وكأنّه استشعرَ أنَّ أجلَه قد أزِف..يوم 23 دجنبر الماضي، حزمَ عز الدين سفيان حقائبه وشدَّ الرحال رُفقة زوجته وأبنائه الثلاثة إلى الديار المقدّسة لأداء مناسك العمرة، ثم انتقل إلى المغرب لصلة الرّحم بمنْ تبقّى من أفراد عائلته بمدينة الدار البيضاء، قبْل أن تفرّق بيْنهم يدُ الإرهاب إلى الأبد، داخلَ المسجدِ القريب من بيْته في مدينة كيبيك بكندا.
أواسطَ ثمانينيّات القرْن الماضي، وبعْد نيْله شهادة الإجازة، سافرَ عز الدين سفيان، المُزداد سنة 1959، إلى كندا، لمتابعة دراساته العليا في جامعة لافال بكيبيك، وهُناك حصل على شهادة الدكتوراه في البيولوجيا، حيث اشتغل على دراسة قشرة الأرض في جزيرة أنتيكوستي، ونوفا سكوشيا، والقطب الشمالي، واشتغل لسنوات في المركز الوطني للأبحاث العلمية بكيبك، كما اشتغل خبيرا في شركة متعددة الجنسيات متخصصة في التنقيب عن النفط.
بالموازاة مع وظيفته، أنشأ عز الدين سفيان مركزا تجاريا بمدينة كيبيك، اختار له اسم "السلام"، على مساحة 3000 متر مربع، أوْكلَ مهمّة إدارته إلى شريك تونسي، وفي سنة 2000 اضطرَّ إلى التفرغ لإدارة مشروعه التجاري المتكون من متجر كبير لبيع المنتجات الغذائية، واللحوم الحلال، إضافة إلى مطعم، بعد رحيل شريكه التونسي.
تُوفيتْ والدة الراحل وهو لا يزالُ طفلا صغيرا، فتولّتْ أخْته الكبرى، الحاجة فاطمة، تربيته، وهي بالنسبة إليه أخته وأمّه في آن، إذ ربّتْه ورعتْه إلى أن كبُرَ وسافر إلى كندا، ودأبَ على زيارتها في المغرب، وفي المرّة الأخيرة اتّصل بها، واتفقا على اللقاء في البقاع المقدّسة، حيث أدّيا مناسكَ العُمرة، وعادَ برُفقتها مع زوجته وأولاده إلى المغرب، حيث مكثوا في مدينة الدار البيضاء تسعة أيام، قبْل أن يعودَ إلى كندا مُودّعا إياهم الوداع الأخير.
"نْعْيا ما نْشكر فيه، وما نقدرش نوفيه حقو، كان إنسانا مثاليا؛ كانت علاقته بالله متينة جدّا، وكان في الجانب الروحاني في مستوى يتمنّى أيُّ إنسان أنْ يصل إليه، ولا يتدخّل في علاقة الآخرين بربّهم..ما يْجي يقولّك نُوض تصلّي، ما يقولّك ما تشربش..وديمَا ضاحْك"، يقول ابن أخت المرحوم، الذي نزلَ عنده في بيْته بمدينة الدار البيضاء حينَ قَدِمَ إلى المغرب من العمرة، ومكث هناك من فاتح إلى غاية 9 يناير الجاري، قبل أن يعودَ إلى كندا.
أمّا ابنة أخت المرحوم، التي تشتغل طبيبة في مدينة الحسيْمة، فما إنْ شرعتْ في الحديث عن خالها الذي عصفتْ به يد الإرهاب داخلَ بيْت الله القريب من بيْته في مدينة كيبيك، حيث أدّى صلاة العشاء، حتى خنقتْها الدموع وحالتْ بينها وبين الاسترسال في الكلام.
ويحْكي ابن أخت الراحل، بناء على المعلومات التي استقاها من أشخاص كانوا في المسجد لحظة وقوع الهجوم الإرهابي، ونَجَوْا، أنَّ عز الدّين سفيان ظلَّ في المسجد، رُفقة حوالي أربعين شخصا، بعد صلاة العشاء، لأداء بعض النوافل، في حين غادر مُصلّون آخرون، وهي اللحظة التي اقتحم فيها أحدُ الإرهابيين المسجد وشرع في إطلاق النار على المصلّين.
لمْ يُبالِ عز الدين سفيان بمصيره بقدر ما كانَ مشغولا بمصير مَنْ معه في المسجد، إذْ آثر حياتهم على حياته، وقام مُحاولا صدَّ المُعتدي على حُرمة أرواح المصلّين وحُرمة بيت الله الذي آوَاهم، فكانَ أن تلقّى ستَّ رصاصات أردتْه صريعا، إلى جانب خمسةٍ آخرين، مخلّفا أسى وحُزنا في أوساط معارفه، وعائلةً مكلومة في كيبيك، وأخرى في الدار البيضاء، ينتظرُ أفرادُها عودته الأبديّة إلى المغرب، لإلقاء نظرة الوداع على جثمانه قبل أنُ يُوارى ثَرى مقبرة الغفران.
عن موقع هسبريس