على مسرح مدينة ستوكهولم تعرض مسرحية "الخوف يضعف الروح" تأليف الكاتب الالماني راينر فاسبندر إخراج المخرجة والممثلة نادية ويس والمخرجة ناديا فايس هي ابنة الكاتب الالماني بيتر فايس والذي لجأ الى السويد ومات في ستوكهولم سنة 1982.
تناقش المسرحية قضية التعصب والفاشية الجديدة والعنصرية في بلدان التحضر والتي تنظر الى الاجانب بنظرة دونية واعتبارهم من الطبقة الثالثة وخارج المجتمع الغربي. ومسرحية الخوف يضعف الروح مسرحية القضية الاجتماعية والسياسية وهي قضية الساعة والجروح المتخنة وأحدْ أمراض الساعة المزمنة وصعود الاحزاب العنصرية الجديدة تحت يافطة الديمقراطية ودخولها الى البرلمان الاوروبي.
يتمتع عرض مسرحية "الخوف يضعف الروح" بقدر كبير من جماليات العرض المسرحي على مستوى الاخراج والتمثيل والسينوغرافيا والفكر السياسي والاجتماعي الذي يتناول مثل هكذا موضوعات وتيمات حيت تلتقي عاملة النظافة إيمي عن طريق الصدفة بشاب مغربي مهاجر إسمه علي.
تدور الاحداث في ليلة ممطرة، ايمي في الطريق الى البيت كل يوم تمشي في هذا الشارع ولكن اليوم كانت مجبرة على دخول البار الليلي بسبب المطر تجلس على أحد الكراسي تطلب قنينة مشروبات غازية الشاب المغربي علي يدفع الحساب يبادلها التحية وايمي امرأة مسنة تشعر بالوحدة وإذا بها تجد كل العطف والحنان والذي فقدته من زمان ويتبادلان الكلام الجميل وحديث الحب وتطلب منه ان يرافقها الى البيت والنوم في بيتها.
سبق لهذه الحكاية ان تحولت الى فلم سينمائي سنة ١٩٧٤ ومن إخراج راينر فاسبندر وقد تحولت الى مسرحية ومن اخراج نادية فايس.
خشبة المسرح عبارة عن كراسي ومقاعد للممثلين في مواجهة الجمهور ربما تعكس وجهة نظر الجمهور والمسرحية ذات محتوى ومشاهد من الكوميديا السوداء ممزوجة بمسحة الحزن ويبقى الجو الرمادي المعتم ربما يذكرنا بأجواء الحرب وجميع الشخصيات في حالة ذعر وخوف من الحياة والمصير المجهول وضياع العواطف وسط ضبابية العقول.
وللمسرحية نكهة الميلودراما والخوف الذي يؤدي الى تأكل الروح وضياع العقل والمشاعر والعواطف ففي بداية دخولنا الى صالة العرض المسرح ممتلئ بالكراسي والممثلين والممثلات يجلسون على الكراسي أمامنا اصبح احدنا في مواجهة الاخر ربما الجميع يمارس طقوس اللعبة نحن وهم وكل الازياء موجودة على زوايا خشبة المسرح الجميع يخلع ويرتدي ملابسه أمام الجمهور اما الشغل مع الكراسي فهي تشكل البيت او الشارع أو سرير النوم والمحلات وكل التمثيل يحصل مابين الكراسي والسيدة ايمي مع اصطحابها علي المغربي المهاجر الى بيتها تعطيه ملابس النوم ويحصل مابينهما ما لا يمكن الفرار منه قصة حب ويتفقان على الزواج ولكن زواجهم يواجه بالرفض من قبل اولاد ايمي وكذلك رفض المجتمع والناس وكذلك زميلات العمل ويصبحان تحث مراقبة المجتمع.
ورفض هذه العلاقة ويفرض الحصار عليهما وحتى المحلات والمطاعم ترفض استقبالهم كيف ينموا الحب المرفوض في مجتمع أكلته حقد العنصرية وصاحب المتجر يرفض بيع المواد الغدائية الى علي وكذلك عاملات التنظيف يقاطعن ايمي لزواجها من علي.
وفي ظل هذا المجتمع والجو الموبوء تبقى مسرحية "الخوف يضعف الروح" تعكس صورة الكراهية والعنصرية ومعاداة الاجانب وفي الختام لن يتحمل علي هذا الضيق يهرب ولكنه يصاب بمرض القرحة بسبب الاعمال الشاقة في المصانع ولكن تبقى الحبيبة والزوجة إيمي تحتضنه وتقف الى جانبه.
تيمة السرحية مبدأ التسامح وقبول الاخر
اختيار المخرجة ناديا فايس لمسرحية "الخوف يضعف الروح" فهي مناسبة لما يحصل في اوروبا وفي السويد من صعود أحزاب عنصرية ويمينية تتخد من الديمقراطية شعارآ براقآ ومن الازمات المالية سببآ وفوبيا العداء والهجوم على الاجانب وتفاقم ازمات توفير فرص العمل والازمات الاقتصادية تصب جم غضبها على الاجانب والمهاجرين وتعتبرهم مغتصبي فرص العمل من ابن البلد الشرعي وكذلك يلعب اللون والجنس والعنصر دون النظر لأي اعتبارات انسانية بسبب نظام الاقتصاد والمال والكراهية تنموا.
كيف للمسرح والفنون بشكل عام ان تلعب دورا إيجابيا في عرض الصورة الحقيقية لذلك الاخر المقصود به المهاجرين؟ المسرح هو فن العرض الحي والتفاعل المتبادل مع الجمهور فهو القادر على تحقيق الحوار المتكافئ والمتسامح الذي نحتاجه ويحتاجه المجتمع العالمي وليس المجتمع السويدي فقط إذآ يصبح على عاتق المسرح السويدي الان ولاسيما المسارح الحكومية والمسارح الخاصة وبالتعاون مع فنانين من أصول مهاجرة لكي نعيد صورة الاخر وتجسيدها بصدق وبوعي كامل وبدون وتجاوز الوصفات الجاهزة والانماط التجارية وابراز الصورة الايجابية وتجسيدها بصدق وتجاوز القوالب الجامدة.
وتبقى أهمية رسالة المسرح تعميق الوعي المشترك لفهم الثقافات المغايرة وخلق استراتيجيات ثقافية وسياسية ولغرض إقامة نسق جديد من العلاقات والقيمْ قائم على الفهم واحترام الاختلاف والتركيز على مبدأ التسامح وقبول الاخر وتبقى مثل هكذا مسرحيات.
"الخوف يضعف الروح" محكومة بالسوق وخاضعة لشفرات الفكر والتيمة والعرض والقدرة على التغيير، عندما نتوقف أمام مساحة الكوميديا السوداء في مسرحية الخوف يضعف الروح نشعر ان الضحك لا يأتي مفتعلا لكن الممثل علي ينتزع البسمة عنوة من شفاه المتلقي وبدون إسفاف أو ابتذال.
فالمسرحية تعالج قضية مصيرية هامة نعيشها نحن في السويد وفي كل اوروبا و ربما في استراليا وأمريكا وقد كانت المخرجة نادية فايس موفقة في إثارة الدهشة والصدمة والخروج عن الاطر التقليدية وخلقت التواصل مابين مايقدم ويعرض والمتلقي وبسبب عنصري الدهشة والصدمة كان المتلقي حاضر بعقله وإستخدام مكونات العرض المسرحي بشكل دقيق ومنظم مثل الموسيقى والاضاءة والكلمة المنطوقة كلها رسمت التواصل والمخرج الجيد هو من يحترم عقل ووعي المتلقي واحترام هويتنا الثقافية وإعادة الروح تبقى مهمة الفنان ان يجسد العالم ويبعث فيه الروح والنبض والحياة او يقدم رأيه المسبق وهي مهمة ليست يسيرة علينا ان نمتلك الخبرة والثقافة والوعي الناضج وإذا تأملنا هذا العالم في مسرحية الخوف يضعفْ الروح نجده ينقسم الى عالمين عالم منغلق على نفسه ويمارس ابشع انواع العنصرية ورفض الاخر بسبب اللون او الجنس . أما تجسيد الادوار والحديث عن التمثيل في مسرحية الخوف يضعف الروح ربما نجد الممثلين والممثلات فهموا أدوارهم فشخصية علي والتي جسدها الممثل باشكيم نزيراج شخص بسيط ولطيف المعشر ممثل هادئ وغير منفعل حركاته رصينة على خشبة المسرح اعطى صورة جميلة عن الاخر وهو يجسد دوره بكل كفاءة ويمتلك القدرة على التلوين وكان حضوره قوي والقدرة على التعبير واما الممثلة مولين إك والتي جسدت شخصية الزوجة إيمي وبكل مهارة وقدرة فائقة استوعبت دورها كونها امرأة بسيطة ومتواضعة وقنوعة وصادقة في فهم الاخرين والتعايش معهم بدون شروط الرفض والاستعلاء
عصمان فارس مخرج وناقد مسرحي ستوكهولم