د.عبد الله بوصوف: العلمانية أفادت المسلمين في أوروبا

السبت, 13 يونيو 2009

يرى الدكتور عبد الله بوصوف، مدير المعهد الأوروبي الإسلامي للثقافة وللحوار ببروكسيل، أن المذهب المالكي غائب في صفوف الجالية المغاربية المقيمة بالخارج؛ معتبرا أن هذا المذهب يمكن أن يكون عاملا مناسبا للجالية في أوروبا.

Lire la suite...


وفيما يخص الروابط التي ينبغي الاشتغال عليها فيما يتعلق بالجالية المغربية، يقول بوصوف، إنها بالدرجة الأولى روابط روحية وثقافية. كما دعا بوصوف إلى التعامل مع الآخر كما يقدم نفسه وليس بناء على فكرتنا التي ترسخت في ذهننا عليه، كما شدد على ضرورة «تطبيع» العلاقات بين المجتمعات الغربية والإسلام.

تتشكل الهوية الثقافية والدينية المغربية من عدة مكونات، من بينها المكون الديني الفقهي المتمثل في المذهب المالكي هل هناك حضور لهذا المذهب على مستوى الجالية المغربية المقيمة بالخارج؟

المذهب المالكي غائب في صفوف الجالية المغاربية المقيمة بالخارج. فعلى مستوى الأدبيات الدينية، التي نجدها في المكتبات والخزانات في أوروبا، ليس هناك كتاب واحد يتحدث عن المذهب المالكي.


ما هي الإضافة التي تعتقد أن المذهب المالكي سيضيفها إلى الدور المنوط بالمغاربة في أوروبا؟

المذهب المالكي يمكن أن يكون عاملا مناسبا للجالية المغاربية في أوروبا، على اعتبار أن هذا المذهب تطور على أرضية أوروبية (الأندلس). ثم إن فلسفة هذا المذهب تمنحنا مجموعة من الأدوات والأصول التي تمكننا من الاندماج في هذه المجتمعات. ثالثا: يتوفر هذا المذهب على وجوه هامة كابن رشد الفقيه المالكي الكبير والمعروف في أوروبا كواحد من كبار الفلاسفة العقلانيين، وكابن خلدون الذي كان عالما ومؤرخا وعالم اجتماع وكذلك كان فقيها مالكيا كبيرا، وكابن عربي الذي كان فيلسوفا وصوفيا وفقيها مالكيا.

والأوروبيون يعرفون جيدا هذه الوجوه، وعن طريقها يمكن الوصول إلى نوع من المصالحة بين الإسلام والغرب.ألا يكون ربط الجالية المغربية المقيمة بالخارج بمقومات هويتها الأصلية متعارضا مع دعوات الاندماج في المجتمعات الغربية بشكل عام؟
الروابط التي ينبغي الاشتغال عليها فيما يتعلق بالجالية المغربية هي بالدرجة الأولى روابط روحية وثقافية. وشخصيا أتحفظ على مسألة الروابط السياسية المرتبطة بالأحزاب السياسية وبالانتخابات، إنما يجب أن تكون روابط متعلقة بثوابت الدولة وليس مع التنظيمات السياسية المختلفة!

وعندما أتحدث عن المذهب المالكي لا أتحدث عنه في أحكامه التفصيلية، ولا أطالب بنقل تلك الأحكام وتطبيقها في المجتمعات الأوروبية، إنما أتحدث عن روح هذا المذهب المبنية بالأساس على المصالح المرسلة، والعرف، وشرع من قبلنا...

من يتحمل مسؤولية التفاف نسبة كبيرة من الجالية المغربية على مذاهب فقهية أخرى غير المذهب المالكي؟

الدولة تتحمل جزءا من المسؤولية لأنها لم ترافق هذه الهجرة إلى أوروبا بنوع من التأطير في الميدان الديني، مما ترك فراغا كبيرا. والمسلم المغربي عندما يعمد إلى تعلم دينه لا يجد أمامه سوى بعض الكتب التي ترد عليه من المشرق، وهو لا يفرق بين الجيد وغير الجيد فيها!
من ناحية ثانية، يجب التذكير بأن الإرث الفقهي المغربي -والغرب الإسلامي بشكل عام- يكاد يكون مفقودا في أوروبا، فكل مساجد أوروبا تحوي كتبا ومجلدات ومنشورات تأتي من بلاد المشرق، وفي المقابل ليست هناك كتب تأتي من المغرب.

ما المطلوب من المسلمين القيام به في ظل أجواء الحرية التي يعيشونها داخل أوروبا، وفي دول أخرى؟

على المسلمين أن يكونوا عنصرا إيجابيا، وعنصر أمن واستقرار وازدهار لتلك المجتمعات. وأن يحرصوا على الدفاع عن مبادئ التعددية الثقافية والدينية، وأن ينخرطوا في الحوار مع الأديان الأخرى. وأن يشكلوا صلة وصل مع العالم الإسلامي. خاصة مع انتشار موجة الخوف الذي تذكيه جهات يهمها أن تبقى العلاقة بين الإسلام والغرب علاقة صدامية خاصة فوق الأراضي الغربية، والمطلوب من المسلمين أيضا «تطبيع» العلاقات بين المجتمعات الغربية والإسلام، وجعل الإسلام دينا كسائر الأديان. إن هناك مجموعة من المكتسبات الإيجابية يجب التوسع من نطاقها كما ينبغي تحسين صورة الإسلام.

في رأيك، ما هو الموقف السليم الذي ينبغي أن يتخذه المسلمون من العلمانية في أوروبا؟

العلمانية أفادت المسلمين كثيرا في أوربا. وأنا كمسلم أوروبي متشبث بالعلمانية وأدافع عنها. لأن هذه العلمانية هي التي تتيح لي الفرصة كي أمارس شعائري الدينية بكل حرية، وتعاملني على مستوى القوانين على قدم المساواة مع المواطنين الآخرين. ففي ففترة الدولة الدينية في الأندلس لم يجد المسلمون واليهود راحتهم لممارسة الشعائر، وعندما برزت الدولة العلمانية ظهرت معها الحرية المطلقة لممارسة تلك الشعائر.

بعض المسلمين في الغرب ينظمون أنفسهم في إطار كيانات إسلامية أو دينية بدعوى الحفاظ على الهوية. هل توافق على هذا الاتجاه في التفكير والممارسة؟

التأطير في إطار ديني، والدعوة إلى تأسيس حزب سياسي إسلامي في أوروبا... كل هذا يخيف المجتمعات الأوروبية. إننا بعملنا هذا نعيد طرح الإشكالات التي تجاوزتها أوروبا منذ قرون!
وحتى مسألة الدفاع عن قضايا المسلمين من قبل المسلمين في أوروبا، ينبغي أن نعيد النظر فيها. وفي هذا الصدد إذا تبنينا الدفاع عن قضايا المجتمع ككل وانخرطنا مع الهيئات السياسية الأخرى في الدفاع عن هذه القضايا، فستصبح قضايانا متبناة من قبل المجتمع الأوروبي. أما أن نستمر في العيش في مجتمع ثم نطور من الوسائل ما يجعلنا نعيش على هامشه؛ عندما ننتظم في إطار ديني أو قومي أو في إطار ما يسمى بـ«الكيتوهات»، فإن هذا بالضبط ما يخيف هذه المجتمعات. وإذا أضفنا إلى هذه الاعتبارات حلم أو وهم بعض المسلمين في تكوين دولة على أسس دينية في أوروبا فإن الخوف من الإسلام سيكون أعظم! ولذلك، في إطار تقريب الإسلام من الغرب، أدعو إلى عدم استعمال مصطلح غير المسلمين في خطابنا. فلماذا عندما نتحدث عن الآخرين نقول: غير المسلمين؟! يجب بالأحرى أن نتحدث عن مكونات المجتمع أو نقول «النصارى» أو «اليهود»، ولا نجعل من أنفسنا المركز والمرجعية.

هل المساجد والمؤسسات الإسلامية في أوروبا قادرة على الاضطلاع بما ذكرته؟

نعم. لكن إذا كانت واحات لقاء، وليس فضاءات منغلقة على نفسها، كما هو الحال الآن. والمسجد ينبغي أن يكون أيضا مكانا للاستقبال. ويمكن استغلال المناسبات الدينية من أجل الانفتاح على المجتمع الذي نعيش فيه. وفي هذا الصدد أدعو جميع المساجد بفرنسا لإنشاء ما يمكن تسميته بـ«اليوم المفتوح«، والذي يجب أن يتوافق مع ما يسمى في فرنسا بـ«La journée du patrimoine» (يوم التراث). لماذا لا تخصص المساجد في فرنسا نشاطا من أجل الوطن الذي تعيش فيه، فمثلا يمكن تخصيص نشاط بمناسبة ما يسمى بـ«14« Juillet ( العيد الوطني الفرنسي)، على غرار الأديان الأخرى، حتى نبين أننا يعنينا مستقبل هذا البلد ونحرص عليه كما يحرص عليه غيرنا. كما يمكن استغلال مناسبات أعياد ميلاد المسيح وأعياد اليهود من أجل التعبير عن احترامنا لهؤلاء.

المصدر: مجلة مدارك، 10/01/2007

Google+ Google+