في مكانٍ ما في أوروبا، يتأخر أطفال إحدى العائلات عن موعد مدرستهم، وعندما يصلون إلى حافلة المدرسة يجدون مقعد السائق فارغاً، فيضطر الأب لقيادة الحافلة كي يوصل الأطفال. ومن داخل مطعمٍ في وقتٍ لاحق يكتشف أفراد العائلة بأنهم لا يستطيعون طلب الطعام من النادل بل لا بد من أن يتولوا الطهو بأنفسهم لأن الشيّف غير موجود. أمام غرابة كل ما يحصل، يفتح أفراد الأسرة التلفزيون ليلاً ليشاهدوا أفواجاً من المهاجرين يتم ترحيلهم من أوروبا.
«كيف يمكن أن يبدو يومٌ من دون مهاجرين؟» هذا هو السؤال الذي يطرحه الإعلان المصوّر ضمن حملة «أنا مهاجر» التي أطلقتها المنظمة الدولية للمهاجرين (IOM) بالتعاون مع المجلس المشترك لرعاية المهاجرين (JCWI). تهدف الحملة إلى خلق مساحة لتبادل قصص المهاجرين، في مبادرة تسعى إلى تحدي الصور النمطية السلبية وخطاب الكراهية الموجه ضدهم.
تشبه المبادرة محاولات أخرى كثيرة ظهرت في السنتين الماضيتين تخصّ المهاجرين وحكاياهم، لكن ما يميزها أنها تستهدف «جميع المهاجرين بغض النظر عمّا إذا كانوا تركوا أوطانهم قبل 40 يوماً أو 40 عاماً». ومن هذا المنظور تنشر الحملة حكايا المهاجرين الذين باتوا جزءاً من النسيج الاجتماعي للبلدان التي قدموا إليها، وتعرض مقابلات لأناس من جنسية يابانية هاجروا إلى مصر، وآخرين هاجروا من السلفادور إلى كندا، من هولندا إلى فرنسا حيث يتم إرفاق كل قصة بعدادٍ يقيس عدد الأمتار التي تفصل المرء عن موطنه الأصلي.
بالعودة إلى الشريط «يوم من دون مهاجرين» الذي تم بثه بتاريخ (20 ـ 11) والذي صُنع بالكامل من قبل مهاجرين قدماء وجدد، وحتى أن الفريق القائم عليه ذهب بالفكاهة إلى حد نشر الفيديو من دون تأثيرات صوتية أو حوارات مكتفين بنشر تعليقات مكتوبة توضّح ما يحصل، على اعتبار أن مهندس الصوت (هو بدوره مهاجرٌ أيضاً) تم ترحيله من أوروبا.
يؤكد القائمون على الحملة أنه وعلى العكس مما يظنه الكثيرون، يلعب المهاجرون دوراً محورياً في الاقتصاد العالمي، وتثبت الدراسات أنهم يساهمون في النمو الاقتصادي في البلدان التي يقصدونها كذلك في أوطانهم. تشير الحملة أيضاً إلى دور المهاجرين في تأسيس شركات مثل «غوغل» و«ياهو» في الولايات المتحدة الأميركية على الرغم من أنهم لا يشكلون أكثر من 15 في المئة من تعداد السكان هناك. تذكّر الحملة بالمهام التي تقع على عاتق المهاجرين من ذوي المهارة في البلدان المسنة ذات معدلات الولادات المنخفض، ما يعني بنظرهم أن تلك الدول يجب أن تؤمن بيئة آمنة حاضنة لهؤلاء المهاجرين كي تضمن لعجلة اقتصادها استمرار الدوران.
اعتمدت المبادرات الساعية لدعم المهاجرين وإظهار وجههم الإنساني حتى الآن على مقولات ومداخل باتت مكررة وعاجزة عن إحداث الأثر المطلوب. فالابتعاد عن الإغراق في العاطفة وإظهار الدور الوظيفي الفاعل للمهاجرين في أوروبا أمر إيجابي بالتأكيد، لكن لا ينبغي أن يأتي ذلك في سياق يكرّس مقولة أن منفعة أوروبا أولاً: «فالمهاجر الذي يساعدنا بمهارته وخبراته ويدفع بعجلة اقتصادنا إلى الأمام أهلاً به!». إذ تكاد جميع تلك المبادرات تهمل مسؤولية البلدان الأوروبية المضيفة في المآلات التي وصلت إليها بلدان العالم الثالث المنهكة بفعل الفقر والحروب، وما نجم عن ذلك من موجات هجرة ضخمة. ولذلك ربما لا يجب وضع جميع المهاجرين في الكفّة ذاتها، وحتى إن ساهم ذلك ظاهرياً بتقبلهم، فأسباب الهجرات مختلفة والمسؤلون عنها مختلفون أيضاً.
عن جريدة السفير