الناظرون إليه خلال مرحلتَي تكوينه الإعداديّة والثانويّة تنبّؤوا بأن يصبح عامل بناء ذا كفاءة عاليّة في نقل ما هو مسطّر على التصاميم صوب أرض الواقع، بينما آخرون نصحوه بالإقبال على إحدى وحدات تركيب السيارات من أجل خوض مسار مهنيّ قد يجعله، مستقبلا، رئيسا لمجموعة مستخدمين في هذا المجال .. لكنّ عبد العظيم الجعواني قابل كلّ ذلك بابتسامة تحدِّ قبل أن يعرب عن احترامه لكلّ هذه المهن وممارسيها، ثمّ ثبّت بصره على الناظرين إليه أنفسهم كي يقول: "أعشق التطوير والابتكار.. لذلك سأبدأ بنفسي تطويرا كي أبتكر نهجي الخاص الذي سيجعلني واحدا من المتألقين في البحث والتجديد".
مولد بالهجرَة
ينتمي عبد العظيم الجعواني، الشاب ذو الثلاثين ربيعا، إلى صفوف الأجيال التي رأت النور وسط الاغتراب من الهجرة المغربيّة المفعّلة صوب هولندا؛ إذ رأى النور بالأراضي المنخفضة أواسط سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، لكنّه يعدّ نفسه مغربيا بحكم ثقافة الوطن الأمّ التي حرصت أسرته على تمكينه منها ابتداء من نعومة أظافره.
استهلّ عبد العظيم مشواره الدراسيّ من مسقط رأسه، متمثلا في مدينة "هلمُونْد" القصيّة عن العاصمة أمستردام بزهاء 150 كيلومترا، حيث تمّ مروره بسنوات التعليم الابتدائية والإعداديّة والثانويّة بطريقة لا ميز فيها، عموما، مقارنة مع أقرانه الهولنديّين، إلى أن تحصّل على شهادة الباكلوريا واختار التكوين العالي في علوم الاتصال.
تحدّيات مبكّرة
"العنصريّة موجودَة في هولندا أمام ذوي الأصول الأجنبيّة، إلى حدّ ما؛ وقد عايشت شقّها المرتبط بالتربيّة والتكوين، حين يعمد ذوُو الصلاحيات في التوجيه إلى جعل المنحدرين من ثقافات غير هولنديّة يسلكون مسارات مفضيّة إلى اشتغالات عضليّة، نائين بهم عن محاولات خوض تكوينات متّصلة بالأداء الفكريّ"، يقول عبد العظيم الجعواني.
وأضاف المتحدث ذاته: "المتصلون بهذا التعاطي التمييزيّ يتوفرون على صور نمطيّة تجعلهم لا يتقبلون رؤية مزدوجي الجنسيات يتموقعون كأساتذة أو أطبّاء؛ وما إن يرصدوا أسماء وملامح أجنبيّة حتّى يشرعوا في القول إنّ المهن البسيطة قد تكون منفذا مستقبليا لهؤلاء".
ويزيد المتحدّث ذاته: "آمنت منذ صغري، وفقا للتأطير الذي تلقيته من والدَاي المراهنّين على تعليمي وتمكيني من الدعم اللازم تحقيقا لذلك، أن العمل المضني والتشبّث بالطموحات من شأنه فتح الأبواب؛ وبذلك حملت تحدّيا مبكّرا واجهت به كل محاولات الإحباط التي مسّتني، وارتأيت أن هذا السلوك قادر على فتح الأبواب في وجهي اعتمادا على قدراتي، دون الأخذ بالنظرة الكلاسيكيّة السلبيّة التي قد يكون الآخرون حاملين إيّاها أثناء التعاطي معي".
تشغيل ذاتيّ
اختار عبد العظيم، منذ بلوغه العشرين من عمره، أن يخلق مشروعه الخاص بنيّة ضمان تشغيل ذاتيّ له، فكان في حلّة شركة للمنتجات الاتصال، بتركيز على الأداء المعلوماتي، حاملة لاسم Well، وشعارها: "We do it well | نقوم بذلك جيّدا"؛ مختارا الانفتاح على مستجدات المجال من أجل التخصص في التطوير.
"بدأت عملي وحيدا، لكنّ نجاح المشروع يجعلني الآن متمكّنا من فريق رسميّ تعداده 10 عناصر من ذوي الخبرات العاليّة"، يقول الجعواني، الذي يمتدّ أداؤه المهني من هولندا ويطال الإمارات العربيّة المتحدة، ما بين دبيّ وأبوظبي، وكذا قطر وسنغافورة، وعددا من دول القارّة الأوربيّة بين شرقها وغربها.
ويضيف الهولندي المغربيّ نفسه: "هناك من مدّ لي يد العون في بدايات المشروع سنة 2006، لتتوالى النجاحات جالبة كثرة طلبات الزبائن من مختلف مناطق العالم"، ثم يواصل: "نتوصّل بطلبات أشخاص ذاتيين ومعنويّين حاملين لأفكار يريدون تطويرها ضمن المجال المعلوماتيّ، وهنا تكون مهمّتنا هي المواكبة إلى حين الوصل إلى المنتج النهائيّ الذي يوافق عليه الزبون.. يمكن القول إن الشق الكبير من أدائنا يرتكز على الابتكار والتجديد وسط هذا المضمار. كما أن الشركة رامت عددا من براءات الاختراع، وضمنت مواكبات لأفكار جديدة حتّى تحقّقت وجرّبت وسوّقت".
تالّق ومتعَة
يقرّ عبد العظيم الجعواني بأن مساره المهني المستمرّ في مراكمة التألق، من خلال النجاحات المتتاليّة في عالم سريع التطوّر تقنيّا، بما يحمله ذلك من طلبات على اشتغالات التطوير والابتكار، يحقّق له متعة كبيرة حلم بها منذ صغره وراهن على الوصول إليها خلال كلّ الأحاديث التي جمعته بأقرانه لإثارة التطلعات إلى المستقبل.
أدائي المهني يرتكز على عطاء مسنود بما يوفره زملاء ذوو دراية وخبرة عاليتين، ما يجعلني أتحصّل على بطاريات من الأفكار المتجدّدة بوتيرة يوميّة؛ لذلك أعتبر نفسي محظوظا في هذا الصدد، لأنّ التوفر على رؤَى دون نيل مجموعة قادرة على المواكبة لا يمكّن من النجاح"، يقول الجعواني.
ويواصل المتحدث ذاته: "تحقيق أي حلم يدفع صاحبه نحو حلم أكبر؛ وبذلك أتطلّع إلى أن يصل يوم ما، في المستقبل، أقول فيه إن هذا التطور المعلوماتي الرائد، أو ذاك، كان من بنات أفكاري، وطوّرته وأنتجته ثمّ سوّقته لكبريات الشركات التي أفادت الاشتغالات الإنسانيّة انطلاقا من تواجده في الساحة العالميّة"، ثم يسترسل: "لديّ حلم إضافيّ يرتبط بوطني الأمّ، إذ أرغب في القيام باستثمار ما في هذا المجال بالمغرب".
مفتاح وتفكير
يتوفر عبد العظيم الجعواني، بالموازاة مع مساره المهنيّ، على بصمات في ميدان المجتمع المدنيّ والفعل التضامنيّ، إذ يعدّ أحد المنخرطين المفصليّين في مشروع حامل لاسم "المفتاح"، مركزه أمستردام، ويحرص على توفير الدعم التربوي والاجتماعي للأطفال المواجهين لأوضاع صعبة، غالبيتهم من صفوف الجاليات التي يتشكل منها المجتمع الهولنديّ .. "نحاول من خلال هذا التعاطي إرشاد أطفال حادوا عن المسار الطبيعيّ بمغادرة مقاعد الدراسة، ومنهم من بصم على جرائم، كي يعاد تأهيلهم ثم يدمجوا في المجتمع الهولنديّ"، يقول الشاب الهولندي ذو الأصل المغربيّ.
أمّا بخصوص التجارب الشبابيّة المفعّلة ببيئة الاغتراب، سواء كان أصحابها من مواليد دول استقبال أصولهم أو من الوافدين الجدد عليها، فيرى الجعواني، من منطلق خبرته الحياتيّة في هولندا، أن "الرغبة في التحصّل على ترقّ مجتمعيّ يمكن أن تجنّب المرء الوقوع في انحرافات مضرّة به وبغيره"، ويزيد في هذا الشأن: "أنصح الراغبين في النجاح، بناء على خبرتي المتواضعة جدّا، بالتركيز على الدراسة من خلال الكدّ في التحصيل، مع الإكثار من البحث والقراءة اللذين يحققان دوام الاطلاع على المستجدات العالميّة، وبالتالي يبقى تطوير الأحلام ومعرفة سبل الوصول إلى نيلها متاحين أوّلا بأوّل".