مغربيات من هنا وهناك
المسارات والتحديات والتحولات
مراكش، 19-20 دجنبر 2008
الكلمة الختامية للسيد ادريس اليازمي
السيدة وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن،
السيد وزير التشغيل والتكوين المهني،
السيدة رئيسة الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان،
أيها السيدات والسادة، أصدقائي الأعزاء،
ها نحن على وشك نهاية هذين اليومين من العمل المكثف واللقاءات والأخذ والرد. فلقد تقاسمنا معكن ومعكم جميعا لحظات قوية، ممتعة ومحفزة. وتأتي تبادلاتكن وشهاداتكن ومساراتكن وأعمالكن ومشاريعكن لتؤكد مرة أخرى وبتألق، على غنى حياتكم المهنية والاجتماعية وقوة إمكاناتكم وتوَقُّد شعلة تقدمكن الإنساني، مغربياتٍ من هنا وهناك.
هنا، على أرض الاستقبال هاته، التي هي أرضنا، وتحت شمس مراكش الساطعة، وانطلاقا من وجهات النظر العالمية المتعددة التي تمثلونها، تحدثت القلوب وتألقت العقول ومدت الأيادي وبسطت وأعلنت النوايا المشتركة، لكي نُفهم بشكل أفضل ولنتحرك سويا.
وإن مجلس الجالية المغربية بالخارج، مؤسستكن ومؤسستكم جميعا، الذي كان وراء مبادرة تنظيم هذه التظاهرة الأولى من نوعها، لفخور بكن وبعطائكن. لقد منحتن المصداقية لتخصيصنا مغربيات العالم بأول تظاهرة عمومية كبيرة ينظمها مجلس الجالية المغربية بالخارج. لقد منحتن المصداقية لاعتقادنا بأن المغربيات من هنا وهناك فاعل أساسي في التقدم ومصدر رئيسي للإبداع ولطاقة التغيير نحو الأفضل ولإعادة تشكيل أنماط التفكير والعمل في شتى مجالات حياة الإنسان، بما فيها الحكامة المؤسسية والجمعوية والمقاولاتية، هنا وهناك.
وبفضلكم، تعززت لدى مجلس الجالية المغربية بالخارج رغبته في خدمة جالياتنا بالخارج، بصفة خاصة، وبلادنا، بصفة عامة، وذلك من خلال تعميم هذا المجهود، بشكل مكثف وعلى أوسع نطاق، على جميع النساء والرجال الراغبين في الانخراط فيه وإضفاء مساهمتهم ولمستهم الخاصة عليه.
ولقد سعدنا وتشرفنا بقولكم نعم للمشاركة، نعم للتقاسم، نعم للمضي قدما بالدور المحوري الذي تلعبه ويمكن أن تلعبه مغربيات العالم، في كافة أنحاء العالم كما في بلدهن.
وبطبيعة الحال، فمنظمتنا ليست مثالية، لذلك نعتذر من كل واحدة ومن كل واحد منكم عن كل أمر غير لائق أو غير مرضٍ تسبب فيه هذا الجانب أو ذاك، سواء خلال الإعداد لهذه التظاهرة أو خلال انعقادها. وإننا عاقدون العزم على التعلم من هذه التجربة والعمل على التحسن باستمرار، بمساعدتكم ومساعدة الجميع.
كما أننا فخورون بالرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، وبالرسالة الملكية النيرة التي وجهها لنا، وكذا بتفاني جميع شركائنا في تنظيم هذه التظاهرة. وقد تمت خلال هذا الملتقى إثارة التقدم الذي أحرزته بلادنا والأوراش التي فتحتها، على درب التنمية البشرية والمجتمع الديمقراطي وضمان حقوق وحريات ومستحقات كل مواطنة وكل مواطن، دون أي تمييز. ولا حاجة لأن أفصل في ذلك الآن.
وإن أصداء ماضينا القريب والخطوات التي حققها لتدخل بالفعل السرور في القلوب، لكن نداءات المستقبل وتعابير وتطلعات أجيالنا الصاعدة، هنا وهناك، لا تلبث تستنهضنا. ومن يسمع ومن يستطيع أن يسمع هذه النداءات أفضل منكن أنتن، كأمهات وأخوات ومربيات أو مهنيات في هذا المجال الإنساني أو ذاك، كمسؤولات أو كمناضلات سياسيات أو جمعويات؟
وإن التجارب التي أثيرت والأفكار التي طرحت والروابط التي نسجت بمناسبة هذا الملتقى، الذي هو ملتقاكم، لن تقف عند حدود اليوم. فلا يمكن أن تذهب كل هذه الجهود التي بذلتموها أدراج الرياح، بلا، بفضل إرادتكم وإصراركم، سنواصل معا، على هذا البساط الرائع، نسج شبكات للشراكة الهادفة، في شتى مجالات المعرفة والفن والمقاولة والتنمية المؤسسية والبشرية. وإن التآزر الذي أفرزه ملتقاكم هذا، سيكون، بفضل كل واحدة وكل واحد منكم، مستداما ومتجددا.
ولهذا الغرض، وعدا عن الشبكات والكيفيات غير الشكلية للتواصل والتعاون، الموجودة أصلا بينكم خارج الحدود الجغرافية، يلتزم مجلس الجالية المغربية بالخارج بوضع آليات متابعة وتقييم وتجديد دوري لمثل هذه الملتقيات.
و بكونكن نساءً يتحدين الهشاشة والضعف، نساءً فاعلات في التغيير، نساءً مبدعات في الفن وفي الأشياء الجميلة التي تزين حياتنا جميعا، نساءً مجسدات لمستقبل الإنسانية، فإنكن بالفعل، وقد أبنتم عن ذلك، مغربيات في الداخل وفي الخارج!
ومجلس الجالية المغربية بالخارج إنما هو هنا للاستماع إليكن ومصاحبتكن وخدمتكن، وهذا وعد يمكنكن أن تثقن به، أكان وعد امرأة أم وعد رجل.
وسوف لن أنهي هذه الكلمات التي تنبع من قلبي ووجداني، قبل أن أزف لكم خبرا سعيدا:
فمجلس الجالية المغربية بالخارج معد، كما تعلمون، ليكون مصدرا للنصح والإرشاد، وقوة اقتراحية، من أجل تجديد سياسات المغرب العمومية تجاه جاليته المهاجرة. ولا يمكن لهذا التجديد أن يكون مؤثرا، وأن يعمل في العمق وأن يندرج في إطار جدول زمني، وأن يستبق تحولات الظواهر المميزة للهجرة، دون معرفة موضوعية بالحقائق المتغيرة لتلك الظواهر، معرفة تكون مهيكلة ومدعمة بالوسائل اللازمة التي تجذب أفضل الموارد البشرية والعلمية الممكن إيجادها وتقييمها وتحيينها بشكل مستمر، تماشيا مع أرقى قواعد البحث العلمي.
ولهذه الغاية، قد أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، إشارة قوية جديدة تترجم اهتمام جلالته بجالياتنا المهاجرة ودعمه لكل خطوة مجددة من أجل معرفة أفضل وعمل أنجع للوقوف إلى جانب جالياتنا في بلدان الاستقبال وفي مساهمتها في التنمية الديمقراطية والبشرية للمغرب.
وهكذا، أعطى جلالة الملك موافقته السامية على إحداث صندوق للبحث العلمي حول الهجرة، وهو صندوق سيوضع تحت وصاية مجلس الجالية المغربية بالخارج ومراقبة مجلس للعلوم ذي مصداقية عالية، وسيتم تدبيره، بشكل مشترك وبكل شفافية، من قبل الهيئات العمومية والخاصة التي ستساهم فيه بالتشارك في ما بينها. وقد أبانت العديد من الجامعات عن كامل استعدادها لهذا الأمر، حيث وقعت على اتفاقيات شراكة مع مجلس الجالية المغربية بالخارج. كما وافقت العديد من المؤسسات المالية الوطنية على المساهمة في الصندوق. وسيتم طلب التزام مجموعة من الباحثين المغاربة، في الداخل وفي الخارج، نساءً ورجالا، من أجل إنجاز تصور للصندوق الجديد وتدبيره ونشر وتقييم برامج البحث التي سيكون الصندوق مطالبا بإطلاقها ودعمها. ولتكن هذه بمثابة دعوة لكم من أجل أن تضيفوا إلى هذا المشروع مساهماتكم وشهاداتكم والمصادر المتوفرة لديكم، المعلوماتية منها والتوثيقية والمعرفية، بصفة عامة.
والفن بدوره لا يعد مسألة ثانوية في قائمة انشغالاتنا. ولن نتوانى، كما بدأنا فعلا في ذلك، في الحفاظ على ذاكرة هجرتنا، وفي أن نعرف، هنا وهناك، بأعمال فنانينا، بكل ألوانها، ونخلدها، سواء الماضية منها أم الحاضرة أم المستقبلية. وسندعم قدر الإمكان المبادرات الخلاقة لمواطنينا المهاجرين وتظاهراتهم.
فالفن والعلوم والثقافة والدين والخدمات العمومية والتنمية الجمعوية والمشاركة المؤسسية كلها مجالات خصبة تستدعي عمل السياسات العمومية المغربية بكل تماسك وإتقان وثبات وانسجام وفاعلية، بارتباط مع مصالح مواطنينا. وإن مجلس الجالية المغربية بالخارج ليعتزم الإسهام في ذلك، ليس من خلال العمل داخل أبواب موصدة، بل من خلال فتح الأبواب والنوافذ على مصراعيها من أجل الإنصات وإقحام كل الموارد البشرية ، النسائية والرجالية، من هنا ومن هناك.
فقد وضعتم لبنة أولى واعدة على درب التجديد والمستقبل.
شكرا على مشاركتكم.
ولنتجاوز المسافات الجغرافية كي نبقى يدا في يد وتلتقي أرواحنا وأذهاننا في عمل غال علينا جميعا.
أتمنى لكم سفرا سعيدا وعودا حميدا، وكل عام وأنتن وأنتم جميعا بخير.