ما موقع الإسلام في الغرب؟ وكيف يمكن بلورة خطاب ديني يتماشى مع الخصائص الثقافية والفكرية للمجتمعات الغربية؟ وأي تأطير ديني يجب أن يتلقاه الأئمة للاستجابة لمتطلبات المسلمين في هذه المجتمعات؟ أسئلة وأخرى حاولت الإجابة عنها المائدة المستديرة التي احتضنها رواق مجلس الجالية المغربية بالخارج يوم الأربعاء 3 أبريل 2013، في إطار مشاركة المجلس في الدورة 19 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء.
المسلمون في الغرب
يعتقد عالم الإسلاميات الفرنسي من أصل مغربي، طارق أوبرو، بأنه يتعين على المسلمين في الغرب بلورة خطاب ديني يتماشى مع الخصائص الثقافية لهذه المجتمعات، وذلك بالمزج السليم بين المنطق الديني للإسلام والمنطق الحضاري لهذه المجتمعات؛ مع تطوير نظرية دينية تقوم أساسا على مبدأ الغيرية Altérité، والعيش المشترك.
وهو تقريبا نفس المنحى الذي أخذه رئيس المجلس الإداري للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، خالد حاجي، الذي أكد في مداخلته على ضرورة إعادة التفكير والتفريق بين مبدأين أساسيين هما الاعتقاد (La croyance)، والانتماء (L'appartenance)، مبرزا أن المسلمين في أوروبا لديهم معتقدات وارتباط روحي بالإسلام لكنهم ينتمون إلى تلك الجتمعات الغربية، وهو ما يتطلب تعميق التفكير لإيجاد روابط بين هذين المبدأين في السياق الاوروبي.
أما رشيد إد ياسين صاحب كتاب "كيف أصبح الإسلام غربيا؟" فأثار مسألة التنوع التي عرفتها بنية المسلمين في الغرب، حيث لم يعد الأمر يقتصر على المهاجرين المنحدرين من دول إسلامية فقط، بل أصبح هنالك أشخاص مقيمون عاشوا مسارات ثقافية عديدة في الدول الاوروبية، بالإضافة إلى الجيلين الثاني والثالث الذين هم قبل كل شيء مواطنون في هذه الدول، "لذلك علينا إعادة التفكير في مكانة الإسلام في هذه المجتمعات"، يضيف إد ياسين.
وإذا كانت الإشكاليات حول الإسلام في الغرب ما فتئت تتعدد وتتعقد في المجتمعات الأوروبية نظرا للسياق السياسي والاقتصادي في هذه المجتمعات، إلا أن الأمر لا ينطبق على الولايات المتحدة التي تشكل نموذجا استثنائيا بالنسبة للإسلام في الغرب؛ نموذجا قائما أساسا، ومنذ أزيد من قرنين، على مبدأ حرية العقيدة الشامل.
وفي هذا الإطار يعتبر الأستاذ المغربي في جامعة نيو إنغلاند الامريكية، أنور مجيد، بأن المهاجر المسلم أو الأمريكي المسلم في الولايات المتحدة الامريكية يتمتع بكافة الحقوق التي يتمتع بها غيره، ولا وجود لأزمة بين الإسلام والمجتمع الامريكي إلا في بعض الحالات الاستثنائية التي سرعان ما يتم تجاوزها كأحداث 11 شتنبر، والغزو الامريكي للعراق.
أي تاطير ديني للأئمة ؟
حظيت قضية التأطير الديني للأئمة في البلدان الغربية بحيز من النقاش خلال المائدة المستديرة التي أشرف على تسييرها الإعلامي المغربي في الديار الفرنسية مصطفى الطوسة، فالأئمة بحسب طارق أوبرو، الذي يعتبر من بين أشهر الأئمة الفرنسيين وصاحب كتاب "المهنة: إمام"، مطالبون بأن يتجاوزوا مسألة الإهتمام بالمظاهر الدينية ويتعين عليهم التركيز على عمق القضايا المتعلقة بالإسلام والاجتهاد من أجل تطوير الشريعة وتبسيطها لتتماشى مع الواقع الأوروبي، عملا بالقاعدة الفقهية "إذا ضاق الامر اتسع وإذا اتسع ضاق"، مع الأخذ بعين الاعتبار أزمة الهوية التي تمر منها المجتمعات الغربية والتي تفرض تسهيل الممارسات الدينية داخل هذه المجتمعات.
ولكي يتم ذلك يجب مرافقة الأئمة حتى يصبحوا قادرين على التواصل ليس فقط مع المسلمين، ولكن مع الناس جميعا، وذلك ليدركوا غاية التعايش في هذه المجتمعات. كما أن تكوين الأئمة على ضوء السياق المحلي، أصبحت أساسية حتى يتمكنوا من إدماج المجال العام بالغرب في الإطار الإسلامي، كما خلص إلى ذلك خالد حاجي.
بالإضافة إلى تأطير الائمة ومرافقتهم يقترح رشيد إد ياسين الابتعاد عما يسمى بـ"الإسلام القنصلي"، الذي يجعل من الإمام موظفا يقتصر دوره على نقل السياسة الدينية المعتمدة في بلده إلى الجالية المنحدرة من نفس البلد، مما يخلق نوعا من المنافسة بين أكثر من دولة بغية احتكار المجال الديني، ويولد فراغا لدى المسلمين من المواطنين الأوروبيين، ويدفعم إلى البحث عن إنشاء إطارات اخرى من صميم "مساجد المتحولين إلى الإسلام" (Les mosquées des convertis).
ومن أجل الإحاطة بالاعتقاد والممارسة الدينية في المجتمعات الغربية، يدعو طارق أوبرو إلى الاهتمام بتكوين خطاب إسلامي شامل صالح للجميع مع احترام الخصوصيات الذاتية لكل فرد، إسلام موحد بتوجه كوني أخذا بمقولة "الله رب العالمين".
محمد الصيباري