«شينغن».. بين مظاهر الوحدة والخوف من التفكك
خلال الأسابيع القليلة الماضية شهدت المجموعة الأوروبية الموحدة تطورات اختلطت فيها مشاعر المواطن الأوروبي ما بين الشعور بالفرحة والابتهاج وهو يحيي ذكرى إعلان شومان الذي كان الخطوة الأولى على طريق تأسيس التكتل الموحد، والذي نجح في إلغاء الحدود بين الدول الأعضاء فيه من خلال ما يعرف باسم اتفاق شينغن، وبين الشعور بالإحباط للخلافات الأوروبية التي تهدد استمرار تطبيق الاتفاق في ظل تهديدات من دول أعضاء مثل الدنمارك، بالعودة إلى نظام نقاط التفتيش الحدودية بعد تفاقم أعداد المهاجرين غير الشرعيين، وخاصة من دول شمال أفريقيا عقب التطورات التي تعرفها المنطقة.
ففي التاسع من مايو (أيار) الجاري احتفل التكتل الأوروبي الموحد بما يسمى بـ«يوم أوروبا»، إحياء لذكرى إلقاء روبرت شومان إعلانا في التاسع من مايو (أيار) عام 1950، «إعلان شومان»، وكان بمثابة الخطوة الأولى لتأسيس ما يعرف الآن باسم الاتحاد الأوروبي وهو وثيقة أرست أساسا لتوحيد صناعتي الحديد والفحم لكل من فرنسا وألمانيا. وهكذا نشأ أول اتحاد أوروبي.
وفي سنة 2008 اتخذ قرار بشأن الاحتفال بيوم علم الاتحاد الأوروبي في 9 مايو من كل عام. كانت أوروبا قد عرفت بعد خمس سنوات من الحرب العالمية الثانية نزاعا بشأن الفحم والصلب، ودعا شومان إلى إنشاء مؤسسة أوروبية تتخطى الحدود الوطنية. وكانت الدعوة جريئة في وقتها لأنها شملت ألمانيا وفرنسا وكانا يواجهان خطر العودة من جديد إلى القتال بسبب الفحم والصلب، بعد دمار لحقا بهما من جراء الحرب العالمية. وكانت تلك الدعوة بمثابة الخطوة الأولى على طريق السوق الأوروبية المشتركة ثم الاتحاد الأوروبي الحالي، الذي أصبح يضم 27 دولة، وما يقرب من نصف مليار نسمة.
وبالتزامن مع احتفالات العام الجاري، اتخذ الاتحاد الأوروبي قرارا يتيح للدول الأعضاء إعادة العمل بإجراءات ضبط الحدود مع الدول الأوروبية الأخرى في حال تعرض هذه الدول لموجات هجرة يصعب عليها التحكم بها. وبينما تعهد وزراء داخلية دول الاتحاد في اجتماع عقدوه في مقر الاتحاد بالعاصمة البلجيكية بروكسل بالمحافظة على اتفاقية شينغن التي تتيح السفر الحر عبر معظم دول الاتحاد باعتبارها واحدة من أعظم الإنجازات الأوروبية، فإنهم استجابوا أيضا للمخاوف الشعبوية من أن تؤدي الاضطرابات التي تشهدها منطقة شمال أفريقيا إلى نزوح جماعي من هذه المنطقة باتجاه الدول الأوروبية.
وقال وزير الداخلية المجري بهذا الصدد: «هناك موقف واضح عبر عنه كل الوزراء المشاركين في الاجتماع ملخصه أن حرية انتقال المواطنين تعتبر أحد أهم إنجازات الاتحاد الأوروبي وعلينا المحافظة على هذا الإنجاز». ولكن معظم الوزراء أيدوا في ذات الوقت خطة وضعتها المفوضية الأوروبية تتيح إعادة العمل بإجراءات ضبط الحدود كإجراء استثنائي أخير في حالة حدوث ارتفاع مفاجئ في عدد المهاجرين، أو في حال فشلت دولة من دول الاتحاد في ضبط حدودها مع الدول من غير الأعضاء في الاتحاد. وقد أيدت الإجراء الجديد 15 من دول الاتحاد الـ27، بينما عبرت قبرص عن معارضتها الشديدة وتحفظت بلجيكا ومالطا وإسبانيا.
وكانت الدنمارك قد أثارت غضب دول الاتحاد بقرارها إعادة العمل بالإجراءات الحدودية مع ألمانيا والسويد بشكل دائم في الأسابيع المقبلة. وعبرت المفوضية الأوروبية عن «شكوك جدية» حول مدى تماشي القرار الدنماركي مع القوانين الأوروبية والدولية. وعبرت المفوضية الأوروبية عن قناعتها بأن قرار الدنمارك إجراء عمليات تفتيش على الحدود مع باقي البلدان الأوروبية، سيشكل فيما لو طبق فعلا، انتهاكا واضحا لتعهدات الدنمارك بشأن السوق الأوروبية المشتركة وحرية تنقل الأفراد والبضائع. واستندت المفوضية في تقييمها هذا على رأي قانوني أولي قدم لها حول القرار الدانمركي، حيث أبلغ رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو، رئيس الوزراء الدنماركي برأيه في الموضوع حسب ما ذكرت بيا هنانسن الناطقة باسم المفوضية وأوضحت أن باروسو قام بصياغة رأيه كتابيا وأرسله إلى المسؤولين في الدانمرك. وأضافت: «على الرغم من تأكيد الدانمرك أن إجراءاتها تهدف لمحاربة عمليات التهرب الضريبي والاتجار غير المشروع، فإننا نعتقد أن القيام بعمليات تفتيش دائمة ودورية على الحدود بين دولة أوروبية وأخرى يشكل انتهاكا واضحا لاتفاقية شينغن التي تنص على حرية حركة البضائع والأشخاص داخل الدول الأعضاء»، حسب كلام الناطقة.
وأعدت المفوضية الأوروبية ببروكسل بصفتها الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، على الشكل النهائي وثيقة، تتضمن مقترحات جديدة تهدف إلى تعميق التعاون داخل دول حيز «شينغن»، وتجنب أن تضطر دولة تتعرض لموجات من المهاجرين إلى التصرف بمفردها حيال الأمر.
وبحسب ما أعلن المتحدث باسم المفوضية باتريزيو فيوريلي فإن «النقطة الأساسية هي تحسين مستوى التعاون بين الدول الأعضاء» وتلافي قيام دولة باتخاذ خطوات منفردة. وأضاف أن الهدف النهائي للاتصالات التي تجريها بروكسل حاليا هو تحسين الأداء في دول شينغن اعتمادا على الخبرة التي تم اكتسابها على مدار 20 عاما ويثير تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين من شمال أفريقيا منذ بداية العام الجاري نتيجة المستجدات الإقليمية جدلا واسعا داخل الاتحاد الأوروبي، ليس بشأن التعامل مع موجات تدفق النازحين فحسب، بل بشأن إعادة هندسة مجمل الضوابط الأمنية المتعامل بها داخل منطقة شينغن من جهة والاتفاق على آليات جديدة لدعم استقرار منطقة شمال أفريقيا عبر تكريس أموال إضافية لحث السكان على الاستقرار محليا من جهة أخرى.
وتندرج غالبية التحركات الأوروبية الحالية بمبادرة من الحكومة الفرنسية التي تتهم إيطاليا بالقيام بشكل متعمد على حث المهاجرين الذين يصلون إليها على التوجه نحو الأراضي الفرنسية. وقال الرئيس الفرنسي ساركوزي إن باريس تريد الإبقاء على التعامل وفق البنود المنظمة لفضاء شينغن ولكن في إطار دولة المؤسسات والقانون. وأقر رئيس الوزراء الإيطالي من جهته بأن الظروف الاستثنائية الحالية تحتم مراجعة استثنائية للتعامل باتفاقية شينغن. وتنظم الاتفاقية حركة التنقل والسفر داخل فضاء أمني مشترك يجمع حاليا 24 دولة أوروبية من بينها ثلاث غير منتمية للاتحاد الأوروبي وهي سويسرا والنرويج وليشنشتاين.
ولا تنتمي المملكة المتحدة والدنمارك وآيرلندا طوعيا للاتفاقية التي لا تنتمي إليها كذلك كل من رومانيا وبلغاريا بسبب معارضة فرنسا. والتخوف الفرنسي - الإيطالي من تزايد أعداد المهاجرين كان العنوان الأساسي لرسالة مشتركة وُجهت بهذا الشأن إلى المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي، فيما تتواصل معاناة المهاجرين على حدود البلدين. روما منحتهم تذكرة مجانية للعبور إلى فرنسا، وفرنسا ترفضهم وتطردهم من حيث أتوا. وكان أكثر من 20 ألف مهاجر غير شرعي وصلوا إلى الاتحاد الأوروبي عبر جزيرة لامبيدوزا الإيطالية منذ اندلاع الثورة التونسية وانفجار الوضع في ليبيا، غالبيتهم من التونسيين، إضافة إلى أفارقة من جنوب الصحراء الكبرى.
ويقول المتحدث باسم المفوضية الأوروبية أوليفيه باييه، إن المفوضية تعمل من أجل تدعيم عمليات مراقبة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وكيفية إجراء عمليات تفتيش ضرورية في الحدود الداخلية. ويضيف: «نحتاج إلى جعل قواعد ومواد اتفاقية شينغن واضحة تماما للجميع، خاصة عندما يتم الحديث عن الحدود الداخلية». ويوضح المتحدث أن قواعد منطقة شينغن تنص على إمكانية القيام بعمليات تفتيش على الحدود بين دولة أوروبية وأخرى، أي ضمن الحدود الداخلية للاتحاد، فـ«ما حدث في حالة الخلاف الفرنسي - الإيطالي بشأن المهاجرين التونسيين ناتج عن اختلاف في تأويل النصوص القانونية». ويلفت إلى أن الحديث عن «توضيح» مواد معاهدة شينغن، لا يشكل إلا جزءا يسيرا من العمل المطلوب القيام به من أجل تعزيز عمليات ضبط الحدود الخارجية للاتحاد وإدارة مسألة التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء بروح من التضامن بين الدول الأعضاء في الاتحاد من جهة والتعاون مع دول الجوار من جهة أخرى.
ويلمح المتحدث إلى أن الاتحاد الأوروبي يركز على ضرورة أن تقوم الدول المجاورة لحدود بتوقيع اتفاقيات إعادة قبول المهاجرين غير الشرعيين من أجل الحصول على مساعدات اقتصادية ومساندة سياسية، وهنا «نشدد على ضرورة أن تتعاون دول الجنوب، خاصة شمال أفريقيا، من أجل ضبط حدودها والاستفادة من خبراتنا التنموية من أجل ردع الهجرة لدى مواطنيها»، ونفى المتحدث إمكانية أن يقوم أي بلد عضو في الاتحاد الأوروبي بالانسحاب من منطقة شينغن، إذ إن الأمر يقتضي انسحاب الدولة المعنية من الاتحاد الأوروبي و«هذا أمر غير وارد».
وتقول المجر التي ترأس الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، إنها تعتقد، شأنها في ذلك شأن باقي الدول الأوروبية، أن الإجراءات الدانمركية تحترم القواعد الأوروبية المعمول بها بشأن حرية حركة البضائع والأشخاص وتهدف إلى محاربة الجريمة المنظمة، ما يعكس عمق الخلاف بين مؤسسات الاتحاد ودوله في مقاربة الالتزامات الأوروبية.
أما بشأن عمليات التفتيش الممكنة، بحسب اتفاقية شينغن، فأشارت المتحدثة باسم المفوضية أن الأمر يجب أن يتم ضمن «ظروف استثنائية» من قبل حدوث أمور من شأنها تحديد الأمن والنظام في البلاد في دولة ما. وقالت: «يجب على الدولة المعنية أن تعلم المفوضية مسبقا بماهية الإجراءات التي تنوي اتخاذها، أما في حال وجود تهديد إرهابي، فيمكن اتخاذ الإجراءات فورا». وشددت المفوضية على أن أي إجراء للتفتيش ومراقبة الحدود الداخلية يجب أن يكون قصير الأجل وغير دوري هذا وتتجنب المفوضية الأوروبية الرد على ادعاءات مفادها أن اتفاقية شينغن قد ساهمت في خلق مشكلات أوروبية جديدة تتعلق بتسهيل حركة المهربين والمجرمين والمهاجرين غير الشرعيين.
ودعا الاتحاد الأوروبي الدنمارك إلى الإحجام عن اتخاذ خطوات أحادية الجانب على خلفية قرار بإعادة فرض إجراءات رقابية على حدودها داخل منطقة شينغن التي تزيل الحواجز بين الدول. وحذرت المفوضية الأوروبية وهي الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي الدنمارك من عواقب التدابير التي أقرتها بعد اتفاق بين الحكومة وحزب الشعب الدنماركي اليميني. وقالت مفوضة الشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي سيسيليا مالمستروم في بيان: «إنني قلقة من إعلان الحكومة الدنماركية الذي يهدف إلى تعزيز إجراءات مراقبة الحدود داخل الاتحاد الأوروبي من خلال فرض رقابة جمركية دائمة على جميع الحدود الدنماركية».
ودعت الحكومة الدنماركية إلى الامتناع عن اتخاذ خطوات أحادية الجانب والتأكد من توافق أي تدابير تتخذها مع القوانين ذات الصلة. وأكدت أن «المفوضية مستعدة لمواصلة الحوار مع الدنمارك لكنها ستلجأ إلى الأدوات المتاحة لضمان احترام قوانين الاتحاد الأوروبي إذا لزم الأمر». وحذر وزير الخارجية ونائب المستشارة الألماني الاتحادي غويدو فيسترفيلله الحكومة الدنماركية من تعليق تطبيق اتفاقية شينغن.
واعتبر رئيس الدبلوماسية الألمانية أن اتفاقية شينغن «من الإنجازات العظيمة للوحدة الأوروبية». وكان المستشار الألماني الأسبق هيلموت كول والرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران الأسبق مبتكري مفهوم الانتقال الحر داخل إطار الاتحاد الأوروبي وهو المفهوم الذي مثل حجر الزاوية في بناء أوروبا الموحدة. وبذلك بدأت شينغن بخمس دول فقط عام ستة وثمانين ورفعت نقاط التفتيش من على حدودها.
وكانت سويسرا انضمت إلى شينغن في ديسمبر (كانون الأول) 2008، بينما في الحادي والعشرين من شهر ديسمبر 2007، أصبحت حدود الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والتي وقعت على اتفاقية شينغن مفتوحة دون قيود أمام حرية التنقل والحركة لرعايا 9 دول جديدة في الاتحاد حصلت على العضوية في التكتل الأوروبي منتصف عام 2004.
وجاءت الموافقة على توسيع منطقة شينغن الأوروبية، المعروفة بحرية الحركة فيها بدون جوازات ولا حدود ولا نقاط تفتيش، لتشمل 9 دول جديدة، بعد أن توفرت الشروط المطلوبة في تلك الدول وهي بولندا والمجر والتشيك وسلوفاكيا وايستلاند وليتلاند وليتوانيا وسلوفينيا ومالطا.
وتضمن القرار الأوروبي في ذلك الوقت، ضرورة أن تظهر الدول الجديدة قدرتها على حماية حدود الاتحاد الأوروبي، وأن يكون هناك مراقبة وتقييم من دول الاتحاد الأوروبي حول مدى قدرة الدول الجدد على القيام بهذا العمل. واعتبارا من الخامس من أبريل (نيسان) 2010 دخلت الإجراءات الجديدة التي أقرتها أوروبا بشأن التأشيرات، حيز التنفيذ.
والنظام الجديد يسمح بمنح تأشيرة دخول قصيرة لمدة تسعين يوما إقامة في منطقة شينغن، ضمن تأشيرة ممنوحة من ستة أشهر. كما يدخل النظام الجديد مجموعة أخرى من التدابير جاءت على لسان الناطق باسم المفوضية ميشيل كارسوني وقال: «بدأ العمل لأول مرة بمواعيد نهائية واضحة بخصوص طلب التأشيرة والجواب النهائي، من أجل ضمان تطبيق الدول الأعضاء لنفس فترة معالجة الطلبات. وينص قانون التأشيرة أيضا على إدخال مهلة أقصاها أسبوعان للحصول على موعد لبدء المسار، وكذلك وضع حد أقصى بخمسة عشر يوما للدول الأعضاء لتتخذ قرارها النهائي بخصوص كل طلب تأشيرة».
ومنذ فترة تحتفل الدول الأوروبية بذكرى التوقيع على «اتفاقية شينغن»، تلك الاتفاقية التي أزالت الحدود بين 12 دولة أوروبية بالكامل. ففي 26 مارس (آذار) 2005 قامت كل من ألمانيا، بلجيكا، الدنمارك، فنلندا، فرنسا، اليونان، آيسلندا، إيطاليا، لكسمبورغ، هولندا، النرويج، النمسا، البرتغال، السويد وإسبانيا بالتوقيع على معاهدة تسمح لمواطني هذه الدول والمقيمين فيها من الأجانب بالسفر منها واليها دون قيد أو شرط. وتعرف هذه الاتفاقية بهذا الاسم نسبة إلى بلدة شينغن التي وُقَعت فيها المعاهدة في لكسمبورغ.
وكانت هذه الفكرة قد ولدت في أواسط الثمانينات عندما قامت ألمانيا وفرنسا ودول البينولوكس (هولندا، بلجيكا، لكسومبورغ) بالتوقيع على معاهدة أطلق عليها آنذاك «شينغن» وتم الاتفاق فيها على سياسات أمنية مشتركة وعلى إزالة الحدود بينها بشكل تدريجي، إلا أنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا في مارس 2005، ويشير البعض إليها بـ«شينغن 2» وذلك لتميزها عن «شينغن1» الموقعة عام 1985. وأصبحت بلدة شينغن، تلك البلدة الصغيرة التي لا يزيد عدد سكانها على 400 نسمة، مزارا للسياح من جميع أنحاء القارة الأوروبية. وتكتسب هذه البلدة أهمية كبيرة بالنسبة للمواطنين والسياسيين الأوروبيين وذلك كونها المكان التي غرست فيه بذرة أوروبا الحديثة بالشكل الذي نعرفه اليوم. ولا يخفي أهل البلدة بالطبع سعادتهم الغامرة باختيار بلدتهم التي ربما لم يسمع بها أحد من قبل غيرهم، لتكون مسرحا لواحد من أهم الأحداث في تاريخ القارة الأوروبية، على الرغم من اعتبارهم أن اختيار شينغن لم يخرج عن كونه صدفة.
أما من الناحية السياسية فإن السبب الرئيسي في اختيار هذه البلدة الواقعة على ضفاف نهر الموزل وقتها فقد كان البحث عن نقطة تقاطع بين كل من فرنسا، ألمانيا، هولندا، لكسمبورغ وبلجيكا، وبما أن لكسمبورغ كانت آنذاك الرئيس الدوري لمجلس الاتحاد الأوروبي، وقع الاختيار على إحدى بلداتها. واليوم أصبحت هذه البلدة الصغيرة رمزا للهوية الأوروبية الموحدة، فالمسافر بين الدول الموقعة على الاتفاقية لا يحتاج لإبراز أي أوراق ثبوتيه، الأمر الذي يمنحه شعورا بالانتماء إلى كل أوروبا وليس فقط لبلده الأصلي.
ولا يخفي المسؤولون الأوروبيون تخوفاتهم الأمنية الناتجة عن فتح الحدود بهذا الشكل بين عدد كبير من الدول. ومن هنا كانت الحاجة ماسة لتطوير نظام معلومات مركزي يُمكن الدول الأعضاء من تبادل المعلومات الأمنية بينها. فولكر املر من قسم مراقبة الحدود في فرانكفورت/أودر يقول في هذا السياق: «إن نظام الحاسوب هذا يحوي على معلومات خاصة بالمجرمين، كذلك على أسماء الأشخاص الذين لا يسمح لهم بعبور الحدود الأوروبية أو الخروج منها، يضاف إلى ذلك احتواؤه على كم كبير من المعلومات المتعلقة بعمليات سرقة السيارات والأوراق والأموال وغيرها».
الجدير ذكره أيضا أن الاتحاد الأوروبي عمل في الآونة الأخيرة إلى بناء «نظام شينغن المعلوماتي 2» والذي من المفترض أن يحوي على أكبر كم من المعلومات التي من شأنها مواكبة توسع الاتحاد الأوروبي الذي وصل عدد أعضائه إلى 27 بلدا الآن. وعلى الرغم من التعاون الأمني وتبادل المعلومات المتعلقة بالمجرمين داخل أوروبا، فإن عددا من السياسيين في بروكسل يقرون بـأن هذه الاتفاقية منحت مرتكبي الجرائم والجنح حرية تنقل أكبر داخل دول الاتحاد، خاصة في ظل اقتصار التعاون الأمني على الحدود بين عدد قليل من الدول الأوروبية. أما المواطن الأوروبي العادي فيرى في حرية التنقل بين دول الاتحاد تقدما كبيرا على صعيد الحريات الشخصية، كما جعل ذلك من ساعات الانتظار الطويلة على المعابر الحدودية بين تفحص الأوراق الثبوتية والحقائب وكذلك الجمارك ليس أكثر من ذكرى قديمة يشار إليها في كتب التاريخ فقط.
20-05-2011
المصدر/ جريدة الشرق الأوسط