لا أدري إن كان الأمر يستدعي تبريرا ما. لكنني أجد نفسي بعد عودتي للاطلاع على تقرير استطلاع الرأي الذي أنجز بطلب من مجلس الجالية المغربية بالخارج عبر إحدى أهم الهيئات المتخصصة في هذا النوع من الدراسات، والذي تم نشره بموازاة مع عملية "مرحبا" 2010 مدعوا للتأمل في مستقبل المغرب الذي تجاوزت حدوده في مطلع الألفية الثالثة -ومن خلال أبنائه القاطنين في ربوع العالم- حدود الوطن بمفهومه الضيق.
قد تتخذ تأملاتي صيغة العتاب الضمني، لكني، مع ذلك، من الذين يؤمنون بأنه "ليس بالإمكان أحسن مما كان". هدفي الأول، وأنا أستحضر -بموازاة مع أرقام المستجوبين- العشرية التي قضيتها ضمن أفراد الجالية المغربية بأوروبا في أكثر من حاضرة، أن أتأمل مع الناس، كل الناس، في المستقبل... مستقبل المغرب من خلال أبنائه أينما وجدوا بغض النظر عن مجال استقرارهم الجغرافي وفضائهم الثقافي الذي أصبحوا منتمين له عن رغبة أو بدونها... هي مجرد تأملات ... لكنها لصيقة بواقع ما زال معيشا...
قبل استلهام الأرقام، يبدو لي جليا أن تطورا ما قد حصل في بلدي. طيلة المدة التي قضيتها في أرض المهجر كطالب وكمستخدم وكممثل للجامعات الباريسية ضمن برنامج للتبادل مع جامعة بلد أوروبي (أوكسفورد إنجلترا)، صادفت وساهمت في العديد من استطلاعات الرأي التي كنت ألقاها في مخارج المترو الباريسي، أو في أبواب الأحياء الجامعية، أو في ساحات الجامعات... حول العديد من القضايا تتنوع بتنوع المستجوبين، وتتراوح بين قضايا تهم شؤون فرنسا المحلية أو قضايا عالمية تمكنت من كسب حضور قوي في أوروبا. ولم أر يوما ما، وحتى في بوابة سفارة المغرب بباريس، أو بمدخل دار المغرب، أو بمرافق مسجد باريس، أو سوق باربيس الأسبوعي... أو غيرها من الأماكن التي تعود المغاربة على ارتيادها... طلبا لاستطلاع رأي ما، حول قضية ما، ترتبط بي أو بغيري من أبناء جلدتي... كذات مغربية.
قد تكون لهذا الاستطلاع سيئات... ولكن الأهم الآن بالنسبة لنا أن ننظر قليلا لحسناته. ثلاث لا يمكن نكرانها:
أولها، أنه سمح لمغاربة أوروبا بالتعبير عن رأيهمولو أنه تم من خلال عينة. فالعينات إذا ما تم استنباطها باعتماد منهجية علمية تصبح معبرة...
ثانيها، أنه فتح الباب أمام توسيع الاستشارة وهي طريقة يمكن توسيعها لتشمل مجالات أخرى...
ثالثها، أنه يستشرف المستقبل في معالجة قضاياهم ويؤسس بذلك لمنهج جديد في اعتماد المعطيات التي تسمح بضبط الخطط والاستراتيجيات وأجندات العمل.
كثيرة هي التحولات التي عاشتها الهجرة المغربية خلال العقدين الأخيرين. لكن التحولات القادمة ستكون بدون شك أشد وأكثر تأثيرا سواء على الجاليات أو على المجتمع المغربي؛ و من أشد الأولويات اليوم أن نواصل الإنصات إلى أصوات مختلف فئات مغاربة العالم من خلال كل القنوات الكفيلة بنقل صورة قريبة من واقعهم، تعكس إكراهاتهم وطموحاتهم. ولننتبه إلى أن شريحة واسعة منهم يصعب التعرف على مشاكلها ورغباتها باعتماد الطرق التقليدية التي اعتادت الجهات المكلفة بتدبير ملف الهجرة المغربية على استعمالها. يتعلق الأمر بشباب الأجيال الأكثر حداثة التي تبرز العديد من المؤشرات أنها أضحت أكثر هشاشة على مختلف المستويات والأصعدة. إنها الأجيال التي تخترقها العديد من التيارات والفكرية والثقافية، وتؤثر فيها سلبا، بل وتستغل هشاشتها لاستخدامها لصالح قضايا وأهداف تهدد مستقبلها المباشر، وتهدد بدون شك انتظارات وطنهم الأم.
أتمنى أن يتمكن المغرب يوما ما من تأسيس هيأة مستقلة لاستطلاع الرأي يكرس نشاطه باعتماد المناهج العلمية لمواطنيه الذين يعيشون خارج الحدود...
أحمد سيراج