فلكاطة وواعزيز .. مغربيان يرصدان تميّز أداء الجاليات بهولندا

الإثنين, 04 يوليوز 2016

يقترن اسما خالد واعزيز ورجاء فلكاطة بحمل الهوية الهولنديّة والمغربيّة، مثلما يشتركان في الانتماء إلى الرعيل نفسه..وإن كانت الفرقة لائحة بينهما من منطلق النظر إلى ممارسة الإبداع الفنيّ والصحافة، باحترام التوالي، إلاّ أن الفعل من صفوف جاليات الأراضي المنخفضة، ولأجلها أيضا، يجعل المشترك بين خالد ورجاء أكثر بروزا.

بين الصويرة وورزازات

ولدت رجاء فلكاطة، التي تتحدّر من مدينة الصويرة، قبل 40 سنة من الآن بالعاصمة الهولنديّة، وكذلك شأن شريك حياتها خالد واعزيز، الذي رأى النور لأول مرّة منذ أربعة عقود خلت، في مدينة ألكمَار بالبلد الأوروبي ذاته، وهو الذي يتأصل من أسرة جذورها مغروسة في ورزازات، بينما أغصانها تشعّبت في مدينة الدار البيضاء.

يقول واعزيز إن ترعرعه بالمدينة الهولنديّة الصغيرة التي ولد بها جنّبه، وبيئته الأسريّة، حملا من الصعوبات التي تتبدّى بجلاء وسط الخليط الثقافيّ العامّ في مدن أكبر حجما بالمملكة الهولنديّة، ويضيف: "عمّت السكينة مساري الدراسيّ الذي أمضيته متأرجحا بين تأطير أسرتي بحمولته الثقافية المغربيّة، من جهة، وبصمات بيئتي المتواجدة خارج المسكن بكل ما تحمله من تعابير لثقافات متنوّعة، من جهة أخرى".

أما رجاء فتعتبر أن حياة الطفولة وسط الهولنديّين والجاليات الوافدة عليهم كانت جيّدة بالنسبة إليها، وتضيف في هذا الإطار: "أفتخر منذ أولى سنوات حياتي بموروثي المغربيّ الذي يسِم هويتي، كما أن المجتمع الذي عانقت العيش به حرص، مثلما هو الحال بالنسبة لأسرتي، على تمكيني من كلّ ظروف النشأة السليمة، ولذلك لم أجد مشاكل مؤثرة على تحقيقي للاندماج المبتغى".

صحافة وإبداع

حلمت فلكاطة بأن تغدو صحافيّة منذ صغرها رغم كون خيارها لم يكن يليق بغير الهولنديّين وفق تصوّرات كثيرين وقتها، ومن بينهم والدها الذي أبدى تحفّظا على هذا التوجّه عندما عبّرت عنه رجاء حين وصلت إلى مرحلة الحسم، ما بعد التخرّج من الطور التعليميّ الثانويّ.

"عملت والدتي على رعايتي دراسيّا، بحكم سابق تعلمها في هولندا بدورها. أذكر أن أمّي ساندتني بترافعها عن قدراتي أمام لجنة توجيه كانت قد ارتأت دفعي نحو خيارات بسيطة. ولن أكشف سرّا إذا ما قلت إن هذا الأمر أفلح في تقويّة إمكاناتي، حتّى تحصلت على الباكالوريا، ثم شرعت بعدها في تكويني الصحافيّ وسط مؤسسة قصدها عدد محدود جدّا من ذوي الأصول غير الهولنديّة، بنيّة التعامل مع مهنة المتاعب"، تورد فلكاطة.

أمّا خالد واعزيز فاختار أن يؤسس مساره المهنيّ على دراسة علم التصوير في "مَافُـو" الهولنديّة، وذلك بعدما مالت طموحاته صوب الإبداع البصريّ المستثمر لتلاقي الأنوار مع اللقطات والمشاهد، لكنّ هذا المنطلق لم يقنعه لاحقا، ما حدا به إلى المرور نحو مسار بحث إضافيّ، ارتبط، لبعض الوقت، بالعطاء الإداريّ قبل أن يستقرّ على التعابير الموسيقيّة.

ويقول واعزيز بهذا الخصوص: "تعرّفت على الإنتاج الموسيقي من خلال مطالعات جاورت احتكاكي ببعض الفاعلين في هذا المجال، ما حدا بي إلى خوض غمار التجربة التي استدعت اهتمام ميولاتي الإبداعيّة الأصليّة؛ ولتحقيق ذلك عدت إلى التكوين النظري المركز على هذا المضمار الفنيّ، ووازنت بين التمكّن دراسيا والعطاء ميدانيّا".

رحلة بحث مزدوجة

كان أوّل اشتغال لرجاء فلكاطة، بعد تخرجها، كمقدّمة للأخبار في "راديو أمستردام FM"، ومنه وسّعت آفاقها بالانضمام إلى تلفزيون "AT5" في العاصمة الهولنديّة، كأول مغربيّة مقدّمة للنشرات في أمستردام؛ وتعلّق على ذلك بتنصيصها على أن هذه الانطلاقة شكّلت لها فخرا أمام محيطها وهي تقتحم عالما يعدّ، في المخيال الجمعي بعموم البلاد، حكرا على الهولنديّين.

وتزيد المغربيّة الهولندية نفسها: "كانت هذه البداية، التي استغرقت عامين ونيف من الزمن، محفزا بالنسبة لي على المستوى الشخصي حتى أواظب على البذل والتطوّر، كما أنّها مكنتني من فرص اشتغال بديلة بعدد من القنوات التلفزيّة الهولنديّة كمعدّة برامج، وبذلك نأيت عن الوقوف أمام الكاميرات".

تعود فلكاطة إلى نهج سيرتها الذي تحفظه عن ظهر قلب كي تشدد على أن معاودة معانقتها لتخصص تقديم الأخبار ببرنامج "صباح الخير هولندا"، بحلول سنة 2006، من خلال منبر "كَارُو" السمعي البصريّ، منحها شهرة أوسع أفرزتها المواظبة على الظهور من خلال الشاشة في فترة ذروة.

أمّا خالد واعزيز فاختار تسطير حياته المهنيّة من خلال المرور عبر عدد من الفضاءات التنشيطيّة التي اشتغل بها كمنسّق موسيقيّ ومنتج للأغاني، مراكما تجارب مع عدد من الأسماء المعروفة في الديار الهولنديّة، وباصما على مجموعة من الجولات الفنية في بلدان أوروبيّة كثيرة.

"تعلمت، خلال تسعينيات القرن الماضي، كيف أنمّي حرفيّتي وأستثمر في أفكاري، ما جعلني أراكم إعجابات وإشادات وتشجيعات لما أقوم به في المجال الموسيقي"، يزيد خالد، قبل أن يواصل: "اعتبرت نفسي دوما في رحلة بحث مستمرّة؛ وهذا ما جعلني أقدم، أواسط العشرية الأولى من الألفية الجارية، على التحوّل صوب تنظيم العروض الفنيّة والترويج الإعلامي للمستجدات الموسيقيّة، كما اشتغلت، أيضا، بمعية إذاعة NTR في قسمها الغنائيّ..وأعتبر أني حاولت المساهمة في إبراز التنوع الثقافي الذي تزخر به الأراضي المنخفضة من كل هذه المواقع، دون إغفال إبراز المواهب ومنحها الدعم الذي احتاجته لنيل حظها من الشهرة".

رصد لعطاء الجاليات

اختار الثنائيّ رجاء وخالد، سنة 2010، الاشتراك في تجربة نوعيّة لكليهما تتجلّى في رصد أداء النساء المنتميات إلى صفوف الجاليات بالمجتمع الهولندي قبل وضع تصنيف يحدد أبرز العطاءات التي بصمت عليها مائة امرأة وامرأة من هذه الفئة .. وعن الدوافع تقول فلكاطة: "حضرت، خلال العام 2009، موعدا احتفى بـTOP 100 من البارزات في المجتمع الهولنديّ؛ لكنّ اللحظة عينها جعلتني أرصد غياب نساء الجاليات عن لائحة المحتفى بهنّ، فاخترت النأي برد فعلي عن الاكتفاء بالانتقاد لصالح المرور صوب الفعل".

"بدأنا بـTop 101 قبل ستّ سنوات من الحين. واعتبر متخصصون هولنديّون أن ما أنجزناه يعدّ فعلا إيجابيا يروم كشف عطاءات ذوي الأصول الأجنبية في مجتمع الأراضي المنخفضة. ثمّ أصبحنا نحرص، بوتيرة سنويّة، على تتويج 100 من الشخصيات المنتمية إلى صفوف الجاليات؛ اعتبارا لأداءاتها المهنيّة وسِماتها المجتمعيّة التي تمكنها من أن تغدو قدوة للآخرين.. ونتوفر في هذه الأثناء على فريق من 20 شخصا يعمل على هذا التعامل مع مستلزمات هذا المشروع المتجدّد طيلة أيام العام".

ويعتبر خالد واعزيز أن "توب 100"، الذي يشارك في تحقيقه بمعيّة رجاء فلكاطة، ظفر بإشعاع أكبر من ذلك الذي كان يرجى منه، ويسترسل: "نتوفر حاليا على شركاء من مختلف المشارب، وهم يثقون في اشتغالنا ويقرّون بتفرّد المبادرة وحمولاتها الثقافيّة..نحن فخورون بهذا النجاح الذي ينمّي طموحاتنا؛ كما أننا، في مجموعة العمل برمّتها، راضون عن الأداء الذي يتأتّى باستناد على الواقعيّة بنيّة إبراز عطاءات الجاليات في تنمية هولندا، رغم الصعوبات التي تحيط بعمليات البحث والتنقيب التي تجري بشكل متواصل حتّى تصل إلى 100 من المتميّزين كل عام، بمناصفة بين الرجال والنساء ضمن النسخ الأخيرة".

تناغم وتفرّد

الثنائيّ رجاء وخالد مقترنان ببعضهما منذ ما يفوق خمس سنوات، وعن تناغمهما الأسريّ تقول فلكاطة: "نشترك في أمورنا الشخصيّة والمهنيّة باعتبارنا متزوجَين وشركاء؛ وكل ذلك يتم دون صعوبات ملفِتة"، وتواصل: "من الطبيعيّ أن نتناقش بحدّة من حين لآخر، لكنّ هذا التعامل يبقى في حدوده الطبيعيّة التي تمحوها مساحات من المرح والجد والإيجابيّة والاحتراف..لدينا أهداف مشتركة أكثر مما قد يقودنا نحو سوء فهم".

ومن منطلق خبرته الحياتيّة يرى واعزيز أن الأجيال المستقبلية الراغبة في البحث عن ذواتها، بتجارب تقودها إلى النجاحات، عليها أن تتحلّى بقسط وافر من الشجاعة والإقبال على التحديات.."لا شيء من الإيجابيات يتأتّى دون صعوبات تُخاض، بينما يكثر المُحبِطون الذين ينبغي تجاوز محاولاتهم الناشدة لوسم مسارات الناس بسلبية. وللنأي عن كل ذلك يتوجّب تحديد الأهداف وإذكاؤها بالحرص على التواصل دوما مع الإيجابيّين من الأغيار لنيل التحفيزات"، يفيد خالد.

من جهتها، ترى رجاء أن الأوضاع الحالية في هولندا، كما بمعظم أرجاء القارة الأوروبية، تتسم بالقسوة التي يكشفها تنامي الممارسات العنصرية والتحامل على الإسلام والمسلمين؛ لكنها تستدرك: "ما يجري ينبغي ألا يؤثر على الافتخار بالأصول الهوياتيّة..وعلى المغاربة، تحديدا، مداومة استحضار انتمائهم الأصليّ ..يجب عليهم أن يعرفوا من أين أتوا، وألا يتناسوا تضحيات من ساقوهم إلى هذه الحياة، حتّى يبصموا على ما بمقدوره محو الصور النمطيّة التي تغزو الأذهان وتنال تعاطيا إعلاميا واسعا يركّز على من سقطوا في براثين التطرف والعنف".

عن موقع هسبريس

الصحافة والهجرة

Google+ Google+