"معرفة وآراء" زاوية مفتوحة في وجه الباحثين والمختصين في قضايا الهجرة ومتعلقاتها لعرض آرائهم ووجهات نظرهم وفتح باب النقاش بخصوص مختلف الأسئلة المتصلة بهذه القضايا..

"معرفة وآراء" أفق لبناء حوار هادئ ومسؤول قادر على بلورة مقاربات تتسم بالعمق والدقة والصدقية.

ماذا بعد خمسين عاما على الهجرة المغربية في ألمانيا؟

في مثل هذا اليوم من العام 1963 وقع المغرب وألمانيا اتفاقية جلب اليد العاملة المغربية إلى ألمانيا. وبالرغم من أن العلاقات المغربية الألمانية ترجع إلى بداية القرن السادس عشر، إلا أن هذه الاتفاقية تشكل الانطلاقة الرسمية للهجرة المغربية إلى ألمانيا.

اتفاقية لم يكتب لها النجاح إلا في 21 من ماي، بعد عدة طلبات تقدم بها المغرب إلى السلطات الألمانية منذ العام 1959 كانت تواجه بالرفض المطلق. وجاءت هذه الاتفاقية تلبية للحاجة الماسة لليد العاملة الأجنبية لمواكبة ما عرف منذ أواسط الخمسينات بالمعجزة الاقتصادية الألمانية من جهة، وللتخفيف من حدة البطالة التي كان المغرب يعاني منها في تلك الفترة والتي قدرت بــ 600 ألف شخص من جهة ثانية. وهكذا وجد الآلاف من العمال المغاربة خاصة من شمال شرق المغرب طريقهم إلى مناجم منطقة الرور لسد النقص الكبير الذي كانت تعاني منه الصناعات المنجمية في غرب ألمانيا.

بغض النظر عن الحيثيات والملابسات والظروف القاسية التي عاش فيها الجيل الأول من اليد العاملة المغربية والتي تعززت بوصول فوج من النساء في بداية عقد السبعينات، فإن الواقع اليوم يؤكد على أن التواجد المغربي في ألمانيا والذي يصل إلى 180 ألف نسمة، يشكل قيمة مضافة، سواء لألمانيا كبلد استقبال أو للمغرب كبلد الأصل. من دون شك أن العلاقات المغربية الألمانية هي علاقات تحافظ على البعد الديبلوماسي وعلاقات تجارية محتشمة. وهذا ما تؤكده إحصائيات 2011، حيث احتلت ألمانيا المرتبة الثامنة في سلم المبادلات التجارية للمغرب، في حين احتل المغرب المرتبة 71 في مبادلات ألمانيا التجارية.

هذا دون الحديث على أن الزيارات السياسية بين البلدين لم تشهد ثقلها الكبير منذ أكثر من عقد من الزمان، منذ أن ألغى الوزير الأول عباس الفاسي تقليد زيارة برلين، دشنه عبد الرحمن اليوسفي وسار على نهجه إدريس جطو.

لا غرو أن مرور نصف قرن على اتفاقية جلب اليد العاملة المغربية إلى ألمانيا، هي مناسبة وإن كانت للاحتفاء بأجيال الهجرة المغربية في ألمانيا، ولكنها فرصة أيضا، لطرح أسئلة حول حصيلة نصف قرن على الهجرة المغربية في ألمانيا؟ وحول الدور الذي لعبته الهجرة المغربية في التنمية الاقتصادية للبلدين؟ وما تأثير ذلك على التطور السياسي والتعاون الاقتصادي بين ألمانيا والمغرب؟ وما دور المهاجرين وجمعياتهم في مد جسور التعاون؟

أسئلة تفرض نفسها خاصة وأن ألمانيا اليوم، هي أحد الفاعلين الأساسيين في صناعة القرار الدولي. فعلى الصعيد السياسي أصبحت برلين وجهة أساسية في كل التحركات الدولية، آخرها دخول برلين كمحطة رئيسية في تحركات المبعوث الأممي حول الصحراء. وعلى الصعيد الاقتصادي استحواذ ألمانيا ولفترة طويلة على قائمة التصدير العالمي دون أن ننسى أنها القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا. وعلى الصعيد الاجتماعي تبقى ألمانيا من بين الدول الأولى التي تخصص ميزانية ضخمة لدعم مشاريع التنمية في مختلف بقاع العالم. هذا بالاضافة إلى أن قوة ألمانيا تتجلى في Know-how أي الخبرة والتكنولوجيا التي تمتلكها في عدد من المجلات التي يبقى المغرب في أمس الحاجة إليها، خاصة في مجال التكوين المهني والتكوين المستمر والتعليم العالي التقني والاقتصاد الاجتماعي والمقاولات المتوسطة والصناعات الميكانية والطاقات المتجددة.

لابد من الاشارة إلى أنه في زمن العولمة ومجتمع المعرفة بدأت جمعيات الهجرة تلعب دورا أساسيا من أجل تعبئة كفاءاتها في أفق نقل الخبرة والتكنولوجيا من بلدان الاستقبال إلى بلدان الأصل؛ إذ ساهم المهاجرون بشكل أساسي في تنمية المغرب، من خلال التحويلات المالية التي تكتسي أهمية كبرى. ولقد حافظت التحويلات المالية لمغاربة ألمانيا على وتيرتها، وذلك في حدود 80 مليون يورو في السنوات الثلاثة الأخيرة رغم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منطقة اليورو. غير أن الاهتمام اليوم بدأ يتجه إلى نقل الخبرة والتكنولوجيا كخيار استراتيجي للتنمية المستدامة. من دون شك أن العالم يشهد صراعا كبيرا ومنافسة قوية من أجل استثمار الكفاءات. هذا الاستثمار الذي يكتسي مهمة كبيرة خاصة بالنسبة لبلد مثل المغرب الذي يفتقر للثروات الطبيعية، حيث يبقى استثمار الكفاءات والعنصر البشري الرافعة الأساسية للتنمية. وتبقى ألمانيا واحدة من دول الاستقبال القليلة التي أطلقت مبادرة رائدة تتجلى في تأسيس شبكة للكفاءات المغربية تضم أكثر من 700 إطار في ميادين مختلفة، تشكل رأسمالا حقيقيا للخبرة والمعرفة. وهي الشبكة التي حملت على عاتقها إحياء الذكرى الخمسينية للهجرة المغربية في ألمانيا للتذكير بأهمية الانفتاح على ألمانيا وتقوية العلاقات.

محمد مسعاد

كاتب وصحفي، من مؤسسي شبكة الكفاءات المغربية بألمانيا (DMK)

الصحافة والهجرة

Google+ Google+