خلال يومي 14 و15 مارس 2009، جمعت الندوة الدولية التي نظمها بفاس مجلس الجالية المغربية بالخارج، عبر مجموعة العمل التابعة له "الدين والتربية الدينية"، مجموعة من الشخصيات المنحدرة من الوسطين الأكاديمي والسياسي، إضافة إلى خبراء في المواضيع المرتبطة بالهجرة وبممارسة الشعائر الإسلامية في أوروبا، وكذا فاعلين ثقافيين ودينيين.
ومن خلال ما يفوق ثلاثين مشاركة موزعة على 4 جلسات، تناول المشاركون أهم مواضيع الندوة، مستندين بصفة عامة إلى الوقائع القانونية الحالية أو إلى حالات عملية أو إلى تجارب ميدانية معاشة في العديد من البلدان الأوربية التي تحتضن جاليات مسلمة، خاصة منها الجالية المغربية. وما زاد من الأهمية الكبرى للمداخلات المتعددة هو المستوى الرفيع للنقاش، سواء من خلال الأسئلة التي طرحها الحضور أم من خلال الآراء والمقترحات المقدمة.
وإنه ليصعب، في تلخيص كهذا، القيام بجرد تفصيلي لمجموع الأفكار والمواضيع التي تمت إثارتها خلال يومين من الأشغال. غير أنه من الممكن التعريج على "القضايا البارزة" التي طفت إلى السطح خلال الأشغال، وذلك دون الخوض في التفاصيل.
1. أكد جميع المتدخلين والحاضرين على الأهمية الكبرى لهذا الملتقى الذي ينعقد للمرة الأولى في أحد بلدان الضفة الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط، في مدينة فاس، إحدى مدن الفضاء الأورو-المتوسطي والتي كان لها حضور بارز، من خلال تاريخها العريق، في صلب القضايا التي تطرقت إليها الندوة، وذلك ليس فقط من خلال وجود جامعة القرويين بها، بل بالخصوص من خلال إشعاعها في أوروبا، ومشاركتها القوية في بناء إسلام كان وراء ولادة حضارة بأكملها تنال اليوم إعجاب الجميع، ألا وهي الحضارة الأندلسية.
ووحده الاتفاق على فكرة هذا الملتقى يستجيب لحاجة حقيقية محسوسة على مستويات متعددة ولدى أصناف عديدة من الفاعلين: أولا لدى الجالية المسلمة بالبلدان الأوروبية، وأيضا لدى الهيئات الحكومية المكلفة بتدبير الشؤون الدينية، والمؤسسات المكلفة بالحكامة على المستوى المحلي، دون الحديث عن الأوساط الأكاديمية. ولم يهمل موضوع الندوة البلدان الأصل للجاليات المسلمة بأوروبا، وبالتالي يمكن القول إن هذا الملتقى يندرج بشكل تام في النقاشات الاستراتيجية التي تهدف إلى تدعيم إرساء فضاء أورو-متوسطي مبني على الإنصاف والاحترام والاعتراف المتبادل والتضامن والحوار الثقافي.
2. تتميز هذه الندوة، من بين ما تتميز به، بأنها مكنت من تناول موضوع الإسلام من زاوية قانونية، بالمعنى الواسع للكلمة، وهو ما مكن من الاقتراب أكثر سواء من واقع الجاليات المسلمة بالبلدان الأوربية أو من واقع مراكز صنع القرار التي لها حق الإشراف أو الفاعلة في المبادرات الرسمية التي تطبع تطور كل من الأنظمة وكذا مكانة تلك الجاليات في المجتمعات الأوربية.
3. وكنتيجة حتمية فقد دفع الحراك الاجتماعي الداخلي للبلدان الأوربية، إضافة إلى ضغط الوقائع والأحداث العالمية خلال السنوات الأخيرة، المؤسسات والحكومات المرتبطة، من قريب أو بعيد، بفضاء الهجرة إلى طرح مسألة وضعية الديانة الإسلامية بتلك البلدان. وقد سلطت الحالات التي تم التطرق إليها خلال مختلف الجلسات الضوء على مختلف التجارب المعاشة في كل بلد أوربي على حدا، مبرزة اختلاف المقاربات والسياسات والمناهج والسياسات المتبناة من أجل تدبير "الشأن الديني الإسلامي".
4. وتفسَّر هذه الاختلافات، من جهة، بجدة هذا الشأن (مقارنة مع الأديان الأخرى) في المجتمعات، ومن جهة أخرى، عن طريق اختلاف نظم العلمانية بين تلك البلدان. وقد كانت الجلسة الثانية مفيدة بهذا الخصوص، كما مكنت الندوة من تبادل التجارب وانفتاح النقاش على الآفاق المستقبلية.
5. همت المناقشات تنظيم الشعائر الإسلامية وكذا وضعيتها القانونية. أما مفهوم أوربا ارتباطا بموضوع النقاش فقد تم عزله جانبا، في حين تم التعريج على مفاهيم أخرى كالعلمانية المتمخضة عن ممارسات مختلفة في ما بين الدول الأوربية، خاصة في علاقتها مع الديانة الإسلامية.
6. تم في هذا النقاش بشأن الوضعية القانونية للإسلام بأوروبا أخذ الرهانات المستقبلية بعين الاعتبار، حيث تمت الإفاضة في تناول نقطتين اثنتين:
أ. مشكل التمثيلية، مع كل ما يترتب عنها على مستوى التدبير الداخلي للديانة ولعلاقات أعضائها مع الدولة ومع المجتمع. وتثبت التجارب المعروضة أنه كيفما كان نمط التمثيلية الذي تم تبنيه أو الموجود في طور الإعداد من لدن مختلف الدول، فإن المستوى المحلي هو الذي تكون فيه الاتصالات أكثر كثافة والمشاكل المرتبطة بمسألة "الاندماج" أكثر حساسية. ودون إغفال المشاكل المطروحة، أكدت المداخلات على أن الإسلام، كما يعاش في الحياة اليومية، يشكل مصدر إثراء بالنسبة لأوروبا.
ب. تم التطرق إلى دور البلدان الأصل للجاليات المسلمة، ولو بشكل غير مكتمل الوضوح. فما الذي تنتظره البلدان الأوربية من تلك البلدان: الحياد أم المشاركة في التفكير المرتبط بالإشكاليات المطروحة؟
ت. التربية والتعليم: لقد تمت مناقشة هذا الشق بشكل مستفيض، نظرا لمكانة التربية في نسج مجتمع أوربي قادر على إدماج الإسلام ضمن مكوناته الثقافية والدينية والاجتماعية. فتعليم الديانة الإسلامية في علاقاتها مع باقي الديانات وفي علاقتها مع قيم العلمانية...، وتكوين الأطر الدينيين (الأئمة والمسؤولين الدينيين...) يشكل مسلكا ضروريا نحو مستقبل الإسلام في أوروبا. وبالإضافة إلى ذلك فإن تعليم الإسلام داخل إطار جامعي يعتبر ذا أهمية متزايدة، حيث يخول، في نفس الوقت، فهما أفضل للديانة ووضعا تدريجيا لمقاربة علمية تمكن من التفكير في حاضرها ومستقبلها بالبلدان الأوربية.
وقد مكن هذا اللقاء الأول من القيام بتشخيص للوضعية القانونية للديانة الإسلامية لدى بلدان المهجر المتسمة بـ "علمانية ثقافية" ومن إلقاء نظرة شاملة على تجارب تلك البلدان وتحليل الإنجازات والتحديات والإكراهات في هذا المجال.