مشاريعي المستقبلية في التعاون والمساهمة في التنمية كثيرة ومتنوعة. ولدي سجل واسع في المشاريع العلمية مع جامعات إفريقية ومغاربية خصوصا، وكما أشرت سابقا جل مشاريعي تتركز على تقوية العنصر البشري في المؤسسات الجامعية لتلك البلدان بالإضافة الى الاعتماد على التحويل المعرفي والتكنولوجي إليها. من بين الأهداف التي أشتغل عليها أيضا تقوية التعاون بين مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي الإسبانية بنظيراتها المغربية.

3-  تأثرت إسبانيا بالأزمة الاقتصادية العالمية منذ 2007 وكان لذلك تداعيات اقتصادية واجتماعية على الجالية المغربية، ما هي في نظركم أهم التحديات التي تواجه حاليا الهجرة المغربية في إسبانيا؟

 

الأزمة الاقتصادية التي عانت منها إسبانيا كان لها وقع كبير على جاليتنا المغربية المقيمة هناك، مما أدى الى ظهور هجرة معاكسة إلى أرض الوطن، حيث أن عائلات كثيرة أرغمتها تلك الظروف الى الرجوع الى المغرب. وهناك أيضا من غادر إسبانيا نحو بلدان أوروبية أخرى. يجب أن نشير الى أن كل هذه الحركية تمت بدون أي نوع من المواكبة والمرافقة المؤسساتية، لا من طرف المغرب ولا من قبل إسبانيا، ولو أن الكثير من هؤلاء المغاربة يحملون أيضا الجنسية الإسبانية.

رغم التحسن الذي لوحظ في المؤشرات الماكروإقتصادية لدى إسبانيا إلا أنه مازال الكثير من المغاربة المقيمين في جارتنا الشمالية يعانون إما من البطالة او من طول ساعات العمل اليومية برواتب جد متواضعة.

بالإضافة الى كل المشاكل الناتجة عن الظروف الاقتصادية التي تعيشها إسبانيا هناك مشكل تنامي الخطاب العنصري في أوروبا وإسبانيا ليست مستثنية من هذه الآفة. إن الظروف الاقتصادية التي ضربت أوروبا والطعنات الإرهابية التي تلقتها في السنوات الأخيرة أججت نار اليمين المتطرف الذي إستغل الظرفية للضرب في المسلمين بصفة عامة، وبالمهاجرين بصفة خاصة. بالرغم أن لا وجود لأحزاب يمينية متطرفة قوية في إسبانيا إلا أن هناك تيارات داخل بعض الأحزاب تتبنى مواقف متشددة حيال المسلمين والمهاجرين المغاربة.

HFTLW 2

ثم أن هناك تحديا آخر يشغلني كثيرا، هو الهدر المدرسي وسط أبناء جاليتنا. ففي بعض الجهات في إسبانيا كإكسترمادورا (Extremadura) مثلا والأندلس (Andalucia) تصل نسبته ضعف المعدل الوطني الإسباني الذي بدوره يضاعف معدل الاتحاد الأوروبي. وقد أشرت عدة مرات في كتاباتي الى هذه الآفة.

4-  في نظركم ما هي الوسائل الكفيلة بالنسبة للدولة المغربية للدفاع عن حقوق المهاجرين المغاربة في إسبانيا، وماذا يجب على المهاجرين بدورهم القيام به لإسماع صوتهم في المجتمع الإسباني؟

بالنسبة للدولة المغربية، فما يخص مغاربة إسبانيا يخص أيضا كل مغاربة العالم.

نجد أن هناك اهتماما متزايدا اتجاه مغاربة العالم، والعدد الكبير للمؤسسات العمومية التي تساهم في تدبير شؤون الجالية لخير دليل على ذلك. هناك عدة معيقات تواجهها بعض من هذه المؤسسات وخاصة في التدبير وفي التنسيق فيما بينها. وأنا أعتقد أنه يجب إعادة التفكير في وزارتنا المكلفة بالجالية، ولطالما ناديت بوزارة جالية سيادية ومستقلة عن أجندات ومصالح الأحزاب، أو تخصيص مندوبية سامية مثلا لتلك المهام، لأن الهجرة المغربية قضية وطنية وليست مسألة سياسية ولا ظرفية.

نحن في حاجة الى مؤسسات لا تعمل فقط على تحقيق أهداف على المدى القصير والمتوسط، بل يجب أن تعمل أيضا على الأمد الطويل، وذلك لأن الحلول للكثير من الإشكاليات التي تعيشها جاليتنا في المهجر تتطلب عملا دؤوبا ومواظبا يعتمد على التراكمات.

أما بخصوص المهاجرين المغاربة، وخاصة مغاربة إسبانيا فهناك خصاص كبير في التشاركية لديهم. قد تلاحظ ضعف وجود مغاربة إسبانيا في المؤسسات العمومية والسياسية الإسبانية بالرغم من حجمهم الديمغرافي. طبعا هناك أسباب كثيرة تتداخل في هذا الأمر، ومنها ما هو راجع الى عدم اكتراث المهاجرين المغاربة بالأمر السياسي والعمومي في إسبانيا.

ومن الضروري تقوية العمل الجمعوي لتمتين الحس المدني لديهم، بالإضافة الى العمل للإسهام في ايجاد إجابات وحلول لإشكاليات عدة: كالاندماج والهوية، التهميش والإسلاموفوبيا، الهدر المدرسي وسط أبنائنا، إلخ. ولهذا، فالدعم المادي والمعنوي للجمعيات التي تشتغل على هذه النقط أمر في غاية الأهمية.

5-يعتبر حسن بلعربي من بين مغاربة العالم النشطاء على المستوى الإعلامي خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمشاركة السياسية للجالية المغربية، ما هي صيغة المشاركة التي ترونها تخدم مصالح الجالية المغربية وتتماشى مع خصوصيات دولة الهجرة والممارسة السياسية في المغرب؟

أولا وقبل كل شيء يجب الإشارة أن المشاركة السياسية لمغاربة المهجر في تدبير شؤون وطنهم الأم حق دستوري، وبأن المواطنة لن تستكمل لدى هؤلاء إلا بتنزيل القوانين التي ستنظم هذا الشأن. ورأيي في هذا الموضوع صريح وواضح كوضوح الشمس؛ الحكومة المغربية الحالية تهاونت في هذا الحق المدستر. هو صحيح أن المشاركة السياسية لمغاربة المهجر عبر الغرفة الأولى أمر مازال في حاجة الى نضج، ومازالت هناك أمور تقنية تحتاج إلى إجابات وحلول، لكن في انتظار ذلك كان من الممكن فتح باب المشاركة السياسية في وجه مغاربة العالم عبر الغرفة الثانية ومجالس الحكامة والمجالس الاستشارية. لقد أشرت في مقال نشرته في الموضوع بأنه إذا كان منفذ من منافذ الطريق السيار المؤدي الى المشاركة السياسية لمغاربة العالم في المغرب، معطلا ويحتاج الى ترميم، فلا داعي لقطع الطريق، فلنبدأ بما هو أسهل ونؤجل الاصعب الى حين إيجاد الحلول.

6-   أليست مشاركة مغاربة العالم في الحياة السياسية في دول الإقامة أكثر أهمية بالنسبة لهم للانخراط في هذه المجتمعات وتقوية حضورهم في الحياة العامة من أجل الدفاع عن حقوقهم وتقوية صفوفهم خصوصا وأن أصوات المهاجرين أصبحت ذات تأثير كبير في نتائج الانتخابات في الدول الأوروبية؟

التشاركية بصفة عامة مؤشر لقياس ما مدى تمدن وتحضر المجتمعات، والمشاركة السياسية لمغاربة العالم في دول الإقامة أمر في غاية الأهمية ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك. عندما يكون لمغاربة المهجر الذين لا يملكون جنسية بلد الإقامة الحق في المشاركة في الانتخابات المحلية لتلك الدول، فحتما سيفرضون الذات في التأثير على دوائر الحكم، وهذا سيكون جد إيجابي للمغاربة أينما كانوا. لكن أريد أن ألفت الانتباه ولمرة أخرى أنه مازال الفصل 30 من الدستور المغربي الذي يسمح للأجانب المقيمين بالمغرب في المشاركة السياسية على الصعيد المحلي، لم يترجم الى قوانين.  لهذا السبب لا يمكن طلب الدول التي تفرض ذلك، كإسبانيا مثلا، بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل والسماح للمغاربة غير المجنسين بالمشاركة السياسية.

أما عن مسألة أيهما أفضل لمغاربة العالم، المشاركة السياسية في بلد الإقامة او في الوطن الأم، أقول أن الأولى جد مفيدة وضرورية ويجب دعمها، أما الثانية فهي حق دستوري ولا أظن أن المملكة المغربية ستتراجع عن دسترة هذا الحق، و لذلك يجب فتح الباب في المشاركة السياسية لمغاربة العالم في وطنهم الأم في أقرب الآجال، ثم إننا اليوم ونحن في عالم معولم نتحدث فيه عن المواطنة العابرة للحدود والاهتمام المزدوج يعد من خصائص هذه المواطنة. لهذا أقول أنني مع المشاركة السياسية هنا و هناك، فلا داعي لإثارة مسألة الولاء لمن؟، فالطفل عندما يسأل عن من يحب أكثر الأم او الأب، يجيب بأنه يحب الإثنين.

هياة التحرير

الصحافة والهجرة

مختارات

Google+ Google+