بوصوف: المذهب المالكي لمصالحة الإسلام والغرب

السبت, 13 يونيو 2009

بوصوف: المذهب المالكي لمصالحة الإسلام والغرب


يرى المؤرخ المغربي عبد الله بوصوف نائب رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أن المذهب المالكي -أحد المذاهب الأربعة الرئيسية عند المسلمين السنة- قد يشكل مدخلا مهما لمصالحة بين الإسلام والغرب، مبررا ذلك بأن المذهب رغم نشأته في المدينة المنورة بالسعودية، فإنه ترعرع على أرض أوروبية؛ هي الأندلس، كما أن أصوله فيها من المرونة ما يمكنها من إيجاد حلول للتحديات التي تطرحها المجتمعات الغربية على المسلمين.

Lire la suite...


واعتبر بوصوف -الذي يتولى أيضا إدارة المركز الأوروإسلامي للثقافة والحوار- في حوار خاص مع شبكة "إسلام أون لاين.نت" أن الإساءات المتلاحقة للإسلام ومقدساته تمثل دليلا على قوة الإسلام المتنامية بالغرب، مشددا على أن من يقفون وراء ذلك هم استثناء من القاعدة العامة التي تحترم الإسلام.

وإذا كان التواصل والحوار هو المدخل الأساسي لتحسين العلاقة بين الإسلام والغرب كما يرى بوصوف، فإن ذلك لم يمنعه من مطالبة مسلمي الغرب بضرورة تطوير آليات لمواجهة أي إساءة أو تجاوز ينال الإسلام والمسلمين، وعدم انتظار قيام الآخرين بذلك نيابة عنهم.

وبوصوف الحاصل على الدكتوراه حول موضوع العلاقات بين بلدان حوض البحر المتوسط في القرن الـ13، يتولى كذلك منصب الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج.


وفيما يلي نص الحوار


قبل أن نتطرق لأزمة الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم وتأثيراتها السلبية على علاقة المسلمين بالغرب، يلاحظ أن صورة المهاجر المسلم بأوروبا أصبحت مرتبطة بقضايا الإرهاب، خاصة خلال السنوات الأخيرة.. كيف ترون ذلك؟

- الكل يعترف بوجود صورة سلبية عن المسلم في الغرب، بسبب الأحداث التي يعرفها العالم منذ تفجيرات 11-9-2001 بالولايات المتحدة، مرورا بـ11 مارس في مدريد و7 يوليو ببريطانيا.

هذه الأحداث عبرنا لحظة وقوعها عن رفضنا المطلق لها، وأوضحنا للجميع أن ديننا لا علاقة له بها، بل إنه يجرمها.

ولتحسين العلاقة وردم الهوة بين المجتمعات الغربية والمسلمين نسعى منذ زمن لبناء مسلم متشبع بمبادئ دينه، لكنه في الوقت نفسه منسجم مع شركائه بالوطن الذي يعيش به طبقا للقوانين السائدة. ولا يخفى عليكم أن هناك أشكالا من الخوف والريبة بين المسلمين وبعض فئات المجتمعات الأوروبية، ونحن مدعوون كأقلية وكمنظمات تمثيلية لتبديد هذه الأجواء السلبية، حتى نجعل الإسلام في وئام كامل مع الأديان الأخرى ويتواصل معها.


خطأ التعميم


عناصر الريبة التي تحدثت عنها تكرست من خلال ممارسات بعض التيارات السياسية بالغرب، والتي كان من أبرز تجلياتها الرسوم المسيئة. فما تفسيركم لهذا التصعيد، وكيف تقيمون تأثيراته على علاقة الغرب بالإسلام؟

- لا ننكر أن هناك جهات بأوروبا تتخوف من الإسلام، وهي استثناء من القاعدة العامة التي تحترم الإسلام، لكن ما يجب على كل المسلمين معرفته هو أن غالب هذه الجهات تنتمي لتيارات يمينية عنصرية متطرفة.

ونحن إذ نؤكد هذه الحقيقة نود تنبيه المسلمين لضرورة توخي الحذر في التعامل مع هذه الحالات الشاذة، وتجنب التعميم لأن غالبية المجتمعات الأوروبية منفتحة على الآخر، بل مدافعة عن حقه بالوجود، واليمين المتطرف سيكون سعيدا لو تكرست الهوة بين الإسلام والغرب، ويلاحظ أن جل الأحزاب السياسية والتيارات الفكرية والدينية انتقدت الإساءة للإسلام.

وما حدث خلال أزمة الرسوم المسيئة خير دليل.. فقد نشرتها في البداية جريدة دنماركية هامشية متطرفة، وقد تنبهت الحكومة وكذلك تيارات سياسية متنوعة إلى هذا الخطأ المشين، وعبرت عن رفضها له، وشارك كثيرون في المظاهرات السلمية المنددة بتلك الرسوم، لكن علينا كمسلمين أن نفهم أنه داخل الديمقراطيات الغربية لا يمكن للحكومة أن تلجأ للمنع المباشر لجريدة ما.


لكن على الأقل كانت الصورة ستبدو أوضح لو أقامت الحكومة مثلا دعوى قضائية ضد الصحف التي نشرت تلك الإساءات حتى تبرهن للمسلمين أنها ضد الإساءة إليهم؟

- إقامة مثل هذه الدعاوى يجب أن يكون من جانب المنظمات الإسلامية بأوروبا، فهناك أشياء كثيرة كان بإمكاننا القيام بها بدل المظاهرات وانتظار الاعتذار، وأعتقد أنه علينا تطوير آليات مواجهة مثل هذه الظواهر المسيئة، وأن نطلب الدعم من كل الحكومات الأوروبية بدلا من وضعها في قفص الاتهام ومطالبتها باعتذار عما قام به متطرفون عنصريون.


دليل قوة


لكن كيف تفسرون تصاعد وتيرة هذه الإساءات في السنوات الأخيرة؟

- علينا كمسلمين أن نفهم أن كل الإساءات السابقة والحالية وربما اللاحقة لمقدساتنا ورموزنا الدينية هي دليل على قوة الإسلام المتنامية بالغرب وتأثيره المباشر في حياة الملايين بأوروبا (عدد المسلمين بأوروبا حوالي 15 مليونا).

المسلمون حاليا يضطلعون بأدوار قيادية وحاسمة بعدد من البلدان التي يعيشون بها؛ وخلال الانتخابات التي جرت بفرنسا وبلجيكا مؤخرا شارك كثير من المسلمين ضمن لوائح أحزاب مشهود لها بالريادة والقوة، وفي هولندا نفسها يشارك بالحكومة الحالية وزيران من أصل مسلم، وببلجيكا أيضا وزراء مسلمون، وأيضا بفرنسا وغيرها.

هذه التحولات هي التي يجب التركيز عليها لتقويتها وتطويرها، وبالمقابل فإن تيارات اليمين المتطرف تكره هذا الدور الريادي المتنامي للمسلمين، لذلك لا تكل من اتباع جميع السبل للإساءة إليهم وإلى الإسلام.


في ظل المؤشرات السابقة وما يشهده الغرب من تنامي النزعات والتيارات اليمينية، كيف تقرءون مستقبل الإسلام بأوروبا؟

- الإسلام في أوروبا بخير، وهو يتقوى يوما عن يوم، وقدرته على الاندماج والتواصل أكبر مما يتصوره حتى بعض المدافعين عنه. وسأعطي مثالا بمدينة عشت فيها وهي "ستراسبورج" بفرنسا، فهذه المدينة تضم مركزا إسلاميا كبيرا تكلف بناؤه سبعة ملايين يورو، ساهمت بلدية المدينة فيها بحوالي مليوني يورو بجانب تخصيص قطعة أرض للمركز ثمنها يتجاوز مليوني يورو. وهذا المركز يضم أكبر مسجد بأوروبا كلها.

وكذلك هناك مبادرات لإنشاء دور عبادة وهيئات تمثيلية للمسلمين ببلدان أوروبية أخرى، إضافة إلى أن أغلب الدول تدعم كثيرا من المشاريع الإسلامية، وهذا يؤشر على أن التعامل الإيجابي مع المسلمين هو الاتجاه الرسمي للأنظمة.

أما المشاكل العالقة من مثل قضايا الحجاب أو التنصت فيمكن اعتبارها مشاكل "عادية" بعضها موجود بالدول الإسلامية، فالمطلوب إذن أن نتعامل مع المشاكل بحجمها الطبيعي.


على ذكر التنصت، ثبت أن أجهزة الأمن تتنصت على بعض أفراد الأقليات المسلمة، بل حتى على المساجد. فالأمر يتعلق إذن بأنظمة رسمية وليس فقط بتيارات سياسية متطرفة؟

- هناك تجاوزات خطيرة تقع بالمجتمعات الأوروبية، سواء من طرف التيارات المتطرفة أو حتى الأنظمة، ومن واجبنا مقاضاة المتجاوزين وردعهم عن مواصلة تلك التجاوزات، لكن -وبالتوازي مع ذلك- على كل المسلمين الوقوف ضد الممارسات الإرهابية المتطرفة التي ترتكب باسم الإسلام وتؤثر سلبا على حياة المسلمين بالغرب، وعلى المنظمات الإسلامية بأوروبا أن تعبر بقوة عن رغبتنا كمسلمين في الاندماج داخل أوروبا كمواطنين صالحين ملتزمين بالقانون.


لكن الغرب هنا يرتكب خطأ التعميم نفسه، من خلال اعتبار كل المسلمين إرهابيين فقط لأن حادثا متطرفا وقع هنا أو هناك.

- هذا صحيح، لكن أود التركيز على ذاتنا كمسلمين، يجب ألا نطالب الآخرين بالقيام بمبادرات ما دون أن نلتفت نحن إلى تصرفاتنا، يهمني كثيرا أن نغير أساليب فهمنا للأشياء، فالمجتمعات الغربية ليست كتلة واحدة متجانسة، بل فيها تيارات فكرية وسياسية على قدر كبير من الوعي، وكلما وقع تجاوز حتى من الدولة نفسها رأينا تلك التيارات تقف ضدها وتعاقبها في الانتخابات.

لذا علينا أن ننظر أولا إلى أنفسنا كمسلمين في طريقة تعاملنا مع ما يحيط بنا من وقائع، وإعادة النظر في ردود فعلنا تجاه من يسيء إلينا، وأؤكد أن التواصل ثم التواصل هو الحل الوحيد.. والإسلام له من القوة والجاذبية ما يجعله ينتصر.


على مذهب مالك


تركزون على قضية التواصل باعتبارها الحل الأوحد لتحسين العلاقات بين الإسلام والغرب، فما هي آليات هذا التواصل؟

- حان الوقت ليطلع كل واحد على دين الآخر وثقافته في إطار من التفاهم والرغبة في التعايش المشترك، ونحن ملزمون بأن نطلع على الأديان الأخرى، وعلى الآخرين كذلك أن يدرسوا ديننا اعتمادا على مصادره الأصيلة، وهذا بالتأكيد سيدفع بالأوضاع إلى التحسن؛ وهو ما يحقق مصلحة الجميع في نهاية المطاف.

لا بد أن نفتح قنوات تواصل وحوار مع المجتمع الغربي المعتدل حتى يعلم حقيقتنا كمسلمين.. وعندما كنت خطيبا بالمساجد والمحاضرات كنت أقول للحاضرين: لو كان لكل واحد منكم صديق أوروبي فذلك يعني أن هناك 15 مليون مواطن أوروبي أصدقاء لنا في بلدانهم، وهؤلاء بإمكانهم دعمنا في قضايانا العادلة، وسوف يساهمون بالتأكيد في إيصال حقيقة ديننا الحنيف واعتدالنا الأكيد لبقية الأوروبيين.


صرحتم في بعض المناسبات بأن المذهب المالكي قد يضطلع بدور مهم في عملية المصالحة بين الإسلام والغرب.. فلماذا المذهب المالكي بالتحديد؟

- بالغرم من نشأة المذهب المالكي بالمدينة المنورة، فقد ترعرع ونما على أرض أوروبية؛ هي الأندلس.

وكثير من رموز المالكية تأثروا بالعقلية الأوروبية وأثروا فيها بفضل تعاملهم المباشر مع الأوروبيين من مسيحيين ويهود وغيرهم (أمثال ابن رشد، وابن خلدون... إلخ)، كما أن أصول المذهب المالكي فيها من المرونة ما يمكنها من إيجاد حلول لما تطرحه المجتمعات الغربية من تحديات على المسلمين.

وهو أيضا مذهب طور مبادئ مهمة مثل "المصالح المرسلة" و"العرف التشريعي" و"شرع من قبلنا"، وهذه المبادئ ستساعد حتما الأقليات المسلمة على الاندماج في مجتمعاتها الجديدة.

هذا إلى جانب تشجيع المذهب المالكي للاجتهاد ونحن نعلم أن الإمام مالك رضي الله عنه حين سئل في أربعين مسألة أجاب عن أربعة وترك 36 قائلا: "الله أعلم". إذن فنحن إذا ركزنا قليلا على الجانب الفقهي نستطيع الدخول إلى المجتمعات الغربية، والعمل على إحداث التواصل والحوار المطلوب بينها وبين العالم الإسلامي.

المصدر: أحمد حموش، موقع إسلام أونلاين، 18 مارس 2008



Google+ Google+