الطريق الأدبي الذي اختارته الكاتبة المغربية ليلى العَلَمي طريق شاقّ، لكنه كان سيقودها- بكل تأكيد- إلى النتيجة نفسها. طبعاً، لا أحد كان يتــوقَّـع أن تصـل روايتـها الأخيرة (حساب الوري) (THE MOOR’S ACCOUNT) إلى لائحة (ألمان بوكر) المرموقة، ضمن ثلاثة عشر كاتباً عالمياً، ولا أحد فَكَّر- أيضاً- أن تصل رحلة روايتها إلى اللائحة النهائية لجائزة (بوليتزر) هذا العام. ليلى العَلَمي كاتبة مغمورة في بلدها المغرب، وفي العالم العربي أيضاً، لا تتحدّث عنها الأوساط الثقافية، ولولا المكانة الباهرة التي حقَّقتها في الولايات المتحدة الأميركية، وما رافق رواياتها من تنويه وكتابات نقدّية، لَظَلَّت مجهولة إلى يومنا هذا.
وُلدِت ليلى العَلَمي عام 1968، في حَيّ المحيط في الرباط. درست في مدرسة سانت مارغريت ماري، ثم في ثانوية دار السلام، وترعرعت في وَسَط ملمّ بالثقافة. تقول عن أسرتها: «كنت أرى والديَّ يحمل كل منهما- دائماً- كتاباً بين يديه، لكن الفنّ الأدبي لم يكن شيئاً ذا قيمة. زِدْ على ذلك أنني حصلت على باكالوريا علمية، وكان أبي المهندس يراني طبيبة». من كان يدري أن تأخَّرها في التسجيل بكلّيّة الطب سيكون سبباً في تغيير مسارها الدراسي نحو جامعة محمد الخامس في الرباط لدراسة الأدب الإنجليزي؟ كانت، في قرارة نفسها، ترسم خريطة مستقبلها الأدبي، وهي العاشقة للأدب والأدباء: في المقام الأول محمد شكري، الذي طالما ردَّدت كلماته، واستلهمت روحه الأدبية المتمرِّدة. ورويداً رويداً انغمست العَلَمي في محيطات اللغة الشكسبيرية مبحرةً في أعماقها: لغة وأدباً.
في عام 1991 ستحصل ليلى العَلَمي على شهادة الإجازة في الأدب الإنجليزي بميزة مشرِّفة، خوّلت لها الحصول على منحة للدراسة في إنجلترا، حيث حصلت على شهادة التبريز في لسانيات اللغة الإنجليزية. عادت، بعد ذلك، إلى المغرب لتعمل صحافية في جريدة (البيان) التي تُطبَع باللغة الفرنسية. كانت، في ذلك الوقت، تكتب تغطيات لأحداث ثقافية، وسياسية.
في عام 1992 ستقرِّر السفر الى الولايات المتحدة، وفي جيبها ألفا دولار، وكثير من الأحلام. ستقيم في لوس أنجلوس لاستكمال دراستها، بحيث تحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا الجنوبية.
بدأت ليلى العَلَمي الكتابة باللغة الإنجليزية، فعلياً، عام 1996، حينما باشرت كتابة مقالات أدبية، وسياسية، وقصص لاقت تنويهاً وجوائز مهمّة. كانت الصحف الأميركية تتهافت على كتابتها، فنشرت لها كل من: غولدن غلوب بوسطن، ولوس أنجلوس تايمز، ودوناشيون، ونيويورك تايمز، وواشنطن بوست. كان قلمها الحادّ والغاضب والجدلي مثيراً للقرّاء وللوسطين: الثقافي، والسياسي. ولكي نقدِّم دليلاً على ذلك فهي قادرة على تحريك الرأي العام بقلمها؛ عندما كتبت مقالتها الشهيرة عن منع الحجاب بفرنسا منتقدةً التأجيج العنصري ضدّ اختيارات النساء، بصفة عامّة، واختيارات النساء المسلمات، بصفة خاصّة، اندلع جدلً واسع: معها تارةً، وضدّها تارةً أخرى. حصل الشيء نفسه مع مقالتها حول حادث شارلي إِبدو.
أخيراً، انتبهت فرنسا إلى قلم مغربي ينتقدها!.
في عام 2005 كانت أوّل كاتبة مغربية تكتب رواية عالية الكعب، باللغة الإنجليزية، وتلقى رواجاً واسعاً في الولايات المتحدة. نال عملها الأوّل استحسان النقد الأدبي، وتُرجِم، في البداية، إلى خمس لغات عالمية. وبفضل هذا العمل حصلت ليلى على دعم مؤسّسة أوريغون للفنون الأدبية. ومنحة فولبرايت، لكتابة روايتها الجديدة في وطنها المغرب.
تتحدّث روايتها الأولى (أمل وتحقيقات خطرة أخرى، -HOPE AND OTHER DANGEROUS PURSUITS)، عن شباب مغربي: مراد، وفاتن، ورحال، وعزيز. أربع مغاربة يقفون على حافة اليأس، يتهيّئون للهجرة السرّيّة (الحريك) على متن قوارب الموت في اتّجاه الفردوس الإسباني. لكن، بعد معاناة مريرة، سيتحوّل الحلم إلى كابوس، والفردوس إلى جحيم ومسخ للكائن، ومهانة لإنسانيته وكرامته.
خلال هذه السنة سيُتَوَّج مجهودها الأدبي برواية نالت إجماعاً عالمياً، بعد تصنيفها ضمن أفضل ثلاث عشرة رواية، اختيرت سنة 2015 للتباري على جائزة (ألمان بوكر) الإنجليزية. كما كانت ضمن لائحة جائزة (بوليتزر) الأميركية. تشكِّل روايتها علامة فارقة في مسارها الإبداعي، فقد بلغت بها ذروة أدبية يحلم أدباء سكسونيون كثيرون ببلوغها.
تتحدّث روايتها الجديدة عن استيفانيكو أو (استيبانو) المغربي ابن مدينة أزمور الساحلية المغربية، واسمه الحقيقي مصطفى الزموري، الرجل الذي تَمَّ أسره واستعباده، والذي ورد اسمه وشهادته ضمن أرشيف يعود إلى القرن السادس عشر ما بين 1503 و1539. رحلة استيبانو من أزمور هي رحلة الاكتشافات للقارة الأميركية. كان ضمن حملة المستكشف بانفيلو دو نارفييز، الحملة التي كان هدفها غزو ساحل خليج الولايات المتحدة، لكنها انقلبت إلى كارثة، فلم يتبقّ من ستمئة شخص غير أربع أشخاص، من بينهم استيبانو، فقد قضت عليهم الأوبئة والمجاعة وهجمات القبائل القاطنة في منطقة فلوريدا.
اشتغلت ليلى العَلَمي على متخيَّل تاريخي، لكن، استناداً إلى ذاكرة حقيقية، ذاكرة مأرشفة عن دور الزنوج الأفارقة في تأسيس تاريخ أميركا الجديد الذي بُنِي على أجساد المستعبَدين، وأسفر عن ثراء مستبدّين ومغامرين.
عقب هذا التميُّز انهالت على ليلى العَلَمي آراء أدباء عالميين، قَدَّموا شهاداتهم في حقّ الكاتبة المتألِّقة، وكأن الصحف والمجلّات المهتمّة بالأدب وشؤونه تبحث عن مبرِّرات منطقية لهذا النجاح الأدبي الاستثنائي، القادم من شمال إفريقيا؛ الاستثناء الذي جسَّدتَه، ببراعة، مستعيرةً صوت استيبانو (مصطفى الزموري) الذي تحوَّل إلى أوَّل زنجي يطأ أرض الولايات المتحدّة، وإلى أسطورة في محكيّات القبائل الأصلية المقيمة في الأريزونا، ثم إلى أرشيف تاريخي عن الاستكشافات الأوروبية في القارّة الجديدة.