القضايا المطروحة في كتاب «ظهور الإسلام في أوروبا» للدكتورة فوزية العشماوي (دار العين للنشر) يواجهها المسلمون المُقيمون في الدول الأوروبية، وتتناولها بإسهاب وسائل الإعلام، ومنها: الأحوال الشخصية للمسلمين الأوروبيين، تطبيق حقوق الإنسان من المنظور الإسلامي، حقوق المرأة والمساواة مع الرجل، الإسلاموفوبيا أو الخوف من الإسلام والمسلمين وإلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين، تصحيح صورة الإسلام في المناهج الدراسية الأوروبية، العولمة من المنظور الإسلامي، حرية التعبير والرسوم المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم)، حظر بناء المآذن في سويسرا، والحرية الدينية.
ووفق العشماوي تُعد القضايا السابقة محوراً رئيساً في كثير من مؤتمرات الحوار بين الأديان وحوار الحضارات والثقافات التي تُعقد في معظم الدول الأوروبية وفي البرلمان الأوروبي في بروكسيل وفي المجلس الأوروبي في ستراسبورغ وفي الأمم المتحدة في جنيف ونيويورك وفي منظمة اليونسكو في باريس. وهى تحتاج إلى إعادة النظر في تناولها ومعالجتها وأسلوب عرضها لتتناسب مع التقدم الهائل في المجال العلمي والتكنولوجي وفي عالم الاتصالات والبيولوجيا والطب وانعكاسات كل هذا التقدم على الفكر الإنساني العالمي، والأخذ بهذا التقدم لتجديد الفكر الإسلامي وتنقيته من بعض الجمود الذي لا يزال يسيطر على بعض العقول في عالمنا العربي المعاصر، وأولى هذه القضايا الإسلاموفوبيا أو الخوف من الإسلام التي بدأت مع أحداث أيلول (سبتمبر) 2001 وتدمير برجَي مركز التجارة العالمي في نيويورك والتي ألصقت بالمسلمين تهمة الإرهاب، فاهتمت الدوائر الأكاديمية والعلمية بها، وعُقدت الندوات لدراستها وإيجاد سبل لمواجهتها، وظهرت مسألة الفروق في التسمية «المسلمون في أوروبا» و «مسلمو أوروبا».
الأولى يكون المسلمون قادمين من بلاد أخرى ويعتبرون أقليات ليس لها حقوق المواطنين الأصليين بعكس التسمية الثانية والتي يعتبرون فيها مواطنين أوروبيين متعادلين أمام القانون مع أي مواطن أوروبي آخر.
وهذه التسمية تتعلق بالسياسيين ومتخذي القرار السياسي في أوروبا، ثم إن هناك فرقاً أساسياً ينبع من التسمية. ففي الحال الأولى يكون انتماء المسلمين إلى بلدان ذويهم الأصلية القادمين منها، وفي الحال الثانية يكون انتماؤهم إلى الدولة الأوروبية التي يعيشون فيها، ولكن من المساوئ هنا يتم تطبيق قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في الدول الأوروبية مثل: الزواج المدني، قانون التوريث، الطلاق المدني ودفن الموتى. لذا يلزم الأمر أن يكون هناك «إسلام أوروبي» موحد يصلح لجميع المسلمين في أوروبا ويكون لهم تشريع ومجلس فتوى أوروبي يصدر تعليماته وفتاويه التي تتفق وظروف المعيشة في أوروبا، وكذا العرف السائد والنظام العام المعمول به.
أيضاً ضرورة عقد ندوات دولية رفيعة المستوى يشارك فيها علماء وخبراء من مختلف الحضارات وتدار فيها مناقشات صريحة وشفافة لكل المفاهيم الإسلامية التي تعتبر ركيزة لفكر وأيديولوجية الحضارة الإسلامية كواحدة من أهم الحضارات العالمية ويكون انتعاش الحوار بأسلوب براغماتي عقلاني وبلغة البلد الأوروبي ويكون المتحدثون عن الإسلام من المتخصصين في أصول الدين الإسلامي، والمُطلعين على أهم القضايا الحيوية الحديثة التي تشغل بال الأوروبيين على أن تعقد مثل هذه الندوات في عواصم الدول الأوروبية المختلفة وليس في الدول الإسلامية.
وعن تصحيح صورة المرأة المسلمة تشير الكاتبة إلى أن القضية الأولى المثارة حالياً وتستحوذ على اهتمام القارئ والمُشاهد الأوروبي وتبرزها وسائل الإعلام الأوروبية هي قضية لباس المرأة المسلمة سواء الحجاب أم النقاب، لذا يجب على المسلمين في الدول الأوروبية عندما يتطرق الحديث إليها أن يتم ذكر الحجاب ورفض الخوض في قضية النقاب رفضاً قاطعاً إذ إن العُرف السائد في أوروبا أن النقاب يمثل خطراً على الأمن العام حيث يمكن المجرمين والإرهابيين من الرجال والنساء الاختفاء وراءه للقيام بأعمال إرهابية تهدد الأمن العام في هذه المجتمعات.
وتلفت إلى أن الأوروبيين أعطوا لقضية الحجاب أهمية أكبر مما تستحق وفيه «تسييس للحجاب المسلم» ويجب أن نضيف على الرد الديني عن الحجاب رداً براغماتياً عقلانياً نستخلصه من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بخاصة أنه يندرج في إطار القانون الدولي في حق التعبير عن الرأي وهو من الحقوق الأساسية المذكورة في دستور كل الدول الأوروبية وفي الميثاق العالمي لحقوق الإنسان (المادة الثامنة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)، وطبقاً لهذا البند فمن حق المرأة المسلمة أن تعبّر عن نفسها وعن رأيها بارتداء ما ترغب فيه من ملابسها. أيضاً قضية عدم تمكين المرأة وعدم إشراكها في الحياة السياسية وفي اتخاذ القرار وتولي المناصب العليا، وتبرزها كتابات المستشرقين الأوروبيين الذين يفردون لها صفحات وبرامج، والحقيقة أن هذه القضية لا تزال سائدة في الكثير من الدول الإسلامية وتحرمها من الولاية العامة ومن تولي القضاء لذا فإن تصحيح هذه الصورة من أهم القضايا التي يمكن من خلالها إبراز تطور الفكر الإسلامي الحديث.
لذلك وجب التأكيد دائماً أن الإسلام لا يفرق بين عقل المرأة وعقل الرجل ويطبّق المساواة التامة بينهما في كثير من الأمور ومن الضروري الاستعانة بكل ما هو جديد في فقه المرأة من كتابات متطورة لبعض المفكرين المسلمين المستنيرين في العصر الحديث مثل الشيخ محمد الغزالي والمفكر السوري محمد شحرور.
ونادت العشماوي بضرورة تنقية المناهج التعليمية في أوروبا والتي يتلقاها الإنسان الأوروبي في كتب التاريخ المدرسية عن الإسلام والمسلمين ومعظمها معلومات خاطئة ومغلوطة ومشوّهة مصدرها العداء والكراهية التي كانت تبعثها الكنائس المسيحية ضد المسلمين، ولفتت إلى ظاهرة لم يتعرّض لها الباحثون في قضية تعديل وتطوير المناهج الدراسية وهي ظاهرة «الإغفال Omission» أي إغفال الآخر وعدم الاعتراف بثقافته أو حضارته أو مساهمته في الحضارة الإنسانية وهو سلاح يستعمله مؤلفو المناهج الدراسية، وأكثر الأمثلة دلالة على ذلك عدم اعتراف بعض المناهج الدراسية في الدول الأوروبية بفضل الفلاسفة والعلماء العرب المسلمين على النهضة الأوروبية في القرن الـ 15 اذ تُنسب مُعظم هذه الكتب الدراسية اكتشافات العلماء العرب إلى غيرهم من العلماء الأوروبيين فيعتبر روجيه بيكون المخترع الإنكليزي صاحب المنهج العلمي التجريبي بينما في الحقيقة هو جابر بن حيان، وأول من فكر في نظرية الجاذبية بأسلوب علمي هو أبو الريحان البيروني وليس إسحاق نيوتن.
وترى أن صورة مستقبل المسلمين في الدول الغربية تبدو قاتمة في ضوء الأحداث الأخيرة، وسيجد الدعاة المسلمون والعاملون في مجال حوار الأديان صعوبة شديدة في محاولة استمرار الحوار مع مؤيديه في الدول الأوروبية، لأن العمليات الإرهابية لا تشجع الغرب إطلاقاً على الاقتراب من الإسلام والمسلمين ومحاولة فهم جوهر الدين الإسلامي، وسيكون الطريق شاقاً وطويلاً أمام المسلمين لإقناع العالم أن الدين الإسلامي لا يتعارض مع المواثيق والقوانين الدولية، ولكنه يمكن أن يكملها ويثريها بما فيه من مفاهيم وروحانيات الغرب في مسيس الحاجة إليها.
إلا أنها تتمسك ببصيص من الأمل بقولها «ليس معنى هذا أن يعيينا اليأس ولا نستمر في حوار الأديان والثقافات والحضارات مع الأوروبيين، بل على العكس يجب أن نزيد من مبادرات الحوار معهم ونثبت لهم من خلال تعاملنا معهم بصدق ومودة أننا نرغب في العيش معهم في سلام».
محمد عويس، جريدة الحياة اللندنية، 22 نونبر 2014