في سياق زيارة قريبة مرتقبة يقوم بها أنس بيرو، وزير الجالية وشؤون الهجرة، إلى مدينة مونتريال الكندية، تطرق الدبلوماسي المغربي السابق، الدكتور علي الإدريسي، إلى “دار الثقافة” بهذه المدينة، والوضعية الراهنة لهذه المؤسسة الثقافية المغلقة منذ شهور، والتي تستدعي تدخلا عاجلا من طرف المسؤولين.
وأفاد الإدريسي، في مقال خص به هسبريس، أن المغاربة يرجون من الوزير، ومن كل من له غيرة على الثقافة المغربية أن يقرروا مصير هذا المبنى الضخم في مدينة مونتريال، ذي التكلفة العالية، دون أن يحقق إلى الآن حتى الحد الأدنى مما قيل أنه أُنشئ من أجله”.
وفيما يلي نص مقال علي الإدريسي كما ورد إلى الجريدة:
دار المغرب والإشعاع الثقافي في مونتريال
مما لا شك فيه أن الثقافة تشكل جسرا لتواصل الأجيال وتواصل الحضارات في تفاعلها الإيجابي، وتعد في الوقت نفسه أحد العناصر الأساسية في تكوين الهوية الجماعية للشعوب والجماعات الإثنية.
والتعبير عن الثقافة يتم بوسائط معروفة كالفن بكل أنواعه ودرجاته ومجالاته، والمعمار وما يلحق به من العمران البشري بمختلف تعبيراته الجمالية، وحقول الإبداع الفكري والأدبي.
جسور الثقافة في مدينة مدينة مونتريال
وتعكس مدينة مونتريال الكندية أحد هذه الجسور، فهي تضم بين ثناياها أكثر من 140 إثنية أو قومية ثقافية، وتوفر بلديتها 45 مكتبة عمومية، هي عبارة عن مراكز ثقافية بالمفهوم الواسع للكلمة. إضافة إلى المكتبات الجامعية والمكتبة الكبرى لمدينة مونتريال، ومراكز ومؤسسات ومنتديات ثقافية للدول الأجنبية التي تقوم بتقديم الخدمات الثقافية لجالياتها أولا، وبتعريف الكنديين وغيرهم من ساكنة المدينة بقيم بلدانها الثقافية، كما تتزاحم في هذه المدينة المهرجانات الفنية واللقاءات الفكرية والثقافية المختلفة المصادر على مدار السنة.
دار المغرب والإشعاع الثقافي المأمول
وإذا تساءلنا عن مكانة الثقافة المغربية وإشعاعها ضمن هذه الدينامية الكبرى لمدينة مونتريال، فإن المغرب من الدول القلائل التي لها مبنى في وسط المدينة يحمل اسم “دار المغرب”، (كما تبين الصورة). والمبنى أُعد لكي يصبح مركزا ثقافيا. دشن فعلا صيف 2012 من قبل الأميرة للا حسناء، بمناسبة الذكرى الخمسينية للعلاقات المغربية الكندية. وكان أول ما لاحظه المتتبعون لوقائع حفل التدشين هو عدم وجود وجوه ثقافية وفكرية مغربية ذات وزن.
يحتوي المركز على مكتبة كبيرة المساحة تضم في رفوفها على ما يربو من 12000 عنوان من مختلف فروع المعرفة والعلم والمصادر الفكرية، وكان مقررا أن يصل عدد كتبها 18000 عنوان؟ وتحتوي بصفة خاصة على عدد كبير من مراجع الثقافة الأمازيغية ومصادر الفكر الإسلامي، وبخاصة المذهب المالكي، في أفق أن يجد أئمة مساجد مونتريال فيه بغيتهم من المادة العلمية الدينية الخالية من الغلو والتطرف. إضافة إلى ذلك تتوفر المكتبة على وسائط معرفية وترفيهية كثيرة للصغار والكبار على حد سواء.
كما تتوافر دار المغرب على قاعات للمعارض الدائمة للصناعات التقليدية والمنتج السياحي المغربي، وقاعات للاجتماعات وأخرى للتدريس. لأن بناية دار المغرب ضخمة، (كلفت خزينة المغرب 100 مليون درهما، وفقا لوثائق الوزارة المكلفة بالجالية المغربية والهجرة)، وهي واسعة تتكون من أربع طبقات زائد طابق تحت أرضي.
فما هي نتيجة هذا المنجز الثقافي المغربي بعد مرور أكثر من سنتين على تدشينه من قبل صاحبة السمو الملكي الأميرة حسناء، خاصة وأن كثيرا من المغاربة المقيمين هنا، وكذا الجالية العربية وكنديين كثيرين كانوا ينتظرون افتتاح هذه الدار/المركز، لإشباع فضولهم المعرفي، وحب اطلاعهم على ما يجهلون، وإغناء ثقافتهم حول المغرب، والتعرف على حركة الفكر والإبداع فيه، وعلى الحياة المغربية بصفة، فهل كانت النتائج متجاوبة الأماني المعلقة على دار المغرب؟
قيمة الأمم في إشعاعها الثقافي
تجب الإشارة إلى أن الطاقم المكلف بتسيير هذه الدار/المركز مكون من مديرة استقدمت من وزارة الشؤون الخارجية، ومن ثلاثة مستشارين ليسوا كلهم من الحقل الثقافي. فهل يمكن أن ننتظر نتائج مرجوة من مثل هذا الطاقم في عدده أولا، وفي رِؤيته لوظيفة الثقافة المغربية في كندا، خاصة ونحن في زمن تحترم فيه الكفاءة والتخصص، في حين أن أصغر مكتبة بلدية في مونتريال لا يقل عدد موظفيها عن عشرة موظفين متخصصين كل في موضوع مهامه.
أما المكتبات الكبرى فلا يقل عدد العاملين فيها عن خمسين موظفا وتقنيا. وقد سبق لي شخصيا أن رفعت دراسة في الموضوع للمكلف بإنجاز بناية دار المغرب في حينه، لكن يبدو أن منطق الجهة المعنية والمسؤولة عن تدبير دار المغرب كانت لها رؤية متعارضة مع ما هو مطلوب على أرض الواقع.
كانت الأحلام كبيرة بلا شك، ومنها أحلام الذين قرروا إنشاء دار المغرب، والذي جاؤوا لتدشينها، إلا أن ما تلا التدشين لم يتجاوب حتى مع أبسط تلك الأحلام. فحصيلة أنشطة دار المغرب تكاد تكون صفرا، باستثناء فتح بعض قاعاتها لجمعية مغربية مختصة في تعليم اللغة العربية لأبناء الجالية المغربية، وتنظيم بعض الأنشطة الثقافية النادرة بلغة موليير، مع تغييب كلي للغتين الوطنيتين المغربيتين. وبعد عام من الوجود الشكلي لدار المغرب عينت مديرته قنصلا عاما للمغرب في مونتريال. ولم يعين مدير أو مديرة جديدة إلى حد الساعة.
والأدهى من ذلك أنه بحلول نهاية 2013 تم إغلاق الدار/ المركز، بدعوى القيام بإصلاحات تتعلق بمرافقها، وهي لم يمر على تدشينها أكثر من سنة ونصف السنة.
من وجهة نظر الذين يحترمون ثقافة المغرب وسمعته يرون أنه كان من الأفضل عدم فتح هذه الدار ما دام ليس هناك قانون يحدد مهامها ووظائفها، وخطة محكمة تحقق للثقافة المغربية قيمة مضافة وليس العكس.
ويتساءل المغاربة الحريصون على ثقافتهم ولغتيهم الوطنيتين عن مستقبل هذه الدار وبعض حالها على ما ذكرنا في ما نستقبل من الأيام. خاصة وأن السيد أنيس برو وزير الجالية وشؤون الهجرة يعتزم القيام بزيارة مونتريال في الأيام القليلة القادمة من هذا الشهر، وسيزور دار المغرب بلا شك.
ويرجو هؤلاء المغاربة من السيد الوزير ومن كل من له غيرة على الثقافة المغربية أن يقرروا مصير هذا المبنى الضخم في مدينة مونتريال ذي التكلفة العالية دون أن يحقق إلى الآن حتى الحد الأدنى مما قيل أنه أُنشئ من أجله.
من زاويتنا نتمنى أن يكون معلمة ثقافية للمغرب يشع منه نور المغرب. لكن إذا كان ليس في الإمكان أبدع مما كان في الوقت الحالي، فعلى الأقل لا يكون من المنطق في شيئ أن تصبح دار مغرب أو مركز ثقافي تًنعى فيه الحياة الثقافية بدل أن يصبح كما كان مأمولا منه مركز إشعاع لمغرب القرن الواحد والعشرين.
وفي الختام يمكن القول: إنه إذا كان كما قال حكيم الشعراء “على قدر أهل العزم تأتي العزائم”. فإننا نضيف: على مقدار الإشعاع الثقافي تعلو الهمم وتسود الأمم.