يشارك مجلس الجالية المغربية بالخارج مرة أخرى في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، والذي فرض نفسه كموعد ثقافي أساسي في الأجندة الثقافية العربية والإفريقية وحتى الدولية.

وقد تمحورت مشاركات المجلس الأخيرة على إشكالات عميقة تواجه الهجرة المغربية في المجتمعات الغربية. طرحنا للنقاش والتحليل تحديات العيش في مجتمع متعدد والفرص التي تتيحها هاته المجتمعات، وناقشنا قبلها إشكالات التوترات الهوياتية في مجتمعات الاستقبال، وحاولنا تعميق التفكير بإشراك كافة الفاعلين والمؤسسات المعنية في المغرب وفي دول الإقامة، وقمنا ببلورة مقترحات أجوبة للأسئلة الجديدة التي تطرحها مجتمعات الاستقبال.

لقد خلصنا من خلال دراسة خصائص الهجرة المغربية إلى أن الاندماج السلس للجاليات المغربية في مختلف دول الاستقبال مرده بالأساس إلى المساحة التي تتيحها هويتهم المغربية المتعددة لاستقبال مختلف الثقافات، والتعايش مع الآخر، من دون أن يشكل هذا الاحتكاك الثقافي أي صدام هوياتي، بل يصبح هذا الالتقاء عاملا إيجابيا يتيح إثراء وإغناء ثقافات دول الإقامة والاستفادة من العناصر الثقافية التي توفرها هذه الدول دول من أجل تطعيم وإثراء الهوية الأصلية.

من هذا المنطلق تبحث مشاركة مجلس الجالية المغربية بالخارج في الدورة 25 للمعرض الدولي للنشر والكتاب فتح النقاش حول حضور الثقافة المغربية خارج الحدود عبر مغاربة العالم، واكتشاف مكوناتها وتعميق المعرفة في التحديات التي تواجهها.

وتهدف هذه المشاركة إلى استشراف وسائل استثمار الثقافة المغربية في تعزيز مساهمة مغاربة العالم في تنمية ثقافات مجتمعات الاستقبال؛ وكذا بحث الأدوار التي يمكن أن يلعبها مغاربة العالم المبدعين في تقوية مكانة الثقافة المغربية ضمن الثقافية العالمية عبر انتاجاتهم الثقافية بمختلف اللغات؛ بالإضافة إلى فتح المجال أمام الثقافة المغربية من أجل الاستفادة من من الفرص التي توفرها العولمة لتسهيل نقلها إلى الأجيال الجديدة لمغاربة العالم وتبسيط إيصال روافدها إلى غير المغاربة.

وكعادته في مختلف مشاركاته في هذا الموعد الثقافي العالمي يقترح رواق مجلس الجالية المغربية بالخارج على زواره برمجة غنية ومتنوعة تعكس تنوع إبداعات مغاربة العالم.

سنكون سعداء باستقبال جمهور المعرض الدولي للنشر والكتاب، في رواق مجلس الجالية المغربية بالخارج من أجل التبادل والتفاعل وتقاسم تجارب الهجرة.

عبد الله بوصوف

الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج

في سنة 1960 لم يكن في هولندا سوى ثلاثة مغاربة يحملون تصريحا بالإقامة في هذا البلد الأوروبي، وبعد خمسين سنة تسجل الإحصاءات الرسمية وجود أكثر من 400 ألف من أفراد الجالية المغربية في هولندا أغلبهم يحملون جنسية هذا البلد الأوروبي إضافة إلى جنسية وطنهم الأصل.

في خمسين سنة تحول الحضور المغربي في هولندا من يد عاملة ساهمت في بناء الاقتصاد الهولندي وفي تحقيق الرخاء الاقتصادي، إلى مكون إنساني أساسي في هذا المجتمع الأوروبي يتمتع بمواطنته الكاملة ويساهم في كافة مناحي الحياة، بل أصبح تاريخ الهجرة المغربية جزءا لا يتجزأ من تاريخ هولندا والمغرب مثلما أظهر ذلك مؤلف "تاريخ المغاربة في هولندا" (إصدارات مجلس الجالية المغربية بالخارج 2016).

في السنوات الأخيرة هناك رصد لمجموعة من الظواهر على مستوى الهجرة المغربية في هولندا، فبالإضافة إلى كونها هجرة شابة ومؤنثة ومندمجة، وهي خاصيات تشترك فيها معظم الجاليات المغربية في مجتمعات الإقامة في الأوروبية، فإن الجالية المغربية في هولندا أصبحت من أكثر المجموعات المهاجرة حضورا في المجتمع الهولندي، ومن اكثرها تأثيرا بين مختلف المجموعات المهاجرة.

فإذا تحدثنا على الجانب السياسي نجد بأن السياسيين الهولنديين من أصل مغربي استطاعوا أن يفرضوا وجودهم في ظرفية سياسية صعبة. فبالرغم من الحضور القوي لتيارات اليمين المتطرف في هذا البلد الأوروبي على رأسها حزب خيرت فيلدز الذي يخوض هجمات شرسة على مغاربة هولندا وعلى الهجرة عموما، إلا أن السياسيين من أصل مغربي تمكنوا من تغيير الصورة النمطية التي تحاول هذه التيارات تحجيمهم فيها، فانتزعوا شرعيتهم الانتخابية من المجتمع الهولندي المتعدد والمنفتح، وهو ما قلدهم مناصب مهمة مثل عمودية مدينتين كبيرتين هما روتردام وأرنهايم، إضافة إلى رئاسة البرلمان من طرف السياسية من أصل مغربي خديجة عريب؛ من دون أن تفوت الإشارة إلى الشاب الذي سطع نجمه بشكل ملفت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وقدم بديلا سياسيا يعكس دينامية المجتمع الهولندي المتعدد في مواجهة العنصرية، هو الشاب جيسي كلايفر زعيم حزب الخضر، المولود من أب مغربي وام أندونيسية... ولا يسعنا المجال هنا لتعداد كافة المغاربة المنتخبين في عدد من المجال البلدية والمؤسسات التمثيلية.

أما حضور الأفراد المنحدرين من الهجرة المغربية في مجال الثقافة والبحث العلمي فيشهد عليه عدد الأستاذة والباحثين من أصل مغربي في جميع التخصصات في أكبر الجامعات الهولندية كجامعة أمستردام ولايدن، وقد تابعنا مؤخرا تعيين الدكتور سعيد حمديوي، كأول أستاذ كرسي من أصل مغربي في هولندا، من طرف المجلس التنفيذي لجامعة دلفت للتكنولوجيا المصنفة من أحسن الجامعات عبر العالم.

كما ان روايات فؤاد العروي وعبد القادر بنعلي وحفيظ بوعزة، والإنتاجات الفنية لممثلين ومغنيين مثل "علي ب" و"ريهاب" ونجيب أمهالي وهند العروسي، وتصميمات الشاب كريم أدوشي الذي صنفته مجلة فوربس الأمريكية كأحد أكثر الشخصيات الشابة تأثيرا... كلها شواهد على أهمية الحضور المغربي في إغناء الثقافة الهولندية، ودورهم في إعطاء إشعاع عالمي للثقافة المغربية بما أنها تشكل جزءا رئيسيا في هويتهم المتعددة وتعكسها أعمالهم وإبداعاتهم باللغات العالمية.

وبما أننا في غمرة مونديال روسيا، فهي مناسبة للتوقف قليلا على الكفاءات الرياضية المنحدرة من الهجرة المغربية في هولندا والتي أتبتت مستواها العالي في أعرق الأندية الهولندية مثل أياكس أمستردام وفاينورد، وأوترخت... واختارت التعبير عن قوة انتمائها إلى وطنها الأم المغرب بقرار حمل قميصه الوطني والتفاني في الدفاع عنه، فكانوا فعلا أفضل سفراء للهجرة المغربية في هولندا في هذا الحدث الكروي العالمي، مما أكسبهم حب إخوتهم المغاربة في المغرب وفي العالم؛ وأيضا حب أبرز نجوم الكرة الهولندية مثل فان نيستروي، وكليفيرت وسنايدر والمدرب فان خال، الذين شجعوا في أشرطة مصورة بقبعات وأعلام مغربية المنتخب الوطني ولاعبيه المزدادين في هولندا.

إن الغاية من تسليط الضوء على جزء يسير من الحضور البارز للهجرة المغربية في هولندا وارتباطها بوطنها الأم تكمن في إثارة الانتباه حول هذه الفئة من مغاربة العالم، ودعمها وإيلائها الاهتمام اللازم في سياساتنا العمومية والخدمات الموجهة لمغاربة العالم، ومن خلالهم تكريم الجيل الأول من المهاجرين المغاربة في هولندا نساء ورجالا، نظير ما قدموه لهؤلاء الشباب.

يشارك مجلس الجالية المغربية بالخارج في الدورة 24 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء من 8 إلى 18 فبراير 2018، بإبداعات الكتاب المغاربة في الخارج، وذلك لتجدد اللقاء مع الجمهور المغربي، وطرح إشكاليات الهجرة المغربية والتحديات التي تواجه الجالية المغربية بالخارج عبر موائد مستديرة وندوات مفتوحة لتعميق النقاش حولها، في محاولة لاستلهام إجابات واقعية فعالة ومقبولة من طرف كافة الفاعلين.

في سياق التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها مختلف دول إقامة الجالية المغربية في الثلاث سنوات الأخيرة، خصوصا مع تنامي التيارات اليمينية، ونشاط الجماعات الدينية المتطرفة، وانتشار مظاهر العنصرية والإسلاموفوبيا، تطرح قضايا الهوية والدين والثقافة نفسها أكثر من أي وقت مضى على أفراد الجالية المغربية بالخارج، وتفرض الحاجة إلى تفكير عميق وجدي لبلورة نموذج قادر على تحصين مغاربة العالم من ارتدادات هذه التحولات وتيسير اندماجهم في المجتمع المتعدد والمساهمة الإيجابية في ديناميته.

من خلال مشاركتنا في دورة هذه السنة من المعرض الدولي للنشر والكتاب الذي أضحى واحدا من أهم المواعيد الثقافية على الصعيد الدولي، نطمح إلى مناقشة وتحليل مختلف عناصر العيش في مجتمع متعدد بحضور مفكرين ومثقفين وأكاديميين وفاعلين سياسيين وثقافيين وجمعويين من مختلف دول الهجرة المغربية؛ وإبراز قيم التعدد والانفتاح الراسخة في الهوية المغربية وغنى الروافد المشكلة لها، وهي القيم التي يمكنها أن تقدم إجابات مناسبة في المعيش اليومي لمغاربة العالم في دول الإقامة؛ كما ستكون لنا فرصة عرض جوانب من تاريخ السفر والهجرة الذي بصم شخصية الإنسان المغربي وساهم في نحتها عبر الزمن، أمام جمهور الشباب من خلال برمجة خاصة تمزج بين الأنشطة التربوية والتثقيفية.

وكعادته في كل مشاركاته السابقة ضمن هذا الحدث الثقافي، ومن أجل مشاركة تراكمه المعرفي حول الهجرة المغربية وتقريبه من المؤسسات الوطنية والجمهور الواسع، سيعرض رواق مجلس الجالية المغربية بالخارج آخر الإصدارات العلمية التي اهتمت بمختلف إشكاليات الهجرة المغربية، بالإضافة إلى المؤلفات الأدبية التي أبدعها الكتاب والشعراء المغاربة في المهجر.

عبد الله بوصوف

الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج

هنيئا لنا بمنتخبنا الوطني الذي رفع رؤوسنا عاليا في سماء القارة وأدخل الفرحة والسرور لبيوت ملايين المغاربة داخل الوطن وخارجه، وضرب لنا موعدا هناك في روسيا حيث سيرفع العلم الوطني عاليا في سماء المونديال.

منذ ما يقرب العشرين سنة والجمهور المغربي ينتظر عودة أسود الأطلس إلى نهائيات كأس العالم. فمنذ آخر مشاركة لنا في فرنسا سنة 1998 لم يعش فرحة المونديال عدد كبير من الشباب المغربي الحالي ومازال جل المغاربة يحتفظون بذكريات مختلطة عن آخر مشاركة مغربية، بين الفرح والحسرة، فرحة أهداف حاجي وبصير وكماتشو، وحسرة حسابات مباراة البرازيل والنرويج الغير العصية على التفسير.

يوم 11 نونبر 2017 سيظل راسخا بأذهاننا، لأن أسود الأطلس زأروا في أدغال أبيدجان، فوصل صداهم إلى موسكو؛ وسيظل راسخا أيضا في قلوبنا لأن ملحمة أبيدجان أظهرت مرة أخرى تلاحما منقطع النظير بين مغاربة الوطن ومغاربة العالم. هذا التلاحم الوطني يؤكد ارتباط مغاربة العالم الوجداني بوطنهم الأم، ووجودهم رهن إشارته متى كان في حاجة لهم.

في قلب العاصمة أبيدجان لن ننسى الاستقبال الحافل الذي خصصه مغاربة الكوت ديفوار لبعثة المنتخب الوطني، بالأعلام والأغاني المغربية وكأنهم يحلون بإحدى المدن المغربية؛ وداخل الملعب رسمت الجماهير المغربية صورة رائعة في المدرجات بين المشجعين القادمين من المغرب وإخوانهم المقيمين في الكوت ديفوار الذين يمثل الأمر بالنسبة لهم أكثر من مجرد مباراة، بل واجبا وطنيا ولحظة تعبير عن الحب والارتباط، وتلبية نداء الوطن، ترجمتها يافطة ضخمة تحمل عبارة "هب فتاك لبى نداك".

أما في أرضية الملعب فسيجل التاريخ بأن 18 لاعبا من مجموع لائحة المنتخب الوطني (26 لاعبا في المجموع) هم نتاج الهجرة المغربية، أغلبهم ازدادوا ونشأ وتكوّنوا في بلدان الإقامة، ولكنهم اختاروا حمل القميص الوطني بالرغم من الإغراءات التي قدمتها لهم منتخبات عالمية مثل ألمانيا وهولندا وفرنسا ... للعب في صفوفها.

لقد ساهم نبيل درار والمهدي بنعطية وحكيم زياش وأشرف حكيمي والآخرون من الكفاءات الرياضية المغربية في مختلف المجالات، في الرفع من شأن بلدهم الأم في المحافل الدولية، وهناك كفاءات مغربية أخرى في مجالات الفن والثقافة والسياسة والاقتصاد تسطع كنجوم في سماء بلدان الإقامة ولا تتردد في تلبية نداء وطنها الأم للإسهام في تقدمه وتنميته وإشعاعه الدولي.

إن الارتباط الوجداني لمغاربة العالم أينما كانوا بوطنهم الأم يفرض علنا جميعا جعل الملايين من مغاربة العالم في قلب اهتمام وعناية بلدهم الأصلي، سواء عبر التفكير في الرفع من الخدمات المقدمة إليهم، أو وضع التشريعات الملائمة للحفاظ على حقوقهم وضمان مواطنتهم الكاملة، وكذا إشراكهم في مختلف أوراش التنمية عبر الاستفادة من خبراتهم المتراكمة في ميادين اشتغالهم وفتح الآفاق الاستثمار في بلدهم الأم وتبسيط المساطر الإدارية أمامهم.

نغتنم تألق الكفاءات الرياضية المغربية لنثير اهتمام الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين والمجتمعيين في المغرب لقضايا مغاربة العالم، وللدور المحوري الذي يضطلعون به في خدمة بلدهم الأم والذي يستدعي من كافة الفاعلين استحضار بعد الهجرة في جميع المؤسسات والقوانين، ليس فقط لرد الاعتبار لهم، بل أيضا من أجل التنزيل السليم للمقتضيات الدستورية الذي يضمن المواطنة الكاملة لمغاربة العالم ويحث على إشراكهم في المؤسسات، وهو الأمر الذي ما زلنا للأسف نفتقده في جل المجالس ومؤسسات الحكامة التي عقبت دستور 2011.

مرة أخرى شكرا لمغاربة العالم أينما كانوا، وشكرا للاعبي المنتخب الوطني وشكرا لمغاربة الكوت ديفوار على تلبية نداء الوطن، وشكرا لملايين المغاربة في كل الأقطار الذين جفت حناجرهم في تشجيع أسود الأطلس للوصول إلى مونديال روسيا 2018.

سنة أخرى تمر بعد آخر تخليد لليوم الوطني للمهاجر والإشكاليات المرتبطة بمغاربة العالم في دول الإقامة تزيد تعقيدا، سنة أخرى تمر ومظاهر مساهمتهم في تنمية وطنهم الأم تزداد بروزا، سنة أخرى تمر وغياب قضاياهم عن النقاش العمومي المغربي تطرح أكثر من تساؤل حول العلاقة التي نريد تأسيسها مع هؤلاء المواطنين باعتبارهم جزء لا يتجزأ من الوطن.

يأتي تخليد اليوم الوطني للمهاجر هذه السنة بتزامن مع ظرفية خاصة من تاريخ المغرب المؤسساتي، ظرفية شخّصها صاحب الجلالة الملك محمد السادس بدقة في خطابه الأخير بمناسبة عيد العرش عندما نبه إلى الأعطاب التي تواجه الإدارة العمومية وتضعف مردوديتها وتؤثر على حكامتها.

لن نتطرق لعمق الإشكاليات المتعلقة بالهجرة المغربية، سواء الاقتصادية منها أو الاجتماعية أو الثقافية بمختلف مجتمعات الإقامة، ولأن المناسبة شرط، وهذه الظرفية تجعل من الأهم أن نسائل أنفسنا كمؤسسات مكلفة بتدبير قطاع استراتيجي تزيد الفئة المستهدفة منه على خمسة ملايين شخص ويساهم بـ 62.6 مليار درهم على شكل تحويلات مالية، بحسب آخر تقرير سنوي لبنك المغرب، دون احتساب إسهامهم في تنشيط الحركة التجارية في مختلف المدن التي ينحدرون منها، خاصة في فترة العطلة الصيفية، ناهيك عن دورهم في التعريف بصورة المغرب، وفي جلب الاستثمارات ونقل الخبرات...

إن هدف البناء الديمقراطي الحداثي الذي يسعى إليه المغرب يقتضي إشراك جميع المغاربة في هذا الورش، ومغاربة العالم لا يشكلون الاستثناء؛ لأنهم أتبثوا في مناسبات عدة وقوفهم إلى جانب وطنهم الأم وارتباطهم به واستعدادهم لخدمته. ومن أجل الاستجابة إلى خصوصية الهجرة، فقد اختار المغرب تحت قيادة صاحب الجلالة إيلاء أهمية خاصة لمغاربة العالم، وهو ما تجسد عبر مجموعة من الخطابات الملكية وأيضا من خلال خلق مجموعة من المؤسسات للإحاطة بقضاياهم والإجابة على متطلباتهم وفهم عمق إشكالياتهم.

وبعيدا عن العدمية، فإنه من الجحود إنكار ما راكمه المغرب في مجال تدبير جالياته بالخارج، أو عدم التنويه بالمجهودات المبذولة في مجال السياسات العمومية في هذا المجال التي بدأت تعطي أكلها ولو بشكل تدريجي. ونحيي هنا تجاوب الحكومة الجديدة مع مذكرة مجلس الجالية المغربية بالخارج بإدراج عدد من النقاط المرتبطة بمغاربة العالم في التصريح الحكومي الذي عرض على ممثلي الأمة، ليكون بمثابة التزام للسلطة التنفيذية بالعمل على الاستجابة إلى جزء من هاته الإشكاليات خلال الولاية الحكومة.

وكذا ننوه باستحضار بعد الهجرة في إنجاز بعض القوانين، مثل تعديل المادة 4 من القانون المتعلق بالحقوق العينية الهادف إلى حماية الممتلكات العقارية للمغاربة، بمن فيهم مغاربة العالم الذين يعانون بشكل كبير من مشكل الاستيلاء على ممتلكاتهم في فترات غيابهم، وتداعيات ذلك على حقوقهم كمواطنين مغاربة وعلى مناخ الاستثمار في الوطن الأم.

كما نطمح إلى المزيد من المقترحات التشريعية والمبادرات الحكومية وغير الحكومية من أجل إشراك مغاربة العالم في المؤسسات العمومية، والاستفادة من الكفاءات والمهارات التي يتوفر عليها مغاربة العالم وجعلها رافعة للتنمية، سواء على الصعيد الوطني أو الجهوي أو المحلي.

لقد وضع صاحب الجلالة في خطابه الأخير الخطوط العريضة لسير القطاعات العمومية، ومن السذاجة الاعتقاد بأن تدبير قطاع الجالية في شموليته غير معني بالتوجيهات الملكية أو أنه منزه عن الأعطاب التي يعاني منها الجسم الإداري المغربي. فجميع من ائتمن على مصالح الناس فهو معني بشكل مباشر، وجميع الفاعلين مدعوون لوضع نصب أعينهم هدفا واحدا هو العمل بفعالية وبروح المسؤولية، كل من مركزه ووفق اختصاصاته، من أجل خدمة مصالح مغاربة العالم.

ونجدد بهذه المناسبة التذكير بأن مجلس الجالية المغربية بالخارج، كمؤسسة استشارية واستشرافية، يضع خبرته رهن إشارة كافة الفاعلين من أجل التحسين من جودة الخدمات المقدمة لمغاربة العالم في جميع المجالات، والسهر، كل ما اقتضت الضرورة، على تعميق النقاش والترافع حول القضايا والإشكاليات التي تواجه مغاربة العالم داخل الوطن وخارجه.

*الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج

يخلد العالم في الثامن من مارس من كل سنة اليوم العالمي للمرأة، وهي مناسبة للوقوف عن فئة من النساء المغربيات المناضلات اللائي اشتغلن وما يزلن في الظل، وكن حجر الزاوية في بناء المجتمع المغربي كما كن على امتداد التاريخ عامل استقرار واندماج للهجرة المغربية.
وإذا كانت الميزة الأساسية للهجرة المغربية الحديثة هي ظاهرة التأنيث، حيث تمثل النساء أزيد من نصف المهاجرين المغاربة بالخارج، فإن الرهانات التي تواجه المرأة المغربية في دول الإقامة لا تختلف كثيرا عن انتظارات أشقائهن في المغرب بالرغم من اختلاف الظروف والإطار القانوني. فالمرأة المغربية في أمس الحاجة إلى الدفاع عن حقوقها وحفظ كرامتها لأنها مربية الأجيال السابقة والمستقبلية وأساس البناء البشري واستمرارية ارتباط شباب مغاربة العالم بالوطن الأم. 
تتنوع الهجرة المغربية النسائية، بين النساء اللواتي التحقن بأزواجهن في إطار التجمع العائلي، والنساء المهاجرات لأسباب اقتصادية من أجل تحسين ظروفهن الاجتماعية، بالإضافة إلى النساء اللواتي ينحدرن من الأجيال السابقة للهجرة المغربية واللائي طبعن على مسارات ناجحة في دول الإقامة… كلهن ساهمن في رسم صورة المرأة المغربية المثابرة والقادرة على رفع التحديات والمساهمة في البناء جنبا إلى جنب مع الرجل من دون كلل أو أدنى تمييز.
 لقد ولجت المرأة المغربية في الخارج عوالم السياسة والقانون والاقتصاد والثقافة والرياضة، وبلغت مكانة في العلم جعلتها تلقّنه لنخبة دول الإقامة، كما أن المرأة المغربية العاملة في المعامل والحقول  في دول الإقامة، وبلغت مناصب المسؤولية لدرجة تقلدها رئاسة البرلمان في هولندا، وعدة حقائب وزارية في فرنسا، وهي ممثلة للشعب في برلمانات إيطاليا وبلجيكا وكندا وتدير مراكز علمية مهمة في الولايات المتحدة، وتؤثث شاشات العديد من القنوات  الإخبارية في الخليج، وهي حاضرة في الدول الإفريقية تناضل جنبا إلى جنب مع شقيقاتها بل منخرطة في سبيل استقرار إفريقيا وسلمها، ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن تعيين المغربية نجاة رشدي كنائبة للممثل الخاص لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية إفريقيا الوسطى (مينوسكا)، حيث ستعمل أيضا كمنسقة مقيمة، ومنسقة إنسانية للأمم المتحدة بهذا البلد، وكذا ممثلة مقيمة لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، خير دليل على نضالات المرأة المغربية على كافة الأصعدة من أجل البناء والاستقرار والسلام.
كما أن المرأة المغربية المهاجرة تعمل في الحقول وفي معامل ومصانع التصبير وفي البيوت وفي الشركات، ولها منا كل الاحترام والتقدير لما تبذله من جهد وعرق جبين وتحدي الصعاب والمضايقات والمعاملات الغير اللائقة في بعض الأحيان؛ فهي ما فتئت تضرب المثال في المثابرة والجد والإصرار على الاعتماد على النفس والمضي قدما مما يجعلها تكسر الكثير من المفاهيم النمطية حول المرأة المغربية العربية والأمازيغية بشكل عام. كما أن في النساء المغربيات أمهات وأرامل العمال المغاربة الذين بنيت على سواعدهم النهضة الاقتصادية الأوروبية بداية من الستينات والسبعينات في ألمانيا وهولندا وفرنسا وصولا الى الدول الاسكندنافية... بقدر ما يبرز هذا التنوع تعددا في البروفايلات والمسارات وظروف الهجرة بقدر ما يطرح رهانات وتحديات على المؤسسات المكلفة بتدبير الهجرة المغربية ويجعلها أمام أسئلة مستجدة تتطلب أجوبة عملية تلبي مختلف الاحتياجات وتغطي أدق التفاصيل.
فالنساء المغربيات في الخارج خصوصا من ذوات التعليم المحدود يحتجن لمرافقة مستمرة للاستفادة من الحقوق التي يخولها لهن بلدهن الأصلي كمواطنات مغربيات كاملات المواطنة، وكذا الحقوق التي تكفلها لهم الإقامة لمدة طويلة في الخارج، كما أنهم في أمس الحاجة إلى اتفاقيات مع دول الإقامة من أجل نقل حقوقهن الاجتماعية من تقاعد وتغطية صحية إلى بلدهم الأم حتى يضمن حياة كريمة ولا تصبح هودتهن الى الوطن مجرد سراب يترأى لهن لكنه صعب المنال، إن لم يكن مستحيلا.
من جهة أخرى فإن السيدات  المنتميات إلى الجيل الثاني والثالث من الهجرة المغربية هن مواطنات يتنفسن هواء المغرب، وكفاءات في جميع المجالات يشكلن ثروة وطنية يمكنها المساهمة في تنمية وطنها الأم، ورافعة لإشعاع المغرب على الصعيد الدولي، لذلك فإن مسألة إدماجهن في المؤسسات الوطنية والاستفادة من تجاربهن المهنية والعلمية هي أولوية وطنية ومفتاح أساسي لنجاح الأوراش الكبيرة التي تراهن عليها المملكة على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
هذا من دون أن ننسى النساء المهاجرات المتواجدات في وضعية هشة في دول إفريقية وآسيوية وحتى أوروبية، واللواتي  من حقهن كمواطنات مغربيات أن تولى لهن العناية اللازمة في السياسات العمومية ولا يتركن وحيدات في مواجهة مصيرهن وظروفهن الصعبة سواء في بلدان المهجر أو في بلدهم الأصلي، وهو عمل عميق ومعقد يتطلب تظافر جهود جميع الفاعلين المؤسساتيين والمجتمعيين والسياسيين.
إن طريق الهجرة النسائية المغربية لم يكن دوما مفروشا بالورود، فالنجاحات التي حققنها جاءت نتيجة عمل دؤوب ومحاولات متواصلة تطلبت منهن النهوض لمرات عديدة من الكبوات ومواجهة العراقيل، وأقل ما يمكن ونحن نشاطر العالم اليوم الدولي للمرأة هو تسليط الضوء على هاته الفئة من المواطنات المغربيات والتذكير بوجودها وبنضالاتها الصامتة وبمعاناتها وإنجازاتها، من أجل التعمق في فهم إشكالياتها والإلمام بمطالبها والعمل على تحسين ظروفها والاستفادة من خبرتها وحفظ كرامتها داخل الوطن وخارجه.فكل عام والمرأة المغربية المهاجرة بألف خير، ورحم الله النساء المغربيات المهاجرات اللائي سقطن ضحايا الأعمال الإرهابية في إفريقيا وفي أوروبا.

يخلد العالم يوم 18 دجنبر من كل سنة اليوم الدولي للمهاجرين، الذي يشكل مناسبة لإبراز حركيات الهجرة على الصعيد الدولي وإسهامات المهاجرين في تنمية بلدان الإقامة وبلدانهم الأصلية. وهو فرصة أيضا للوقوف على التحديات والإشكاليات الكبرى التي ما فتئت تعترض المهاجرين في مختلف دول العالم، وعلى رأسهم مغاربة العالم المنتشرون في أكثر من خمسين دولة.

في سنة 2016، تجاوز عدد المهاجرين في العالم 250 مليون نسمة، وهو أكبر من مجموع سكان دولة متوسطة. وما فتئت الهجرة تعرف تحولات ومستجدات، لعل من أبرزها ارتفاع نسبة الهجرة جنوب-جنوب وتجاوز أعداد المهاجرين من بين دول الجنوب مجموع الهجرات المسجلة من دول الجنوب نحو الشمال، كما كان عليه الأمر في السابق. وما زالت الأموال التي يحولها المهاجرون نحو بلدانهم الاصلية (أزيد من 600 مليار دولار سنة 2015) تشكل مصدرا أساسيا لتنمية هذه البلدان ومؤشرا لا غنى عنه في اقتصاداتها، دون أن ننسى مساهمات المهاجرين في تحقيق التبادل الثقافي ونشر القيم الكونية والتقريب بين الشعوب والحضارات.

لقد كانت سنة 2016 سنة كوارث الهجرة بامتياز؛ حيث دفعت الحروب وغياب أدنى شروط العيش بمئات آلاف الأشخاص إلى مغادرة بلدانهم وخوض غمار الهجرة، أحيانا نحو مصير مجهول، وأمل ضعيف في غد أفضل ينتهي أحيانا في أول الطريق، مثلما هو عليه الأمر بالنسبة لسبعة آلاف شخص ونيف ممن قضوا نحبهم قبل بلوغ هذا الهدف خلال هذه السنة. وكان البحر الأبيض المتوسط مركزا محوريا لحركات الهجرة الدولية، وتحول بدوره إلى مقبرة للمهاجرين بعد أن لفظ حوالي خمسة آلاف شخص أنفاسهم وهم يحاولون عبوره نحو الأمل الأوروبي.

الاختلاف.. عامل إثراء للإنسانية

الثلاثاء, 26 يناير 2016 16:40

أصبح المواطنون الأوروبيون من أصل مغربي يشغلون مناصب هامة في جميع المجالات في القارة العجوز مع كل المعطيات التي تجعل منها "القارة الجديدة". فهم مسؤولون سياسيون وعلماء ومفكرون وأكاديميون وصحفيون وكتاب وفنانون ورياضيون ونقابيون... إن هؤلاء النساء والرجال الذين اندمجوا بشكل تام في بلدان الهجرة يمثلون أفضل درع أمام انتشار العنصرية. كما ان إعلان بعضهم ازدواجية انتماءه إلى بلد إقامته وبلده الأم يجب أن يؤخذ على أنه مكسب وعامل إيجابي للإنسانية جمعاء.

الصحافة والهجرة

مختارات

Google+ Google+