"معرفة وآراء" زاوية مفتوحة في وجه الباحثين والمختصين في قضايا الهجرة ومتعلقاتها لعرض آرائهم ووجهات نظرهم وفتح باب النقاش بخصوص مختلف الأسئلة المتصلة بهذه القضايا..

"معرفة وآراء" أفق لبناء حوار هادئ ومسؤول قادر على بلورة مقاربات تتسم بالعمق والدقة والصدقية.

وصفة دافيد كينينغ لمحاربة التطرف الديني كما قدمتها جريدة التلغراف الهولندية

إن الهالة الأسطورية المحيطة ب (جهاديي داعش) تكشف بعد دراسة متفحصة غالبا عن مراهقين مختلين، يعانون من اضطرابات سلوكية حادة. يهمس المحلل النفسي دافيد كنينج (David Kenning) في أذن بلدية أمستردام. من هذا النوع من الجهاديين تعرف بلادنا أمثلة عديدة. من سلطان بيرزيل، الذي فجر نفسه في بغداد، إلى مغني الراب من أرنهم مروان ب، الذي ارتمى بدوره في أحضان داعش. والذي يخشى من أن يقوم هو أيضا بتفجير نفسه.

اسمه دافيد كينينج، ليست هناك تفاصيل كثيرة عن تجربته الثرية كمكافح ضد الإرهاب. لكن مع ذلك يبقى هذا المحلل النفسي الأيرلندي وخبير الإرهاب، هوالرجل المثير للجدل وراء السياسة التي تنهجها أمستردام تجاه الجهاديين المتوجهين إلى سوريا. جريدة التليغراف قامت بمحاورة هذا (الهامس الجهادي) حول إنجيله: الجهاديون هم أكثر الشباب خيالا، الذين يتصارعون مع دماغهم المراهق.

دافيد كينينج ليس فقط (الهامس الجهادي لأمستردام) و (المستشار الخاص) للعمدة فان دير لان، إنه أيضا -على الصعيد االعالمي-مستشار عدد كبير من الدول فيما يخص كيفية التعامل مع المتطرفين المسلمين الذين يغادرون بلدانهم من أجل الانضمام إلى الدولة الإسلامية (IS). إن هذا الجهاد المتسم بالعنف وفقا له، ليس إلا’ غطاء أو تذكرة’ من أجل حياة جديدة لأدمغة مختلة.

إن اللهجة الأيرلندية لكينينج تفضح جزئيا المكان الذي اكتسب فيه تجربته كخبير في مجال مكافحة تجنيد الإرهابيين. في مكتب بقصر بلدية أمستردام يقوم كينينج بالكشف عن مضمون إنجيله. موظفون وعدونا سلفا بأنه صاحب أسلوب آسر، هذا المحلل النفسي المتخصص في المراهقة، ومرحلة الانتقال من الطفولة إلى سن الرشد.

أهم نصيحة يوجهها: توقف عن النقاش مع المتطرفين. "الذهاب للجهاد هو حل مراهق لمشاكل سن المراهقة. نحن نعرف بأن الشباب في هذا السن يتصارعون مع التعاطف. إنهم لا يستطيعون تفهم وجهات نظر الآخرين، لأن أدمغتهم ببساطة ليست ناضجة بما فيه الكفاية لذلك، إلى جانب ذلك هم أنفسهم في صراع مع أزمات داخلية ".

ومن أجل توضيح ذلك يقدم هذه المقارنة: "قد ترغب في الدخول في نقاش مع هؤلاء الشباب حول معنى الدين، ولكن هل يمكنك أن تقنع أحد مؤيدي فريق أياكس بالتعلق بفريق فاينورد، استنادا إلى مناقشة ماذا تعني كرة القدم ...؟ إن ذلك لن يحدث أبدا. هؤلاء الشباب لا يستمعون. علاوة على ذلك: على افتراض أنك ستربح النقاش، فإنهم سيقومون بمغادرة القاعة وهم يضربون الأرض بأرجلهم. إنهم غير مهتمين بالحلول الحديثة، مثل التنازلات والتوافقات. إنهم يريدون حلولا متطرفة، لأن لديهم صعوبة في السيطرة على غضبهم. إن المعركة ضد الإرهاب ليست حربا ايديولوجية، إنه من الضروري أن نقوم بتحليلها نفسيا."

فحسب المحلل النفسي، المعروف جدا في عالم مكافحي المقاتلين الجهاديين الصغير، فإن كثيرين من الجهاديين القساة كانوا مختلين طويلا بالفعل قبل مغادرتهم. وبأن المشاكل النفسية هي المحرك الرئيسي لهؤلاء المغادرين، ظهر مؤخرا من خلال تحليل 120 ملف من المقاتلين في سوريا: 60 في المئة منهم على الأقل يعانون من مشاكل نفسية.

"إن التركيز على الإسلام خطأ. الأيديولوجية تأتي عند هؤلاء المتطرفين في نهاية مسار طويل من "مشاكل" أخرى. من بين جميع المسلمين في جميع أنحاء العالم 99.99 في المائة ليست مهتمة بالجهاد العنيف. من بين هذه 0.01 في المائة هناك تسعون في المئة تحت سن 24. هاتان الحقيقتان تظهران ماهية هذه الجهادية على أرض الواقع: إنها مشكلة مراهقين. فهم عندما يتقدمون في السن، يفقدون معظم الاهتمام بهذه الأيديولوجية العنيفة. إنها تفقد جاذبيتها. ليست الأيديولوجيات هي التي تمسك الأشخاص، ولكن الأشخاص هم الذين يمسكون بالأيديولوجيات".

الأيديولوجية

أمثلة كثيرة بما فيه الكفاية عن هؤلاء الجهاديين الهولنديين من المختلين ذهنيا المنتمين إلى أوساط اجتماعية هشة من الذين سافروا إلى أرض الميعاد: مجرمون صغار، فتيات دعارة الويب كام، مراهقون مقصيون، مهتدون جدد قاموا في غضون أشهر قليلة بالسفر إلى دولة’ الخلافة’. "بالنسبة لهؤلاء، الأيديولوجية ليست إلا وسيلة نقل. هذه الأيديولوجية لا يتم الإمساك بها لأنها مقنعة، أو مثيرة لاهتمام ديني، ولكن لأنها تقدم مهربا، حلا لمشاكل شخصية. إنهم لا يؤمنون بهذه الأيديولوجية إلا بلسانهم. نحن نعرف عن الانتحاريين في العراق كون معظمهم لا يمكنهم حتى أن يصلوا بشكل صحيح. إنها أقرب ما تكون إيماءات مسرحية من ممارسة حقيقية للدين. إنهم يتمسكون بالأيديولوجية، ليس لأنها مقنعة تماما، بل لما توفره من إمكانيات: جواز سفر إلى حياة جديدة."

هذا المبدأ النفسي قام تنظيم القاعدة ولسنوات طويلة ماضية باستغلاله. إنه بالإمكان تلقين’ الإيمان الصحيح’ للمستقطبين في حالة ما إذا كان’ التفكير’ جيدا، حسب كينينج. "تنظيم القاعدة كان يعرف بأنه لا يمكن تجنيد أشخاص ليسوا مهيئين نفسيا بعد. كانوا يبحثون عن’ الفاشلين’ في الحياة، الرجال الذين استسلموا تماما. الرجال الذين كانوا يسعون لجلب الانتباه من خلال شيء 'كبير'. لذلك كان يتم دائما تسجيل شريط فيديو عن منفذي التفجيرات الانتحارية.

لقد أصبح التجنيد بالنسبة للدولة الإسلامية الإرهابية (داعش) أسهل من تنظيم القاعدة، يقول الخبير الإيرلندي. "داعش تبحث عن الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم ضحايا. مجتمعنا الحديث يحتفي بالضحية. في كل القصص تكون الضحية هي النقطة المركزية. هناك قيمة للنظر إليك باعتبارك ضحية، بهذا يمكنك الحصول على’ النجومية’. الثقافة الحديثة تضع علاقة قوية بين’ المستضعف’ والضحية. وهذا بالضبط ما تقوم داعش باستخدامه. المتطرفون يتم عرضهم ك’ المستضعف الذي يعض’."

"لقد نجحت داعش في تبليغ رسالتها بشكل أفضل بكثير من المجتمعات الغربية. ليس من الواجب علينا أن ننطلق من الإسلام كاعتقاد، ولكن علينا الحديث عن الواقع. يجب أن تكون ذا مصداقية من أجل توصيل رسالتك. المسلمون المعتدلون - مهما كانوا لطفاء- لا يصدقون المتطرفين. إذا سبق وذهبت إلى منطقة حرب، فمن يا ترى ستثق فيه؟ شخص رأى ذلك بعينيه شخصيا. لماذا هذا العدد الكبير من الفتيات اللواتي يردن الرجوع؟ لأنهن كن مخدوعات. يجب أن ننظر استراتيجيا في كيفية قيام أمثال هؤلاء بتقويض داعش أيديولوجيا. إننا الآن نحصر ردنا في مناقشة حول معنى الإسلام. ولكن في الواقع يجب أن تكون الحرب التي نخوضها حربا نفسية محورها دماغ المراهق. يجب أن نكون أكثر ذكاء في استخدام الدعاية من داعش، إننا مثل الثور الذي يقوم برد فعل تجاه الخرقة الحمراء. إن المشكلة ليست في الأيديولوجية، إن هذه ليست سوى جواز سفر. يجب علينا أن نتجاهل الخرقة الحمراء. دعونا نتحدث عن الواقع."

إن الجهادية وفقا له هي حالة مزاجية مؤقتة. "الناس يغيرون آراءهم باستمرار، حتى فيما يخص القضايا الهامة: الحب، الدين. يجب علينا أن ندرك بأن الجهاد هو’ حالة ذهنية’. عندما تكبر، يصبح لك ميل للتفكير بشكل مخالف. لماذا نرى بأن التائبين من الجهاديين المتطرفين هم في معظمهم من كبار السن؟ الناس يتمسكون بأيديولوجية، ولكن بإمكانهم أن يتخلصوا منها بنفس السهولة مرة أخرى؛ فجأة لا تعود مثيرة للاهتمام."

الجهاديون المراهقون هم مثل العاشقين من المراهقين، غير قابلين للاستماع للحجج: "لا تدخل معهم في نقاش، الشيء الوحيد الذي ستصل إليه هو كونهم سيزدادون أكثر تمسكا. في كل مكان يتم تقديم’ الإسلام المعتدل’ لمواجهة المتطرفين. ولكن هؤلاء الأطفال هم في أعماقهم غير مهتمين بالدقائق الدينية. ما يهمهم هو صنع قطيعة جذرية، تحوير مسرحي في حياتهم المضطربة. أسلمة مشاكل لا علاقة لها بالإسلام تماما. واحد من كل أربعة مسافرين (إلى سوريا) في فرنسا من المهتدين الجدد، في النرويج، واحد من كل ثلاثة وفي هولندا واحد من كل ستة. لماذا يقوم هؤلاء الأطفال بمعانقة هذه العقيدة، التي لا تعني ثقافيا أي شيء بالنسبة لهم، باستثناء معاندة والديهم؟"

ولكن ماذا تهم المواطن العادي هذه المعالجة؟ "بداية، مراقبة الجهاديين هي مهمة المخابرات وأجهزة الأمن. ولكن المواطنيين عليهم أن يمنحوا هؤلاء الشباب شعورا بأنهم جزء لا يتجزء من المجتمع، وليسوا غرباء. فبقدر ما يشعرون بأنهم مقصون ومستبعدون، بقدر ما يصبح سهلا قيامهم بمعانقة هذه العقيدة (الأيديولوجية). إنها تقدم لهم مهربا، حياة ثانية، فرصة للتخفيف من الإجهاد. ينبغي أن يوفر لهم مكان في المجتمع. التطرف (الراديكالية) ليس مشكلة، العنف هو المشكلة."

"إن التهديد الحقيقي لداعش يكمن في الوعد بثورة. تنظيم القاعدة لم يكن يعد سوى بالموت والفوضى والدمار المذهل. ولكن داعش تقول: أنت بان، أنت جزء من شيء عظيم. تعال بسرعة. غنائم الحرب هي لك. إنها تخاطب عقلية شباب مخاطر، قطع مع مجتمع لم يمنح له أية فرصة. يجب علينا أن نعلمهم كيفية التعامل مع وضعيتهم. إنها مرحلة في طريق النمو."

ترجمة : قاسم أشهبون

عن جريدة التلفراف الهولندية

الصحافة والهجرة

Google+ Google+