باتت المدارس الإسبانية في المغرب تعرف إقبالا استثنائيا، بحيث ارتفع الطلب على التسجيل فيها بنسبة 200 في المائة عن إمكانياتها الاستيعابية. وتحتل اللغة الإسبانية - أو لغة «سرفانتيس» كما تسمى هنا - مكانة مهمة في الخريطة اللغوية في المغرب، إذ تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 10 في المائة من المغاربة يتحدثون بها، خصوصا أن عدة أجزاء من المغرب كانت محتلة من إسبانيا. والمغرب هو ثاني دولة في العالم من حيث عدد المعاهد والمدارس الإسبانية، حيث تلعب المراكز الثقافية - إضافة إلى المدارس الابتدائية والثانوية - دورا مهما في نشر اللغة الإسبانية.
وتوضح إدارة التعليم التي تعمل تحت إشراف السفارة الإسبانية في الرباط أن عدد مراكز التعليم وصلت هذه السنة إلى 11 مركزا في مختلف المدن المغربية. وتشرف هذه المراكز على 351 مدرسة، ويدرس بها 4735 طالبا، 80 في المائة منهم مغاربة. وبالإضافة إلى المعاهد الإسبانية والمراكز الثقافية، توجد في بعض الجامعات المغربية أقسام خاصة بشعبة الدراسات الإسبانية، ويسجل في هذه الشعبة مئات الطلبة سنويا.
تقول بيلار بلانكو باريلا، مسؤولة التعليم في السفارة الإسبانية في الرباط، لـ«الشرق الأوسط» إن اهتمام المغاربة بالنظام التربوي وباللغة الإسبانية يتبين من خلال الإقبال المتزايد على التعليم في المدارس الإسبانية، مشيرة إلى أن اللغة الإسبانية تمثل الماضي والتاريخ والثقافة المشتركة بين الضفتين، وتعتبر جسرا للعبور إلى أوروبا وأميركا اللاتينية.
وتضيف باريلا: «يحرص النظام التربوي الإسباني على توفير جودة عالية على مستوى التعليم وتلقين القيم، وهذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل الآباء المغاربة يفضلون تسجيل أبنائهم في المدارس الإسبانية»، مؤكدة في ذات الوقت: «نولي اهتماما كبيرا باللغة العربية لتمكين التلاميذ من الاندماج في مجتمعهم، على الرغم من تلقيهم لنظام تربوي مختلف».
وتتعدد أسباب إقبال المغاربة على تعلم اللغة الإسبانية، التي صارت تكتسب أهمية متزايدة على المستوى العالمي، حيث تعتبر اللغة الثانية في أميركا مثلا، إلى جانب انتشار استعمالها في المناطق الشمالية والجنوبية للبلاد، إضافة إلى وجود نحو مليون مغربي مقيم بإسبانيا. يقول هشام رشدي إنه تعمد إدخال أبنائه إلى المدرسة الإسبانية لأنها «تتبع منهجية تربوية محترمة جدا ومتطورة وذات جودة عالية، تعتمد على الفهم وليس على الحفظ، كما هو الشأن بالنسبة للنظام التعليمي المغربي. وهي تعتمد على الأنشطة الموازية وتحرص على المتابعة». وتلفت باريلا إلى أن التتويج الحقيقي الذي يوفره النظام التعليمي الإسباني هو إمكانية متابعة الطلاب المغاربة لدراستهم الجامعية في إسبانيا دون أية مشكلات.
ويرى محمد الصالحي، وهو أستاذ جامعي، أن المغاربة عموما يفضلون حصول أبنائهم على شهادات عليا من خارج الوطن، نظرا لمصداقيتها وقيمتها العلمية. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن بعض المؤسسات التعليمة الأخرى، مثل المدارس الفرنسية، ضيقت الخناق على الطلبة بمنع حصولهم على منح للدراسة الجامعية، وإصدار قرارات تعقد إمكانية متابعتهم الدراسة في فرنسا، وهذا يعتبر من الأسباب التي جعلت بعض المغاربة يبحثون عن مؤسسات تعليمية أخرى، إضافة إلى موضوع العامل الجغرافي، لكون إسبانيا أقرب دولة أوروبية إلى المغرب.
لكن محسن ديفيلي، الذي يعمل مدرسا للغة الإسبانية في إحدى الثانويات في مدينة الدار البيضاء، يرى أن الإقبال على الجامعات الإسبانية قد يعرف تراجعا بسبب الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإسبانية في الفترة الأخيرة، بعد تضررها من الأزمة الاقتصادية العالمية، إذ إنها قررت فجأة رفع رسوم الدراسة، خصوصا على المستوى ما بعد الليسانس، وهو ما سيؤدي إلى عزوف الطلاب عن الدراسة في الجامعات الإسبانية. وانتقد ديفيلي ما سماه بـ«إلزامية اللغة»، حيث إنه في المرحلة الإعدادية يتم تقسيم التلاميذ إلى قسم إنجليزي وقسم إسباني لضمان التوازن في الأقسام، وهو ما يستنكره بعض التلاميذ الذين يدرسهم.
من جهتها، تقول حياة السعدي، التي درست اللغة الإسبانية في مرحلتي الثانوي والجامعة، لـ«الشرق الوسط»: «تعلم الإسبانية ودراستها لم يكن منذ البداية هو اختياري، ولكني وجدت نفسي في قسم اللغة الإسبانية. وبعد حضوري لأول حصة أعجبت باللغة وبطريقة نطقها، وقررت حينها متابعة دراستي لها»، في حين تقول سكينة السوسي إنها كانت تحب اللغة الإسبانية من قبل، وإنها كانت تنوي متابعة دراستها في إسبانيا لتتخصص في شعبة الترجمة. وهي الآن حاصلة على الماجستير من جامعة مالقا الإسبانية، وتنوي متابعة دراستها للحصول على الدكتوراه في مجال تخصصها.
12-02-2013
المصدر/ جريدة الشرق الأوسط