لا توحي لك أجواء الصيف والعطلة والكم الهائل من السياح الذين يتوافدون على مدريد في هذه الفترة أن شهر رمضان قد حل قبل أيام، وأن مسلمي العاصمة الإسبانية يمسكون عما لذ وطاب من ملذات الدنيا لأزيد من 17 ساعة في اليوم.
لكن ما إن تطأ قدماك بيتا مسلما، ولا سيما بيوت الجالية المغربية المقيمة بهذه المدينة، حتى يخيل إليك وكأنك في البلد الأم، فكل تقاليد وعادات المسلمين خلال هذا الشهر الفضيل تستحضر بهذه المناسبة بدءا من الشعائر الدينية التي يحرص الكثيرون على أدائها بشكل منتظم، وموائد الإفطار التي تزين بأشهى المأكولات والحلويات.
ويبدأ الاستعداد لاستقبال الشهر الكريم أياما قبل حلوله، فالأسر المغربية المقيمة بإسبانيا، وبمدينة مدريد على وجه الخصوص، تتهيأ في احتفالية تؤثثها عادات وتقاليد المغرب الضاربة في القدم، لاستقبال "سيدنا رمضان" محاولة، قدر المستطاع، إضفاء أجواء مشابهة لتلك التي يعيشها الأهل بالمغرب.
تتبضع الأسر ما يلزمها من توابل ومستلزمات لتحضير الحلويات، وما تحتاجه من أواني منزلية، من المحلات المغربية المنتشرة بكل أرجاء العاصمة الإسبانية، مما يخلق انتعاشا لدى أصحابها في هذا البلد، حيث لا زالت الأزمة الاقتصادية تلقي بضلالها، خاصة على الجاليات الأجنبية المقيمة هنا.
وطقوس رمضان المغربية بمدريد لا تختلف عن غيرها في باقي مدن إسبانيا، حيث يقيم نحو مليون مغربي، الذين يبدؤون إفطارهم، بعد أداء صلاة المغرب، بالتمر والحليب، ثم الأطباق والوجبات التقليدية من "حريرة" و"شباكية" و"ملاوي" و"السفوف" وغيرها.
مواد وأطعمة وحلويات خاصة بهذه المناسبة، إن لم تهيأ في المنزل، فإن التجار المغاربة والعرب، عموما، يحرصون على توفيرها، خلال هذا الشهر الفضيل، لتلبية طلبات الجاليات من كل البلدان الإسلامية، من الخليج إلى المحيط، بمدينة مدريد وغيرها من مدن هذا البلد الإيبيري.
ولعل ما يجمع بين مسلمي مدريد، وإسبانيا عموما، بالإضافة إلى الصوم، ترددهم على المساجد، البالغ عددها في هذا البلد، الذي يعد بوابة الإسلام في أوربا، نحو 300 مسجد ومصلى، وأكبرها يوجد في العاصمة مدريد وهو المركز الإسلامي الثقافي، المعروف اختصارا بمسجد "إمي ترينتا".
وتسهم الجمعيات الإسلامية بدورها في تنشيط أماسي المسلمين خلال هذا الشهر الفضيل، التي تتوزع بين أداء الشعائر الدينية والإقبال على الدروس والمحاضرات التي يلقيها أئمة ووعاظ بينهم مغاربة جاؤوا لتأطير الجالية المسلمة في الحقل الديني.
ويقوم بعضها بتنظيم برامج خاصة من قبيل الإفطارات الجماعية التي يؤمها المسلمون وغير المسلمين، مشكلة بذلك فسحة للتلاقي والتحاور والتعايش والتعرف على شعائر الدين الإسلامي بالنسبة لغير المسلمين، ومحاضرات ومؤتمرات تعالج قضايا الجاليات الإسلامية في المهجر.
وتبقى ميزة شهر رمضان لهذه السنة، كما سابقتها، هي صعوبة الإمساك بالنسبة لعدد من المسلمين خلال أيام الصيف الحارة، لاسيما كبار السن منهم، فدرجات الحرارة تجاوزت في بعض مناطق إسبانيا الأربعين درجة، كما هو الحال في العاصمة مدريد.
ومجمل القول فإن لرمضان بمدريد، وفي غيرها من المدن التي لازالت الآثار الأندلسية شاهدة فيها على الحضارة الإسلامية، نكهة خاصة، فهو لحظة تجمع بين الديني والإنساني، وبين الخلوة والمجالسة، وبين الأخذ والعطاء، شهر لصلة الرحم بين مغاربة هذا البلد، وإن كان بعضهم يفضل قضاءه في المغرب.
عن وكالة المغرب العربي للأنباء