المشهد السياسي في ألمانيا.. ما أسباب ضعف الحضور العربي؟

الخميس, 21 شتنبر 2017

مقارنة مع بعض الدول الأوروبية، يبقى السياسيون العرب بألمانيا معدودين على رؤوس الأصابع، وهو ما يدفع للتساؤول عن الأسباب التي تبرر ضعف وجود العرب في الحياة السياسية الألمانية وعن دورهم بعد موجة اللجوء التي شهدتها ألمانيا؟

في حي فيرستن بمدينة دوسلدورف، حيث تقطن نسبة كبيرة من العائلات ذات الأصول الأجنبية، يلتقي حكيم الغزالي، وهو شاب مغربي في الثانية والثلاثين من عمره، مع مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي للانتخابات البرلمانية في مدينة دوسلدورف ومجموعة من أعضاء الحزب لمواصلة حملتهم الانتخابية.

إتقان حكيم للغة الألمانية بحكم ولادته في ألمانيا ومعرفته بسكان الحي يسهل عليه التواصل مع السكان ومحاولة إقناعهم ببرنامج حزبه. الغزالي، الذي درس العلوم السياسية، هو عضو في الحزب الاشتراكي الديمقراطي منذ 2010 وكانت بدايته مع برلمان الجامعة قبل أن يترشح للانتخابات البلدية التي خسرها بنسبة قليلة. ويطمح الغزالي الآن إلى كسب تجربة أكثر من خلال مشاركته في الحملة الانتخابية لمرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي بالدائرة التي يسكن فيها، حتى يتمكن من تحقيق حلمه الأول في سلم المسؤولية السياسية وهو تمثيل سكان منطقته في مجلس المدينة.

وليس ببعيد عن دوسلدورف، وفي مدينة برول، ينشط سياسي عربي آخر زاره طاقم صحفي مكون من DW عربية وموقع هيسبرس المغربي وموقع التحرير المصري الذين يقومون بتغطية مشتركة للانتخابات البرلمانية الألمانية. مصطفى العمار وهو عراقي مقيم في ألمانيا منذ 2010، تم انتخابه قبل أيام عضوا في مجلس إدارة الحزب المسيحي الديمقراطي (حزب المستشارة ميركل) بولاية بادن فورتمبيرغ، جنوب ألمانيا، ليكون أول عراقي وعربي ومسلم يتولى هذا المنصب في ألمانيا، كما أنه مرشح عن الحزب في الانتخابات المحلية بالولاية.

اهتمام العمار بالسياسة جاء من خلال مهمته كسفير عالمي للسلام واهتمامه بقضايا اللاجئين والمهاجرين، وأيضا من خلال ترؤسه لمنظمة "إنسانية بلا حدود" لمساعدة اللاجئين. ويتخصص العمار بالحزب المسيحي الديمقراطي في قضايا مكافحة التطرف والإرهاب والتشجيع على الاندماج. ويؤكد في حوار مع DW عربية وهسبريس والتحرير، أن تجربته السياسية لحد الآن تؤكد على أن "العمل الجدي والإيمان بمبادئ الحزب والرغبة في ترك بصمة بالمجتمع كفيلة بأن تفتح أمام السياسي من أصول عربية التدرج في أبرز المناصب الحزبية بألمانيا".

حضور عربي ضعيف في الأحزاب الألمانية

وإلى جانب مصطفى العمار وحكيم الغزالي هناك بعض الوجوه من أصول عربية ناشطة في الحياة السياسية وربما أكثر تأثيرا منهما، مثل طارق الوزير، ذو الأصول اليمنية والذي يتولى منصب نائب رئيس وزراء ولاية هيسن الألمانية، والفلسطيني رائد صالح، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي في ولاية برلين، لكن مقارنة مع عدد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا وبلجيكا وهولندا، يبقى السياسيون العرب بألمانيا معدودين على رؤوس الأصابع وبعيدين عن دوائر صنع القرار، وهو ما يدفع لطرح السؤوال الملح: ما هي الأسباب التي تبرر ضعف وجود العرب والمسلمين على مستوى صناعة القرار السياسي والاقتصادي الألماني؟

في إجابة منه على هذا السؤال، يرى محمد لغضس، وهو سياسي ألماني من أصول مغربية، انخرط بالحزب الاشتراكي الديمقراطي منذ أزيد من 20 سنة، أن اهتمام العرب المقيمين بألمانيا بالشؤون السياسية يقل إذا ما تمت مقارنته مع العرب المتواجدين بعدد من الدول الأوروبية الأخرى، مرجعا ذلك لما أسماه "غياب الثقافة السياسية للجالية العربية". وأبرز لغضس، العضو بقسم البناء والتنمية التابع لبلدية مدينة غيرمسهايم، أن "العرب عادة يهتمون بالعمل فقط وكل ما هو معيشي صرف"، مرجحا أن يكون غياب الاهتمام هذا راجعا لـ"التخوف المرتبط بأسباب لغوية، إضافة إلى العقلية العربية المختلفة عن نظيرتها الألمانية".

وزاد بالقول "هناك مشكل غياب الإرادة وفقدان الثقة في العمل السياسي بشكل عام"، قبل أن يسجل في مقابل ذلك، أن "العمل الجمعوي حاضر بشكل أكبر من النشاط السياسي في صفوف المواطنين من أصول عربية".

وبحس وصفه بالواقعي، اعتبر لغضس أن التدرج داخل التنظيمات الحزبية الألمانية أمر متاح بصرف النظر عن عرق الشخص، لافتا الانتباه إلى أن ذلك يجب أن يكون متلازما مع الحنكة السياسية المطلوبة والتخصص في شؤون دون غيرها كالاقتصاد والمجال الاجتماعي والإعمار والتنمية.

نفور عربي من المشاركة السياسية

لكن كيف يرى العرب المقيمين في ألمانيا الواقع السياسي في البلاد وما الذي يمنعهم من الإقبال الكبير على المشاركة في الحياة السياسية؟

رياض البرغوثي، ألماني من أصل فلسطيني، قدم إلى ألمانيا في عام 1982، يرى أن المشاركة السياسية للعرب تتوقف بالدرجة الأولى على مدى شعورهم باهتمام الأحزاب السياسية بهم، فبالنسبة له لا يلمس هذا الاهتمام ويستشهد على ذلك بوضعيته الآن، فهو الدارس للعلوم السياسية، ورغم ذلك يعمل سائقا للتاكسي. ويستطرد البرغوثي "لن أذهب للانتخاب بالرغم من أنني أمتلك حق التصويت".

"أنا هنا في ألمانيا بجثتي وروحي في المغرب"، تلخص هذه الجملة التي قالها مهاجر مغربي يعيش في ألمانيا منذ عشرين عاما واقع مجموعة من المهاجرين. وعن هذا يقول سامي شرشيرة، خبير الاندماج، "الأحزاب الألمانية للأسف الشديد لا تهتم كثيرًا بالمشاركة السياسية للجاليات المسلمة أو العربية، وإنما همها الأكبر استقطاب شخصيات معينة من الجاليات بهدف استثمارها في حملاتها لاستمالة الأصوات العربية والإسلامية، وهذا خطأ فادح".

مغربي آخر التقيناه في دوسلدورف، يختلف مع فكرة العزوف أو البعد عن السياسة الألمانية، بل يرى أن الاندماج وطرق أبواب الأحزاب الألمانية، الطريقة المُثلى لتعزيز الحضور العربي في هذا البلد، وأنه لا يعاني من أي تمييز أو اضطهاد.

المشاركة السياسية باتت ضرورة ملحة

يرى البرلماني الألماني عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أندرياس ريمكوس، أن أفضل طريقة لتشجيع المهاجرين في ألمانيا على الاهتمام بالسياسة هي الانفتاح أكثر على العائلات من أصول مهاجرة ومشاركتها أعيادها والتعرف على تقاليدها وبناء جسر الثقة. ويضيف ريمكوس في حوار مع DW عربية وموقع هسبريس وموقع التحرير "نحاول الوصول لبيوت الناخبين من أصول عربية لتذكيرهم بالانتخابات البرلمانية المقبلة ونقول لهم مارسوا حقكم الانتخابي وساهموا في صنع مستقبلكم في هذا البلد ولا تتركوا ذلك للأخرين يقومون به نيابة عنكم"، مضيفا "ليس لدينا مشكة مع ذوي الأصول الأجنبية الذين يرغبون في دخول الحزب ومشاركتنا في العملية السياسية. فأنا مثلا لا أسأل من أين أتيت وإنما أسأل ما هي الطريق التي علينا أن نسلكها سويا".

تزايد عدد اللاجئين والعرب في ألمانيا خلال السنتين الماضيتين من المفترض أن يمثل فرصة ذهبية لمشاركة فعالة في الحياة السياسية، واندماج أكبر في الأحزاب الألمانية، خاصة وأن عدد العرب والمسلمين في ألمانيا في تزايد ويقدر بخمسة ملايين نسمة، كما أن من يحق لهم التصويت بين المسلمين في ألمانيا يقدر بأكثر من 1.5 مليون.

ويقول محمد لغضس، السياسي من أصول مغربية "بعد مجيء أعداد كبيرة من لاجئي سوريا والعراق، تغيرت نظرة المجتمع الألماني للأجانب وخاصة للعرب والمسلمين، وتصاعدت النزعات اليمينية والمتطرفة".

هذا السبب، في رأي لغضس، يجعل العديد من السياسيين من أصول عربية، يحثون العرب والمسلمين المقيمين بألمانيا على ممارسة حقهم في التصويت، وذلك من خلال بعث رسائل عبر الإيميل والواتساب لهم، فالمشاركة في الانتخابات هي في نظر لغضس وسيلة مهمة للمساهمة في تحسين مستقبل أبناء المهاجرين ومن يأتون بعدهم. ويكمل "أتوقع أن تتعزز المشاركة السياسية لهؤلاء مستقبلا، لأن عددهم أصبح هائلا، وفي حالة ما تم منحهم الحق في البقاء، من الأكيد، بل ومن اللازم أن ينخرطوا في الحياة السياسية". ويختتم لغضس حديثه "لا يعقل أن يعيش العرب والمسلمين في بلاد غربية وأن يتخلوا عن حق أساسي، ألا وهو الانخراط في الحياة السياسية".

عن شبكة دوتش فيله

«أبريل 2024»
اثنينثلاثاءالأربعاءخميسجمعةسبتالأحد
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728
2930     
Google+ Google+