عبد الحق أزموز .. مغربي ألقته رياح الهجرَة لألمَانيا بمِيلاَنُو

الأربعاء, 11 فبراير 2015

لم يألف عبد الحق أزموز التخطيط بدقّة لتفاصيل سير حياته ضمن الفضاءات التي تنقل وسطها حين تواجده بالمغرب، ضمن مرحلتَي الطفولة والشباب، لكنّه حرص على تنميَة قدراته تجاه تحديد المرامي واختيار الوسائل وبدائلها من أجل تدبير كل مرحلَة من حياته.

تلقَّى عبد الحق تعليمه الأساسيّ ككل أبناء جيل الستينيات بالمدرسَة العموميَّة المغربيّة، ولم تكن نوايا الهجرة تعنّ على باله خلال تلك المرحلَة التي ركّز فيها على إشباع مداركِه العلميَّة دون كلل.. وحين تأتت له فرصَة توسيع آفاقِه خارج البلاد، لم يتردّد في قصد الغُربَة حين أدرك أن تجاربه بالوطن الأمّ تمكّنه من خوض التحديات بعيدا عن ترابه.

من ألمانيا لإيطاليا

ارتاد عبد الحق أزموز، ابن مدينة مراكش، فضاء المدرسة الوطنية للإحصاء والاقتصاد التطبيقي لمدّة سنتين خلال ثمانينيّات القرن الماضي، لكنّ ولعه بالهجرَة لاكتشاف ثقافات وبيئات جديدة جعلاه يقبل على دراسَة اللغة الألمانيّة، خلال سنتين مهنيتين اشتغل أثناءهما بالمغرب، بنيّة الاستعداد اللساني لقصد الأراضي البافاريَّة.

يتواجد عبد الحق، منذ رُبع قرن ونيف، بالديار الإيطاليّة التي كان قد حطّ بها الرحال وهو قاصد لألمانيا.. إذ أن سحر البلد تمكّن من إغوائه لأجل البقاء.. وعن ذلك يقول أزموز: "وجدت إيطاليا محبوبة لديّ، وقد أثارت إعجابي ككل المقدمين على زيارتها، حيث أسهم كل ذلك، إلى جوار انتمائها للبيئة المتوسّطيّة وقربها من المغرب، في استقراري بها دون أن أكون قد أعددت لذلك".

وعن خيار الهجرة يردف ذات المغربيّ بأن ذلك قد كان بإملاء من ظروف الوطن الأصل حينها، خاصّة ما كان يجعل من تفعيل المبادرات الشخصية أمرا صعبا.. ويزيد: "كوني أنحدر من أسرة بسيطَة دفعني للاغتراب بالخارج، خاصّة وأن العقليات السائدَة أواخر ثمانينيَات القرن الماضِي، والتي لم تعد موجودة بالمغرب، كانت تلعب بسلبيّة ضمن حاضري بطريقة مؤثرة على مستقبلي.. والانخراط في تجربة هجرة كان تطلعا مني صوب الحريّة بمعناها الشامل لحرية الإبداع والصنع والعيش وتأسيس ما أرغب فيه".

بداية المسار

عبد الحق أزموز، وهو البالغ الحين عامه الـ52، كان قد غادر صوب مدينة ميلانُو وهو في الـ24.. وقد شرع مسارَه بالانخراط ضمن مهن تمكنه من الوفاء بالتزاماته المعيشية اليوميّة، تماما ككل حديثي العهد ضمن دول الاستقبال.. لكنّه حضي بفرصة اشتغال مع مؤسسات إيطاليّة أشرفت على الإحصاء العام لسنة 1991، فكانت تلك نقطة تحول مفصليّة بالنسبَة للقادم من المغرب.

"نلت شهاد مشاركة بالإحصاء، وقد مكنتني من انخراطات مهنية أخرَى نقلتني صوب أداء عدد من المؤسسات الإيطاليَة، خاصّة تلك التي شرعت في الاهتمام بظواهر الهجرة الوافدة على البلد عبر إنجاز الإحصائيات المقترنة بها" يورد أزموز ضمن لقاء جمعه بهسبريس قبل أن يسترسل: "منذ مطلع تسعينيات القرن المنصرم وأنا أشتغل في مجال الترجمة، وأول ما سعيت إليه تمثل في تعلم اللغة الإيطالية بغية تحسين مستوى تعاملي معها".

عبد الحق أفلح في تخطِّي جميع الامتحانات المهنيّة التي يلزم المترجمون بإيطاليا على الخضوع لها، ما مكّنه من البروز كمترجم محلف وخبير قضائي ضمن هذا المجل بميلانُو وعموم الأرجاء الإيطاليَّة.. متوفرا على فضاء خاصّ به يزاوج بين التعاطي مع طلبات الأشخاص الذاتيين والمعنويين المبتغين لخدماته.

ترجمَة وأشياء أخرى

أفلح أزموز بنيل تسجيل ضمن جامعة مدينة ميلانو لأجل التكوين الأكاديمي بالعلوم السياسيَّة.. لكنّ مرور الأعوام لم تمكّنه، حدّ الحين، من إنهاء تخصّصه الدراسيّ.. متأثرا بوتيرة اشتغاله التي لم توفر له ما يكفي من الوقت لإتمام المشوار الجامعي المختار.

"لم أشتغل في ترجمة الوثائق الشخصية، بشكل ذاتيّ، لأني لا أعتبره عملا حقيقيا في المجال بقدر ما هو تعاط تقنيّ مع مستندات يكفي الاشتغال على مضامينها لأول وهلة والعمد على تغيير البيانات الشخصيّة بوضع تلك المناسبة للراغب في الحصول عليها" يورد عبد الحق، ثم يسترسل: "يغريني الاشتغال على أعمال ترجمة ثقيلة نسبيا، مع تركيز على إنتاجات الثقافة والفكر".

وكان ذات المغربيّ قد شرع في اشتغاله بمضمار الترجمة عبر التعاطي مع منتوجات الأبحاث الجامعية الإيطاليّة، وكذا مطبوعات علوم الاجتماع الصادرة بذات البلد، مستندا في ذلك على طلبات مؤسسات بحثية لاجئة لخدماته.. كما نقل عبد الحق أزموز تركيزه المهني صوب الوثائق التجارية وفق تعاملات له مع شركات تتجه من إيطاليا صوب صفقات دولية بعدد من الدول الناطقة بالعربيّة.

ويقرّ ابن مراكش المستقر بميلانُو أن اشتغالاته مع الوثائق التي تهم المغرب والمغاربة تعدّ قليلة للغاية، رادّا ذلك إلى عدم توصله بطلبات في هذا الشأن، وكذا استقراره بمنطقة بعيدة عن فضاء القنصلية المغربيّة التي افتتح بجوارها، بعد مرور سنوات من الاشتغال، مكتبا بجوارها.. "قليل من المغاربة هم من يعرفونني ويدركون طبيعة اشتغالي المهنيّ، وهؤلاء هم عصارة ممن احتككت بهم ما بين عامي 1992 و1997 حين تواجدي كمسؤول عن مكتب الأجانب بمُونزَا" يزيد أزموز.

عبد الحق كان قد تقدّم للانتخابات البلديّة بميلانو، مفلحا في أن يغدُوَ مستشارا بفضاء التدبير المحلّي للمدينة الإيطاليّة الكبرَى، وهي التجربة التي استمرّت لولاية واحدة انتهت عام 1997.. وذلك بالموازاة مع تطوير مهاراته في الترجمة عبر تكوينات خضع لها طيلة تلك المرحلَة، متموقعا من بين خيرَة المترجمين جهويا.

انشغالات جمعويّة

ما زال عبد الحق أزموز متأثرا بتجاربه الجمعويَّة التي راكمها بالمغرب ونقلها معه صوب الديار الإيطاليّة.. غير متردّد في منح ما يتوفر عليه من أوقات فراغ لبرامج تفعّل لفائدة المحتاجين وغير الموفقين اجتماعيا، وكذا المنتمين لصفوف الهجرة القاصدَة مدينة ميلاَنُو وضواحيها.

ويقول ذات المغربيّ الإيطاليّ لهسبريس إنّه كان يودّ أن يرَى مجتمعا مدنيا قويا بتنظيماته وسط مغاربة إيطاليا.. ويزيد في هذا الإطار: "جمعيات المغاربة تعاني مشاكل كبيرة في هذا البلد، وقد سبق أن روادتني فكرة مشروع، داخل جمعية انتميت إليها سابقا، هدف إلى تنمية العمل الجمعوي والتعريف بأهداف التنظيمات ومبادئها والتشجيع على تأسيسها فوق أرضيات قويّة تمكّنها من ديمقراطيّة داخليَة.. لكنّ المتعاطَى معهم أبرزوا ابتعادهم على النضج.. فالمعطَى لا يوافق حتّى الجمعيات الكائنة بأرض الوطن بما حققته من تطورات مهمَّة".

"ما يعيق تقدّم عجلات النماء لدى المهاجرين المغاربة، بغالبيّتهم لا كلّهم، يكمن في توقف الزمن لديه بمغادرته للوطن، فيبقى تفكيره مرتبطا بالوقت الذي شرع فيه ضمن الهجرَة، ليبقَى محافظا على آخر تمثّل ارتبط بذهنه عن بلده ومنطقته وبيئته الأصل.. وهذا ما يجعل التناسي يلف المغرب والتقدم الذي شمله بتوالي السنين ضمن أزيد من مجال" يردف نفس المتحدّث.

سعَادَة ونُـصح

يعبّر أزموز عن سعادتِه الجمَّة ببيئة عيشه في شمال إيطاليا، وإن كان يقرّ بأنّها لا تعادل مقدار السعادَة التي تغمره حين التنقل صوب المغرب فإنّه يقرنها بممارسة مهنة يحبّها.. إذ يصرّح لهسبريس بأنّه يتموقع وسط الفئة التي لا تتوقف عن الطموح بالتطور مهنيا على الصعيدين الوطني الإيطالي والأوروبي والدولي.. ويعلق على ذلك ضاحكا: "لن أكون من الأشخاص الذين سيتوقفون عن الحلم والجدّ في أي يوم من أيّام حياتهم".

من جهة أخرى، ينصح عبد الحق كل الحالمين المغاربة بمعانقة تجارب اغتراب وسط بلدان يهاجرون إليها باستثمار كل الفرص التي يتيحها لهم مغرب اليوم قبل التحرّك خارجه.. ويواصل: "سافرت كثيرا مع بعثات اقتصادية إلى دول كثيرة، وكل هؤلاء يقرون بأن الفرص المتاحة بالمغرب لا توجد ضمن عدد كبير من الأوطان".

كما يرى أزموز بأن الهجرة صوب أوروبا ينبغي أن تتمّ لأجل التسلّح بالعلم أوّلا، قارنا بين ذلك وتقلص فرص العمل وسط القارّة التي عمّتها الأزمة الماليَّة حدّ التخمة.. ويختم قوله بالتشديد على أنّه "يمكن أخذ التجارب التكنولوجيا وعقد شراكات من اجل تفعيل مشاريع مهنيّة بالمغرب من لدن الشباب التوّاق إلى تحقيق النجاحات".

عن موقع هسبريس

الصحافة والهجرة

مختارات

Google+ Google+