لم تكن تدري نوال ميكو وهي تستقل الطائرة صوب البيرو في رحلة سياحية إلى هذا البلد الجنوب أمريكي، الذي يكتنز عمق العديد من الحضارات التي بصمت تاريخ الإنسانية، أنها ستقع في حبه وستبدأ محطة جديدة في مسيرتها في مجال الأعمال.
كان ذلك ذات نونبر من سنة 2010 عندما قررت، كما هو حال أناس كثيرين، أن تبدأ رحلة استكشاف بعض من دول أمريكا اللاتينية، هذه القارة التي لطالما سمعت وقرأت عنها الكثير من القصص والتي في كثير من الأحيان يمتزج فيها الواقع بالخيال، وأن تكون البداية من البيرو قبل التوجه إلى وجهات أخرى لا تقل إثارة.
كانت ابنة مدينة الدار البيضاء، كما أسرت بذلك في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، تحلم بالعيش في بلد يضاهي بلدها الأم المغرب أو يقترب منه في جماليته وعراقته وغناه الثقافي وأصالته وتجذره في التاريخ وطيبوبة أهله، لتجد في البيرو، وهي تحط الرحال بمطار خورخي تشافيز الدولي بليما لأول مرة، البلاد التي راودتها فكرة العيش والاستقرار بها.
"تبدو العاصمة البيروفية مثل الدار البيضاء التي ترعرعت فيها و قضيت فيها طفولتي و تعلمت فيها أولى أبجديات الحياة و نهلت العلم من مدارسها"، تضيف ميكو، التي أكدت أنه على الرغم من اختلاف الألسن و الدين و الثقافة بين البيرو و المغرب إلا أنه لا شيء يعسر الاندماج أو يجعل القادم يشعر بالغربة.
وتدير نوال حاليا شركتين بالبيرو، وذلك بعد تجربة طويلة راكمتها في عالم الاعمال بين المغرب وفرنسا والإمارات العربية المتحدة وبلجيكا، حيث أسست أول شركة لها في مجال "تنمية الأعمال الدولية" وذلك بعد أن راكمت خبرة كبيرة في مجال العمل والإدارة ومعرفة تامة بمختلف الجوانب المتعلقة بهذا الميدان، لتكون بذلك انطلاقتها الأولى بخطى ثابتة نحو الأمام.
وبعد أن استقرت بليما وارتبطت بشريك حياتها البيروفي باتت سيدة الأعمال المغربية مضطرة إلى التنقل بين البيرو وبلجيكا لتواصل إدارة شركتها هناك والوقوف عند كل صغيرة وكبيرة تهمها، وهو الأمر الذي لم يكن بالهين، توضح نوال، لتضطر بعد ذلك إلى إغلاق الشركة بالبلد الأوربي وبداية التفكير في إنشاء أخرى بالبيرو وكل شيء يهون ما دامت لا تعوزها الارادة والعزيمة الأكيدة لبلوغ هذه الغاية.
ولم تكن بالسهلة تلك الخطوة التي تم الاقدام عليها، فإحداث شركة يستلزم، تؤكد نوال، دراسة محيط الأعمال بالبلاد ككل، وإقناع البناء المفترضين وفرض الذات في عالم تحكمه التنافسية ويكون فيه البقاء والاستمرارية للمشروع الأنسب والأقدر على مواجهة تقلبات السوق.
وأضافت أنه بعد تفكير قررت إنشاء شركتها الأولى في البيرو كتلك التي كانت تملكها في بلجيكا، متسلحة في ذلك بالخبرة والمغامرة والقوة والحماس، وهي الشركة التي أضحى لها اليوم مكان في أوساط المال والأعمال بالبيرو ونالت ثقة الزبناء.
وبرأي نوال، يبقى نجاح أية شركة أو مقاولة رهينا بإدارتها التي يجب أن تتخلص من الصورة النمطية والتقليدية بين المدير والموظف والبحث عن أساليب جديدة ومبتكرة في العلاقات تتماشى ومتطلبات العصر، لأن قاعدة النجاح تقول إن وراء كل عمل ناجح قائد ناجح وطاقم ناجح.
إن نجاح هذا المشروع منح نوال شحنة إضافية وحماسة أكبر للعمل ترجمتها في إحداث شركة أخرى في مجال "التربية المالية" وهو توجه اقتصادي، يروم تثقيف وإذكاء الوعي لدى الأجيال الصاعدة، خاصة الفئات العمرية التي يتراوح سنها ما بين 13 و17 سنة بأهمية اتخاد القرارات الصائبة خلال المعاملات المالية.
ولقد أضحى نجاح نوال ميك في مجال الأعمال مثار اهتمام جامعات بيروفية خاصة جامعة الهندسة والتكنولوجية بليما، التي صارت من ضمن طاقمها التدريسي، حيث تعطي دروسا في مجال "التربية المالية"، التي تقول عنها إنها "تعليم الناشئة القدرة على فهم كيفية اشتغال المال، وكيفية الحصول عليه وكسبه، وكذلك كيفية إدارته واستثماره أو تخصيصه لمصاريف محددة".
وفي حديثها، لم تخف سيدة الأعمال المغربية سعادتها وهي تتحدث عن بعض طلبتها الذين صاروا ضمن فريق الموظفين بشركتها، لتكون بذلك قد بدأت تجني بعضا من ثمار عملها على المستوى الأكاديمي.
وبعيدا عن مجال المال والأعمال، كشفت ابنة مدينة الدار البيضاء أنها لا تفوت أية فرصة أو مناسبة تتاح لها للحديث والتعريف بالتراث وفن الطبخ المغربي المتنوع والغني، كما لا تتردد في التعريف ببلدها المغرب، أرض التسامح والكرم والانفتاح.
لا تفارق نوال تلك الرغبة الجامحة في استثمار ما راكمته من تجارب، بمجال المال والأعمال وكذا على المستوى الأكاديمي، في المغرب خلال السنوات المقبلة، وذلك في خطوة، ترى أنها ستكون ردا لجميل الوطن الذي تحمل حبه في قبلها على الدوام.
عبد الله كيتو
عن وكالة المغرب العربي للأنباء