حسن بلعربي.. كيميائيّ مغربيّ استقرّ بإسبانيا دون سابق إشعار

الإثنين, 30 يونيو 2014
حسن بل عربي خلال تكريمه من طرف مجلس الجالية لمغربية بالخارج شهر مارس الماضي حسن بل عربي خلال تكريمه من طرف مجلس الجالية لمغربية بالخارج شهر مارس الماضي

لم يكن حسن، حين جلوسه إلى جوار أقرانه فوق مقاعد الدراسة المغربية قبل 40 عاما ونيف، ولا طيلة تدرجه التعليمي لـ16 سنة بالوطن، يعرف أنّ مروره المستقبليّ بجامعة ألمِيريا سيحوّله إلى أكاديمي مختص في شؤون الكيمياء.. تستقطبه عدد من الملتقيات الدولية، وترغب في استضافته مؤسسات من مختلف بقاع المعمور كي يحاضر أمام طلبتها..

هو حسن بلعربي، من مواليد آخر شهور العام 1965، منحدر من مدينة الناظور، كما هو الآن متزوج وأب لـ3 أبناء: أمين وإلياس ونادين.. أمّا مشواره الدراسي فقد استُهلّ أوائل سبعينيات القرن الماضي بابتدائية الفيض بالناظور، ومنها إلى إعداديّة المسيرة فثانوية المطار بنفس المدينة، بينما أتمّ تحصيله الجامعيّ بجامعة محمّد الخامس بالرباط التي حصل منها على الإجازة في شعبة الكيمياء.

ولأجل مواصلة التحصيل الأكاديمي لم يجد حسن بلعربي غير التوجّه صوب الخارج بنيّة التخصّص، ليستقر بإسبانيا بعد أن واجه صعوبات في نيل تأشيرة فرنسا، وقد التحق بجامعة غرناطة قبل أن ينتقل صوب نظيرتها لألمِيريَـا، متحصلا على دكتوراه الدولة في الهندسة الكيماويّة عام 1999.

بُعيد سنة واحدة من قصد الديار الهولنديّة، وهو التنقل الذي تمّ من أجل تدريب عام 2000، عاود بلعربي الالتحاق بجامعة ألميريا كي يشتغل بها أستاذا جامعيا، زيادة على تواجده برئاسة ذات المؤسسة الجامعية في مهمّة إدارة التعاون الخارجي للمؤسسة الأكاديميّة.

مهاجر دون سابق إشعار

"لم أكن أفكّر في الهجرة بتاتا، لكنّ طموحي في استكمال الدراسات العليا، بعد نيل الإجازة، جعلني أمام هذا الخيار.. كنت على وشك التوجّه صوب فرنسا، ومن حسن حظّي أن باريس شدّدت إجراءات منح تأشيراتها وقتها، لأتحرّك صوب إسبانيا بتأشيرة دراسيّة.. وحتّى بعد إنهاء دراستي لم أكن أفكّر في البقاء مهاجرا، إلاّ أنّي تلقيت عرضا من الجامعة، بعد أقلّ من 24 ساعة من نيلي للدكتوراه، كي أشتغل بالمؤسّسة أستاذا.. وقعت عقدا من سنة واحدة، جدّدته لمرّتين، قبل أن أتعاقد كأستاذ دائم" يقول بلعربي.

ويزيد حسن: "طريق الحياة لا يمكن لها أن تكون سهلة، خاصّة عند مغادرة أرض الوطن وافتقاد مجتمع التآزر والتضامن.. ببداية مشواري التكوينيّ لم أكن أتوفر على منحة دراسية، فكان لزاما علي أن أعمل عند وصول كلّ نهاية أسبوع من السنوات الأولى لدراستي بإسبانيا، وبذلك عملت في مجال الترجمة كما اشتغلت كنادل، ومارست أيضا مهنا أخرى شريفة.. بعدها حزت منحة طلابيّة من الدولة الإسبانيّة لتقل حدّة الصعوبات الماديّة".

ذات الأكاديمي المغربيّ الذي وجد نفسه "مهاجرا دون سابق إشعار" بعدما كان قد غادر المغرب لأجل دراسة تعقبها عودة، يقرّ باشتغاله مع الإسبان وعيشه وسطهم دون نسيان لجذوره، خاصّة وسط بيته الذي جعله مغربيّ الإيقاع رغما عن مشاركته الإيبيريّين في كل أفراحهم وأقراحهم.. "لم أحقّق كلّ طموحاتي، لكنّي أعتبر وصول شخص من جذور مغربيّة إلى مكانة أستاذ جامعي بإسبانيا أمرا غير سهل.. إلى جوار ذلك أفلحت في تمكين أبنائي من أحسن تربيّة، وأحاول أن أساهم في تنمية المغرب وإسبانيا من مجال تخصصي، عبر الإدلاء بالآراء الأكاديمية ضمن الملتقيات وأوراش الاشتغال التي تلتئم بالبلدين، وأحسّ أني أساهم، ولو بنزر قليل، في تجويد العلاقة بين المملكتين" يورد بلعربي.

أُنَاس عَاشُوا بينَنَا

ذات نهاية أسبوع، سنواتَ التسعينيات من القرن الماضي، وحينما كان حسن بلعربي يشتغل نادلا بإحدى المطاعم لتحصيل مصروف يعينه على التمدرس بجامعة ألمِيريَا، التقَى بسيّدة جاوزت وقتها عقدها الثمانين بأربع سنين، لتغيّر من رؤيته لبيئة تواجده بعدما وعَى وجُود إسبان سبق لهم أن عاشوا بين المغاربة وتأثروا بساكنة الضفة الجنوبيّة من البحر الأبيض المتوسط حدّ الانصهار.

ويقول حسن: "كنت أشتغل نادلا، وإذا بسيّدة إسبانية مسنّة لم تفارقني عيناها.. وحين سألتني عن أصلي خلتها ستبدي فعلا عنصريا، لكنّي أخبرتها بأني مغربي من الناظور.. أجابتني بتَارِيفيت لتخبرني أنّها عاشت بالمنطقة لسنوات طوال، وأنّها مستعدّة لمساعدتي إذا ما صادفتي أي مصاعب.. إنّها واحدة من الإسبان الذين ما زالوا يحملون ذكريات جميلة عن المغرب بناء على كل ما عاشوه فوق ترابه، وقد استغرقت محدّثتي وقتا طويلا، حينها، وهي تحاكيني عمّا عاشته بالريف قبل مغادرته في السبعينيات من القرن الماضي.. لقد عاشوا بيننا..".

وبالرغم من ذلك يرى بلعربي أن التنظيمات السياسيّة الإسبانية "ما تزال محتاجة لوقت أطول حتى تتقبل وجود كفاءات مغربيّة وسطها"، رادّا تقييمه لتجربته الخاصّة مع حزب يساري إسباني كان قد نشط في صفوفه قبل أن ينسحب بلعربي.. "رغما عن بعض التموقعات المعدودة التي تمّت على مستوى التنظيمات بالعاصمة مدريد.. لا زالت فكرة المُورُو تخيف السياسيين الإسبان من اليسار إلى اليمين، وهؤلاء يلجؤون للتضييقات تستند على ترسبات تاريخية ودواع انتخابويّة.. فإسبانيا تعاكس واقع الحال المرصود بدول كبلجيكا وهولندا وما تم تسجيله من وصول ذوي أصول مغربية لمناصب سياسيّة متقدّمة للغاية.. ووفقا لحسن بلعربي فإنّ الاشتغال على قضايا الذاكرة المشتركة للمغاربة والإسبان من شأنه تحقيق "تصالح مع كل الماضي" و"فك القضايا الشائكة".

شجاعة وفتح..

تجربة حسن بلعربي، التي جعلته يتنقل من صفوف تلقي أوائل الدروس بابتدائية الفيض من مدينة الناظور إلى تأطير دراسات وأبحاث وأطروحات كيميائيّة بجامعة ألميريا، تجعله يقول بأنّ الشباب الراغب في الدراسة بالمهجر مدعو للتحلي بالشجاعة من مواجهة كافة المشاكل التي تستلزم حلولها تضحيات، ويزيد: "الأكيد أن المثابرين لا يمكن أن يحصلوا إلاّ على نتائج مشجّعة".. بينما لا يخفي انشغاله بالمسار التنمويّ المغربيّ، بعيدا عمّأ يُنجز كلاسيكيا ضمن مجالات البنيات التحتيّة، داعيا إلى فتح مجالات التأطير بالمغرب، خاصة ضمن البحث العلمي، للكفاءات المغربية المشتغلة بالخارج، وذلك "لتساهم في التنمية البشرية التي هي معيار حقيقي للرقي والتقدّم والازدهار" وفق تعبير حسن بلعربي.

عن موقع هيسبريس

الصحافة والهجرة

Google+ Google+