مع بداية الألفية الثالثة شهدت القارة الإفريقية وضعا خطيرا لا على المستوى السياسي والإنساني فحسب؛ بل على المستوى الديني والروحي؛ ففي الوقت الذي تعرف فيه فئات الشباب زيادة في العدد واتساعا، وتنسد أمامهم آفاق الاندماج الاجتماعي الطبيعي، وجدت الحركات الأصولية المتطرفة الأرضية الصالحة لاستنبات الفكر التكفيري ونشر ثقافة العنف والإرهاب. ولا غرابة في ذلك؛ فشبكات تهريب المخدرات والهجرة السرية وتجارة السلاح تشتبك لتكون عضدا ورافدا للإرهاب والتطرف، كما أن الحركة التبشيرية تجد هي الأخرى ضالتها المنشودة في هذا الوضع الشاذ فتنشط في اكتتاب المتنصرين الجدد وإشاعة الثقافة المسيحية، هذا بالإضافة إلى التوسع الملحوظ في قاعدة التشيع والنشاط القوي لدعاته الذين زادوا الطين بلة وزادوا الأزمة الدينية والروحية تعقدا وحدة.
لذا جاءت مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في الوقت المناسب لتصحح هذا الوضع وترأب الصدع.
وأسباب وجود هذه المؤسسة كما جاء في ديباجة الظهير الشريف المنشئ لها:
1 ـ وعي جلالة الملك محمد السادس بأهمية الروابط الدينية والتاريخية التي تجمع المغرب بإفريقيا باعتباره جزءا لا يتجزأ منها.
2 ـ السعي إلى توحيد جهود علماء المغرب وباقي الدول الإفريقية لخدمة مصالح الدين الإسلامي، وفي مقدمتها التعريف بقيمه السمحة ونشرها، وتشجيع الأبحاث والدراسات في مجال الفكر والثقافة الإسلامية.
3 ـ رغبة جلالة الملك في المحافظة على وحدة الدين الإسلامي، وصد التيارات الفكرية والعقدية المتطرفة، وفتح فرص لتبادل الآراء بين علماء القارة، وتنمية مدارك الناس العلمية والمعرفية.
4 ـ تعزيز ما يربط المملكة المغربية والدول الإفريقية من روابط تاريخية ودينية وحضارية عبر العصور.
5 ـ الحرص على حماية العقيدة الإسلامية والوحدة الروحية للشعوب الإفريقية من كل النزاعات والتيارات والأفكار التضليلية التي تمس بقدسية الإسلام وتعاليمه ومقاصده.
6 ـ الإيمان بضرورة توحيد جهود علماء الإسلام بالقارة الإفريقية للنهوض برسالتهم النبيلة على أكمل وجه في الإرشاد والتوجيه والبيان والتربية على كريم السجايا وحميد الخصال.
وقد جاء في البلاغ الصحفي الذي صدر بمناسبة الإعلان عن تأسيس هذه المؤسسة يوم الإثنين 26 رمضان سنة 1436ه الموافق 13 يوليو 2015 م بالدار البيضاء "إن العلماء الذين حضروا الاجتماع التمهيدي، والذين حضروا، رجالا ونساء، هذا اللقاء من أجل الإعلان عن التأسيس، هم من خيرة العلماء المسلمين في البلدان الإفريقية ،ولكنهم ليسوا كل العلماء المعنيين ،وليسوا بالضرورة أحق بالحضور من عدد كبير من العلماء الذين لم يحضروا في المناسبتين ،والذين يتوقع أن ينخرطوا في هذه المؤسسة ويشتغلوا في إطارها" . اهـ الاستشهاد.
فالقارة الإفريقية تحتاج غاية الاحتياج إلى هذا الصرح الجديد لتنقذ الملايين من المسلمين الذين تلتهمهم هذه الأطراف المتشاكسة التي ذكرنا آنفا قوة حضورها وشدة نشاطها في هذه القارة.
ونظرا إلى أهمية هذه المؤسسة في نشر التعاليم السنية الصحيحة القائمة على ثوابت الدين الإسلامي في أغلب بلدان القارة الإفريقية منذ أسلمة شعوبها وهي : العقد الأشعري، والفقه المالكي، والتصوف الجنيدي.
ونظرا لوعي العلماء بهذا الخطر الداهم الذي يقض مضجع كل العاملين في الحقل الإسلامي، ولتشبثهم بالعلاقات التاريخية الوطيدة بالمملكة المغربية عرشا وحلقات درس وتربية فإننا نرى أنه من النصيحة المطلوبة والمرغب فيها أن نبدي جملة من الملاحظات:
1ـــ التأكيد على أهمية هذه المؤسسة وضروريتها في هذا الوقت بالذات.
2 ـــ تهنئة كل العلماء الأفارقة لإتاحة هذا الإطار لهم للتعارف والعمل سويا لخدمة الإسلام والمسلمين.
3 ـــ نشير إلى أهمية تجنب كل التوازنات القائمة على معايير غير موضوعية وبالتالي نؤكد على ضرورة إسناد المهمات للأكفإ فالأكفإ حفظا وعلما وقوة وأمانة.
4 ـــ نلتمس إسناد مهمة أساسية في هذه المؤسسة للسيد الأستاذ عبد اللطيف البكدوري الأشقري، نظرا لقوة معرفته بالحقل الديني في القارة الإفريقية وشدة ممارسته للفعاليات المختلفة التي تقام في هذه الدول سواء كانت رسمية أو غير رسمية، فمنذ عقد من الزمن لم أحضر ملتقى أو ندوة من الندوات المتعلقة بالشأن الإسلامي في أي بلد من البلدان الإفريقية إلا ووجدت هذا الرجل أمامي ممثلا لدولته ومرجعا في ذات الوقت للمشاركين إذا ما اختلفوا في مسألة ما، هذا فضلا عن الكفاءة العلمية والعملية التي يتمتع بها.
ونسأل من جلت قدرته أن يسدد خطى القائمين على هذه المؤسسة لما يخدم الأمة الإسلامية ويحقق الغاية المرجوة من إنشائها، وأن يسلك بنا جميعا مسالك النجاة ويوفقنا والمسلمين لما يحبه الله ويرضيه.