قال عبد الواحد أﯖمير، مدير مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، وأستاذ التعليم العالي بكلّية الآداب بالرباط، إنَّ النموذج الفرنسي في إدماج المهاجرين، القائم على "الانصهار" في المجتمع، من الأسباب التي أدّتْ إلى انحراف مهاجرين مغاربة، ومغاربيين، نحو التطرّف والإرهاب، بيْنما نجحتْ نماذجُ أخرى في التقليل من هذه المخاطر، مثل النموذج البريطاني، القائم على التعدد الثقافي.
وأوضح أﯖمير، في مداخلة له ضمْن ندوة "تدبير المغاربة للاختلاف: استلهام أساليب التعايش وقبول الآخر"، المنظمة من طرف الجمعية المغربية للبحث التاريخي، في العاصمة الرباط، أنَّ "النموذج الفرنسي في إدماج المهاجرين، والقائم على الوحدة الترابية والسياسية والثقافية، جعَل المنتمين إلى الثقافة العربية يحسّون بأنّهم لا يمكن أن يندمجوا في المجتمع الفرنسي؛ فيفشلون في الاندماج ويتحوّلون إلى التطرف والإرهاب"، حسب تعبيره.
وعادَ أﯖمير إلى مرحلة ما بعد استقلال المغرب، "إذ أخذت هجرة المغاربة إلى أوربا، وخاصة إلى إسبانيا وفرنسا، طابعا قانونيا، وكانت في الغالب من اليد العاملة البسيطة"، مشيرا إلى أنَّ "أول عوائق الاندماج بدأتْ منذُ هذه اللحظة، إذ لم يتمّ التفكير في المهاجر المغاربي من منظور الإدماج الشامل، فحرصَت القوانين على تسهيل إدماجه من الناحية القانونية والاقتصادية، ولم يتمّْ إدماجه ثقافيا".
ويعودُ سببُ عدم الإدماج الثقافي للمهاجرين القادمين من المغرب، ومن البلدان المغاربية، حسب مدير مرك دراسات الأندلس وحوار الحضارات، إلى أنَّ "قوانين الهجرة الأوروبية تركّز، من ناحية الإدماج الثقافي، على المهاجرين القادمين من بلدان أوروبية أخرى، الذين لهم قواسمُ مشتركة، دينيّة وثقافية...".
وأضاف المتحدث: "هذه المرجعية لا تشمل المهاجر المغربي، وهو بنفسه لا تمثّل له شيئا؛ لأنَّ الاعتقاد المترسخ لديه هو أنه سيعودُ يوما إلى بلده الأصلي، مهما بقيَ في بلد الهجرة".
وضرَب أﯖمير مثلا بانسداد آفاق الاندماج الثقافي للمهاجرين المغاربة والمغاربيين، والقادمين أيضا من بلدان إسلامية كتركيا، بما يجري في ألمانيا من تسمية للمهاجر نحوها بـ"العامل الضّيف"، وفسّر هذا الوصف بقوله: "هذا معناه أنَّهم يقولون للمهاجر: لَكَ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ولكنَّ هذا ليس بلدَك".
في المقابل، أوضح المتحدث ذاته أنَّ النموذج البريطاني مختلف تماما، إذا إنّه يقوم على التعدد الثقافي، "لأنّ البريطانيين يُدركون أنَّ الأقليات جاءت من أصقاع مختلفة، ويجب احترام خصوصيتها"، حسب تعبيره، مشيرا إلى "وجود مدارسَ حكوميّةٍ خاصّة بالأقليّات في بريطانيا، كما أنَّ الحجاب فيها لا يُثير أيّ إشكالية، بخلاف فرنسا". وأضاف أﯖمير أنَّ "من مظاهر التنوع الثقافي في بريطانيا أنّ ثلث الأطفال في مدارس لندن لغتهم الأمّ ليست هي الإنجليزية".
وإذا كانَ القاسم المشترك للمغاربة المقيمين في الخارج هو أنهم مهاجرون، فإنَّ أﯖمير يرى أنَّ "المهاجرين الذين ترتفع نسبة فشلهم في تدبير التفاعل الثقافي في بلدان الإقامة هم الذين يُولدون في المغرب ويهاجرون، خاصّة أولئك الذين ينتقلون من بوادي جنوب البحر الأبيض المتوسط إلى حواضرَ في الضفة الأخرى للمتوسط"، لكّنه استدرك بأنَّ "هنالك حالات تكسر هذه القاعدة".
وأشار المتحدث ذاته في هذا الإطار إلى "وزيرة التعليم الفرنسية الحالية، نجاة فالو بلقاسم، التي كانتْ في طفولتها ترعى الغنم في إحدى قرى الريف المغربي، قبل أن تهاجر إلى فرنسا، وتصيرَ مسؤولة عن قطاع حسّاس، وكذا عمدة مدينة روتردام، أحمد بوطالب، الذي ترعرع بدوره في الريف ولم يهاجر إلى هولندا إلا عندما بلغ من العمر 15 سنة، حيثُ تكوَّن ثقافيا".
وفي مقابل هذين النموذجيْن اللذين يمثلان شريحة من المهاجرين الذين استطاعوا الاندماج بشكل كلّي في مجتمعات البلدان الأوروبية التي يقيمون فيها، أوردَ أﯖمير نموذجا مختلفا، يمثّل الشريحة الفاشلة في الاندماج، وهو منير المتصدق، المعتقل في ألمانيا بتهمة ربط علاقة مع مفجّري بُرجيْ التجارة العالمية بنيويورك سنة 2001.
وعلّق المتحدث على النموذج الأخير بالقول: "هذا الرجل من أمٍّ ألمانية وأبٍ مغربي، وكان حداثيا ومُحبّا للحيا حتّى بلوغه 17 سنة من العمر، قبل أن يختطفه الإسلامويون فكريا، ويصير إرهابيا".
وخلُص مدير مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات إلى أنَّ "مسألة تدبير التعددية الثقافية للمهاجرين في بلدان الإقامة لا يجبُ أنْ تُدرس في بُعْدها الشمولي، بل ينبغي التركيز على الحالات؛ ذلك أنّ كلّ حالةٍ لها وضعيتها الخاصّة، وتتحكم ثلاثة عناصر أساسية في صقل هويتها الثقافية، هي البُعْد الذّهني والبعد النفسي وكذا البعد البيولوجي ».
عن موقع هسبريس