كلمة السيد عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، بمناسبة افتتاح الندوة الدولية "الوضع القانوني للإسلام في أوروبا"، والتي نظّمها المجلس بفاس يومي 14-15 مارس 2009.
لقد اختار مجلس الجالية المغربية بالخارج تنظيم هذا اللقاء حول "الوضع القانوني للإسلام في أوروبا" كمنطلق لأشغاله وأعماله والاهتمام بقضية الإسلام في أوروبا، وقد خصّص لسنة 2009 برامج متعددة وحافلة من أجل دراسة ومناقشة قضية الإسلام في أوروبا.
لماذا اختيار موضوع "الوضع القانوني للإسلام في أوروبا"؟ فكما يعرف الجميع فإن الدول الأوروبية أثناء عملية التشريع لم يكن الإسلام موجودا كدين. وبالتالي فإن السؤال المطروح اليوم يتعلق بمدى إمكانية وقدرة هذه المنظومة القانونية على استيعاب الظاهرة الجديدة التي هي الإسلام؟
والسؤال الجوهري الثاني يتعلق بالتجربة الجديدة التي يخوضها الإسلام بخصوص العيش في أوساط مجتمع يتسم بالعلمانية والحداثة والديمقراطية وتعدد الأديان، كما أن الإسلام يعيش كأقلية ضمن هذا المجتمع... وهذه تجربة جديدة.
فما هي القدرة التي يتوفر عليها الإسلام من أجل الاندماج والإجابة على الأسئلة التي يطرحها هذا المجتمع؟
من المعروف أنه لا توجد تجربة واحدة في أوروبا؛ فهناك تجارب متعددة، كما أن كل بلد يتميز بخصائص معينة. فالعلمانية في فرنسا تختلف عن العلمانية في بلجيكا أو في هولندا أو في إنجلترا. وكذلك الجالية الإسلامية ومكوناتها تختلف من فرنسا إلى بلجيكا إلى هولندا وإلى إنجلترا وإلى ألمانيا...
وبالتالي كيف يمكن أن نوجد الأجوبة المناسبة في إطار هذا التعدد والتنوع؟
نعرف جميعا أن هناك بلدانا اعترفت بالإسلام منذ مدة طويلة، وأخص بالذكر إسبانيا التي وقَّعت اتفاقية مع الجالية المسلمة سنة 1992، وبلجيكا التي اعترفت بالإسلام سنة 1975، والنمسا التي اعترفت بالإسلام منذ عهد الدولة العثمانية... لكن الملاحظ أن جُلَّ بنود هذه الاتفاقيات أو البنود التي وردت ضمن الاعترافات لازالت حبرا على ورق؛ فبنود اعتراف بلجيكا بالإسلام، على سبيل المثال، لم تُنفّذ إلى اليوم! ما نُفِّذ منها يتمثل فقط في إيجاد "هيئة تنفيذية" كإطار لتدبير الشأن الديني على المستوى الدنيوي أي هي إدارة دينية، لكن أغلب بنودها لم تجد طريقها إلى التنفيذ. كذلك بالنسبة لاتفاقية إسبانيا مع الجالية المسلمة التي لم تُنفَّذ أغلب بنودها بعدُ.
كما أننا نجد في أوروبا تقدما في الكثير من الملفات على مستوى البلدان التي لا تعترف بالإسلام، أو في البلدان التي لا توجد فيها علاقة رسمية ومؤسساتية مع الدولة. ففي فرنسا تحقّقت جملة من الأشياء التي لم نستطع تحقيقها في البلدان التي تعترف بالإسلام.
فمثلا في بلجيكا لم نستطع إلى حد الآن أن نوفر للجنود المسلمين المرشدين الدينيين. في فرنسا مثلا هناك مرشدون دينيون بالنسبة للجنود المسلمين الذي يعملون ضمن الجيش الفرنسي.
كما يتوفر عدد كبير من السجون الفرنسية على مجموعة من المسؤوليين الدينيين المسلمين. أما في دول أخرى مثل إسبانيا وبلجيكا فلا نزال في بداية الطريق.
أريد أن أقول إن الاعتراف القانوني لا يعني قطعا أننا سنحصل ضمنيا على مقتضيات هذه القوانين، إنما لابد من العمل الكثير، وأن نحرص على مرافقة المجتمع لنا.
تُطرح على الإسلام في أوروبا الكثير من الأسئلة. فكما قلنا إن الإسلام يعيش في مجتمع له مميزات وخصائص، ومن ثمَّ هل الإسلام قادر على الإجابة على تلك الأسئلة التي تطرحها هذه المجتمعات؟ بالنسبة لقضية تكوين الأطر الدينية، هل الإسلام قادر أن يوفر الإطار الديني القادر أن يتحرك في مجتمع متعدد الأديان والثقافات والهويات والإثنيات؟ وما هو المحتوى الدراسي الذي يلائم تلك المجتمعات؟ وهل المحتوى الدراسي المتوفر في البلدان الإسلامية قادر على تلبية حاجيات المسلمين وحاجيات تلك المجتمعات؟
إن من واجب المسلمين التفكير بعمق من أجل إيجاد الأطر المناسبة والملائمة القادرة على الانخراط والاندماج الإيجابي في المجتمعات، وضمان تأطير يُمكِّن الأجيال الصاعدة من المسلمين على العيش في تواؤم تام مع المجتمع الذي تنتمي إليه؛ لأن الإسلام أصبح مكونا أساسيا للمجتمعات الأوروبية؛ فحسب الإحصائيات والتقديرات المتوفرة فإن المسلمين يُعَدُّون بالملايين داخل الاتحاد الأوروبي. ومن ثَمَّ لابد أن نأخذ هذه الملايين بعين الاعتبار ، كما أنه لابد أن تأخذ هذه الملايين عيشها في هذا المجتمع الجديد بعين الاعتبار.
من ناحية أخرى، الإسلام في أوروبا مطالب اليوم أن يجيب على مجموعة من الأسئلة بشكل واضح. وفي هذا الصدد أذكر أن نابليون عندما أراد أن يمنح المواطنة الفرنسية لليهود طرحَ عليهم 12 سؤالا، من بين هذه الأسئلة: ما رأيكم في تعدد الزوجات؟ ما موقفكم من قضية الولاء للوطن؟ فاليهودي المولود في فرنسا يُعتبر فرنسيا فهل يَعتبر فرنسا وطنا له؟ من يُعيِّن الحاخامات؟ هل يجوز لليهودية أن تتزوج من غير اليهودي في فرنسا؟
أعتقد أن هذه الأسئلة مطروحة على الإسلام، والجالية اليهودية قد أجابت بشكل واضح على هذه الأسئلة في كتاب مطبوع ومنشور.
لابد للمسلم أيضا أن يقدِّم جوابا واضحا عن مسألة فصل الدين عن الدولة. لأننا هناك الكثير من الأصوات سواء في أوروبا أو في كندا تدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية. وبالتالي يجب أن نجيب بشكل واضح: هل نقبل أن نعيش ضمن مجتمع قرَّر عبر صيرورة تاريخية وتجربة خاصة به أن يفصل الدين عن الدولة؟
قضية المساواة بين الرجل والمرأة قد حسمت فيها المجتمعات الأوروبية. ويجب أن يكون جوابنا حاسما فيها وألا نتردد في ذلك.
لا بد أن يكون جوابنا حاسما فيما يتعلق بقضية الحرية الدينية وحقوق الإنسان، وألا نستعمل هذه الحقوق فقط عندما يتعلق الأمر بحقوقنا نحن؛ لأن حقوق الإنسان كل لا يتجزأ، ويجب أن نستعملها أيضا للدفاع عن الآخرين أو للعيش معهم.
هذه أسئلة نتمنى أن ينجح هذا المؤتمر في معالجتها أو على الأقل في إثارتها. وأؤكد أن مجلس الجالية دائم الاستعداد من أجل المرافقة والانخراط في نقاش بناء من أجل المساهمة في إيجاد هذه الأجوبة. وسيُسخر كل إمكانياته المادية والبشرية من أجل الوصول إلى مستوى يليق بنا جميعا؛ يليق بالمسلمين الذين يعيشون في أوروبا كمواطنين ويليق بالمجتمعات الأوروبية، وأن نعمل على نزع فتيل الصراع، لأننا نعتقد في المجلس أن الجالية الإسلامية في أوروبا يجب أن تكون جسرا يربط العالم الإسلامي بالغرب، وأن تكون جسرا للغرب نحو العالم الإسلامي، وأن تكون هذه الجالية مؤهلة للعب دور الوسيط الحضاري والروحي، وأن تكون عاملا أساسيا في نزع فتيل الصراع، وأن يكون عيشها وممارساتها اندماجها في هذه المجتمعات تكذيبا مطلقا لمقولة صدام الحضارات.
أعتقد أن المسؤولية كبيرة جدا، وأن مستقبل الأجيال القادمة رهينٌ بما سنَبْنِيه في حاضرنا.
يجب أن لا نرهن مستقبلنا بحاضر رديء. يجب أن نَبْنِيَ مستقبلا يستطيع أن يُخرجنا من هذا الواقع والحاضر الرديء.
أتمنى التوفيق لأعمال ملتقانا. وشكرا.