خالت جميلة يعقوبي أن بمقدورها ممارسة إحدى المهن التي يتيحها التكوين في العلوم القانونيّة، أو حتّى وظيفة من بين تلك التي يمكن الولوج إليها بعد التخصص في علوم النفس، لكنّها لم تتصوّر أن تغدو خبيرة في تغيير حياة الناس انطلاقا من تأثيرات الغذاء والنشاط الجسماني عليهم. وتقرّ جميلة بكون الصدفة التي نقلتها من توجهاتها الأصليّة، على حين غرّة، أنستها المسالك التي سبق أن رسمتها بميولاتها السابقة.
ولادة بالمهجر
تنتمي جميلة يعقوبي وينوُود إلى جيل المغاربة الذين عانقوا الحياة في الديار الهولنديّة، بينما تنحدر أصولها من شمال المغرب، وتحديدا من منطقة "خبّابة" وسط الريف. وإن كانت يعقوبي أمضت جلّ سنوات حياتها بالأراضي المنخفضة، إلاّ أنها مازالت محافظة على ثقافتها الأمّ التي نهلتها من أسرتها في المهجر.
عملت النشأة الهولنديّة التي حظيت بها جميلة يعقوبي على تمكينها من اندماج في غاية السلاسة في المجتمع الذي رأت ضمنه نور الحياة أوّل مرّة. وتقول الهولنديّة المغربيّة نفسها إنّ محيطها المعيشيّ لم يواجهها بأي من صور الميز التي أضحت مثارة في الوقت الراهن، وإنها لم توضع في أي من المواقف التي تعتبرها دخيلة.
قانون وسيكولوجيا
مرّت يعقوبي بانسيابيّة بين أسلاك التعليم الابتدائية والإعدادية والثانويّة، وحين وصلت إلى المرحلة الجامعية ارتأت أن تتجه نحو دراسة العلوم القانونيّة التي حازت شهادة الإجازة منها .. لكنّ جميلة ارتأت الإقبال، بعد ذلك، على السيكولوجيا ومتغيرات الوجدان البشري من خلال دراسة علم النفس.
"عشت مرحلة بحث عن ذاتي بشروعي في التنقل ما بين تخصص أكاديميّ وآخر، لكنّي ألفيت طريقي بعد معاناتي من متاعب صحيّة تمثلت في سرعة تملكي من لدن التعب، وشروع شعري بالتساقط، وما صاحب ذلك من اكتفاء الأطباء بطمأنتي دون البصم على تحسّن"، تقول يعقوبي.
وتزيد المتحدّثة ذاتها: "قمت بأبحاث على الإنترنيت أبانت أن ما شكوت منه يرتبط باعتماد تغذية غير سليمة، وبعدما تحسّن حالي قرّرت الانخراط في تداريب على العناية بالجسد من خلال التغذية والأنشطة البدنيّة.. أردت أن أساعد الناس على تغيير أنماط عيشهم من خلال تعريفهم بفوائد الأطعمة والرياضات".
سلبيات التمدّن
تعلن جميلة يعقوبي، من خلال تواصلها مع طالبيها في استشارات صحيّة، ومنهم عدد كبير من الهولنديّين ذوي الأصول المغربيّة، أن حياة التمدّن انعكست بسلبيّة على أجسام النّاس. ووفق الأخصائية ذاتها فإنّ الابتعاد عن الطرق التقليديّة لتحضير الوجبات، إلى جوار الاعتماد على مواد أساسيّة رخيصة، أضحى يهدد سلامة البشر بدنيا.
"نلت قسطا وافرا من التعلّم، لكنّي لم أعرف يوما أن إقبالي على تناول الخبز بكثرة أفضى إلى إعطاب نظامي الحيويّ، كما أني لم ألحظ أن تناولي للحليب وقف خلف إصابتي بالحساسيّة" تقول يعقوبي، قبل أن تسترسل: "هذه المدارك ليست متاحة للجميع، وإن علا مستواهم الدراسيّ، فحياة التمدّن وما تستلزمه من سرعة غيبت تدقيقاتنا في ما نتغذّى عليه، كما أن ثقافة الاستهلاك التي تعمّ الحواضر تجعل قاطنيها عرضة لتلاعبات مموني الأسواق؛ حتّى إن أعداد المصابين بالسكري آخذة في التنامي بصورة مهولة؛ ولذلك اخترت أن أتخصص في ما يجعلني أوفر قسطا من المساعدة على هذا المستوى".
كتابة وتلفزيون
حققت جميلة يعقوبي وينوُود تراكما في كتاباتها الداعيّة إلى اتباع أوجه سليمة في التغذية من أجل الوصول إلى أساليب حياة إيجابيّة، وهي تتوفر على كتاب موجّه إلى الجاليّة المغربيّة بهولندا، تحديدا، يمسّ كيفية التعامل مع الطبخ المغربي للابتعاد عن الأضرار التي يمكن أن تسببها كثرة النشويات.
وتعلق جميلة على اشتغالها بالقول: "عدد كبير من مغاربة هولندا طالتهم السمنة والسكري وأمراض الضغط، على وجه التحديد، ما دفعني إلى البصم على كتاب طبخ يقدّم وصفات متنوّعة تمكّن من وجبات بديلة ترتبط بالثقافة المغربيّة، من حيث استخدام الأسس العضوية الخاصّة بها، مع تنقيحات تزيل الدواخل ذات الصلة بكثرة الغلوتين"، وتزيد: "ما أقوم به في هذا الصدد أعتبره دعوة إلى العودة نحو الخيارات الغذائيّة التي قام بها أجدادنا في البوادي، حين ارتكزوا على مصادر بيولوجيّة نقيّة للأطعمة".
حرصت الهولنديّة المغربيّة نفسها على الاستثمار في كونها متميّزة في تخصصها من بين الهولنديين المغاربة كي تبصم على إطلالات تلفزيونيّة بوتيرة أسبوعيّة حققت نسب مشاهدة عاليّة، غالبيتها لمن يشاطرونها الانتماء إلى الوطن الأمّ نفسه.. عملت على تضمينها، ككافة قنوات الاستشارة التي تفتح أمام الراغبين في ذلك، نصائح غذائية ورياضيّة للراغبين في تجويد قدراتهم البدنية وتخطّي الأسقام التي ألمّت بهم.
ارتياح وخطأ
"يسألني معارفي عمّا إذا كنت ندمت بسبب تغيير دراستي للقانون وعلم النفس لصالح التخصص لاحقا في التغذية والنشاط البدنيّ؛ فتكون إجابتي بكلمة لاَ، المفيدة للنفي القاطع"، تقول جميلة يعقوبي، قبل أن تقرّ بأن ممارستها المهنية الحالية تروقها جدّا بحكم المساهمة في الاشتغال مع الناس ورؤية نتائج ملموسة للتحسنات المرغوبة.
وتضيف يعقوبي، في الصدد ذاته، أنها تقصر أداءها المهنيّ الحاليّ على القاطنين على تراب الأراضي المنخفضة، ومقابل ذلك يحدوها طموح بتوسيع التعاطي كي يشمل شريحة أوسع تنتمي إلى مختلف دول العالم، ثم تردف: "هذا هو طموحي الذي أسعى إلى تحقيقه خلال الأعوام القليلة المقبلة".
من جهة أخرى، ترى جميلة أن الشباب الراغبين في الهجرة من المغرب نحو هولندا يعتبرون الحياة في هذه البلاد سهلة، بينما الواقع غير ذلك؛ وانطلاقا من خبرتها تعتبر أن الراغبين في القيام بهذه الخطوة يتوجّب عليهم التوفر على درجة انضباط عاليّة تواكب تحديد الأهداف المراد تحقيقها، وتختم بالتشديد على أن "كل الناس مدعوون إلى تتبع أحلامهم بجد في العمل، مع التحلي بالنباهة والذكاء لاستثمار الفرص المتاحة أمامهم .. ومن يعرف ما يريد فسوف ينال كل ما يصبو إليه".