الإثنين، 30 دجنبر 2024 20:09

 "معرفة وآراء" زاوية مفتوحة في وجه الباحثين والمختصين في قضايا الهجرة ومتعلقاتها لعرض آرائهم ووجهات نظرهم وفتح باب النقاش بخصوص مختلف الأسئلة المتصلة بهذه القضايا..

"معرفة وآراء" أفق لبناء حوار هادئ ومسؤول قادر على بلورة مقاربات تتسم بالعمق والدقة والصدقية.

مهرجــان" تْــويــزا" بهـولنـدا والـقيم المفْـقُـودة في زمــن التسـوُل الجمعوي..

لا أظن أن اختيار مصطلح " التويزة" كإسم لمهرجان الأمازيغية بهولندا في يونيو الجاري كان اعتباطيا..لأنه أصلا مصطلح أمازيغي (ويـز ) ويعني كل صورالتعاون والتضامن الاجتماعي يهدف الى انجاز عمل اجتماعي معين.. ومن هنا فقد انتشر وسط القبائل الأمازيغية ( الريف مثلا) واتخد عـدة صورمن الحياة كجني الزيتون أو بناء مسجد أو الحصاد أو الزفاف...

ولم يكن اعتباطيا اختيارهـولندا أيضا حيث توجد نسبة عالية من مغاربة العالم من أصول أمازيغية..ولم يكن اعتباطيا التوقيث كذلك,في ظل ظروف دولية وسياسية وثورة رقمية..
فـقيام مجلس الجالية بتنظيم مهرجان "التويزة " والخاص بالثقافة الأمازيغية لم يكن بالشيء المجاني.. بل يدخل في صُلب اختصاصاته الدستورية ..أولا لأن دستور 2011 في الفصل 5 رفـع اللغة الأمازيغية الى لغة رسمية الى جانب العربية بل جعلها رصيدا مُشتـركـا لكل المغاربة و بـدون استثـناء...كما أن الفصل 163 جعل من اهتمامات المجلس "...تأمين الحفاظ على علاقات متينة مع هويتهم المغربية..."
وبالتالي فمهرجان هـولنـدا يحمل هاجس الهوية ورسالة الى شباب الجيل الثاني والثالث وتذكيره بثقافة وقيم التضامن كمُكون مُهم للموروث الثقافي الحضاري المغربي..حيث التعدد والتنوع والذي برز في الشق الفني للمهرجان حيث شارك فنانين..أمازيغ..شعبي..وصحراوي..ولعل حضور 12 ألف مُـشارك هو حـقيـقـة نجـاح وليس إدعـــاء...
لكن الأجمل هو الـدقـة في اختيار مواضيع للنقاش العمومي المفتوح كـنـدوة "السياسات العمومية للهجرة" حيث دُعيت حساسيات حزبية مختلفة تمثل الأغلبية والمعارضة اتفقت كلها بـدايـة على أن اشكالية الهجرة يجب أن تبقى بعيدة عن كل مُـزايدة أو تصفية حسابات سياسية..إلا أن مناقشتهم طغت عليها مواقف اديولوجية وأيضا البُعـد أو القُـرب من موقع المسؤولية والقرار..الشباب الحاضر للندوة حمل أسئلة حارقة وانتظارات وقلق جيل كامل من الأداء الحكومي..حيث شكلت المشاركة السياسية حصة الأسد من النقاش..فبالاظافة الى تذكير المتدخلين بمقترحات قـوانين فقـد ركز البعض على مسألة حق التصويت للجاليات المقيمة بالمغرب حتى نصل للمعاملة بالمثل..(الفصل 30)
وكم وددنا صراحة رؤيـة وُجـوه مـافـتـئت تُـنادي بالمشاركة السياسية كحل لكل مُعْضلات الهجرة..كُـنا نـريـدهـا هناك في هـولندا لتصرخ في وجه السياسيين بأن المشاركة هي ثابت دستوري.. وتُــدلي بالحجج وتُـقنع المُتـرددين خاصة في ظل حضور وُجـوه حزبية مختلفة وفضاء للنقاش الديمقراطي المفتوح..وغيابها عن الموعد هو دليل عن ضُعف حجتها وأنها احترفت المُنولُــوغ ..و"حـكـاوي القهـاوي.."
نهمس للمُنظمين على أهمية دعوة الصديقي وزير الشغل من خلال علاقـته بمؤسسة الضمان الاجتماعي المغربي مما يُحيل على مشكل أرامل هولندا مع الصندوق الاجتماعي الهولندي حيث كانت مناسبة للتذكير بمحنة الأرامل وأيضا جهود الحكومة وأيضا توقيع 200 برلماني لعريضة...
إلا أن نــدوة "الأمازيغية.." كانت الأقـوى بحيث شكلت وبكل صدق فضاءا للحوار الديمقراطي مع بعض الانزلاقات والتي يمكن غـظ الطرف عنها بدعوى حماسة الشباب أو لغياب الكثير من الحقائق والمصادر التاريخية الخاصة بحرب الريف مثلا وبهــذا تحطم طابُـو هذه الحقيقة التاريخية وأن النقاش مُمكن بين شباب من الجيل الثاني والثالث و المُنحذر من المنطقة من جهة وأكاديميون ومؤرخون من جهة ثانية..حيث ذكرعبد الله ساعف أن بناء الديمقراطية هو صيرورة صعبة ومعقدة وطويلة..
أما الدكتور عبد الله بوصوف أمين مجلس الجالية فقد كانت طريقته في الــرد بتقـاسيم وجــه كُـلها جـدية والتخاطب باللغة الأمازيغية هي في "حـده الحد بين الجـد واللعب..." في موضوع الهوية باعتبارها مشكل عالمي أدى الى تفجير الهويات..وهو هــم وهاجس شكل حيزا كبيرا في تدخلاته حتى في موضوع نـدوة الرباط " تصور الاسلام في الاعلام الأوروبي " في ماي 2014 وتذكيره بخطر التطرف والقتال في مناطق ساخنة باسم الجهــاد..
تلك الجدية والاحساس بخطورة اللحظة التاريخية بــالـغ بعض المتسولين الجمعويين والمراهقين السياسيين في توصيفها و كـشـروا عن أنياب ورقيــة وزاغـوا عن جادة الموضوعية في ظل ثـورة رقمية تُـتيح للجميع الاطلاع على كل أشغال المهرجان والوقوف على تضخم "الأنـا" عنـد فـئة احترفت تسـول المواقف...مُتناسـين إطـلاعه على العديد من الملفات بحكم مناصبه السابقة بأروبا..في حين ذكر أكثر من مـرة أنه في تلك النـدوة بمعطف الأكاديمي والمؤرخ أي الحجة بالحجة العلمية..وضرورة احترام الآخـر رغم الاختلاف في الآراء..
نــدوات مهرجان التويزة وقفت على غياب المُواكبة والمُصاحبة في البرامج الحكومية الخاصة بتأطير الشـأن الديني رغم تخصيص ميزانية 120 مليون درهم..فالنتيجة هي وجـود 30 الف مغربي مُـتشيع ببلجيكـا و ذهاب شباب مغاربة العالم للقتال بإسـم الجهاد...
أهمية ندوة الأمازيغية أنها كانت مناسبة للشباب بالبوح بكل شيء ومناسبة للأكاديميين للإنصات لكل شيء..كانت بالفعل فضاءا لتفريغ "كُـبث معرفي.." تنقصه معلومات دقيقة ومصادر علمية موثوقة..حيث وقف الجميع على ضرورة تقوية المحافظة على روابط الهوية كما تقول المادة 16 من الدستور..فالإيمان بأن التنوع والتعدد الثقافي هو قاطرة الأمان للشباب المهاجر ودون الإنغلاق والانزلاق في اتجاهات متطرفة قـد تقـوده الى إرتكاب أفعال " بوكـو حــرام.."
تـوفـقت " التويزا" بهولندا في مناقشة ثُـنائيات المتناقضات الى حـد كبير,أي الانفتاح ضد الإنغلاق والتعدد والتنوع ضد التطرف والنقاش الأكاديمي ضد النقاش الشعبوي ـ السياسوي..والاختلاف ضد الخـلاف..والصراحة ضد الــوقاحة..والحقيقة التاريخية ضد المحاكمة الشعبية..
الأكيد أن النسخة الثانية لمهرجان "التـويـزا" بهولندا في السنة المقبلة نريدها أكثر جُـرأة وأكـثر تميُـزا من حيث مواضيع النقاش الأكاديمي العمومي أو من حيث عيـار الحضور..وفي الأخير أذكر أنني أمازيغي مغربي أوروبي وبالتالي فموضوع اللغة الأمازيغية في مهرجان "التويزا" يهمني كمُشترك لجميع المغاربة وبدون استثنـاء بإسـم دستـور 2011..
حســن شاكــر
التجمع الديمقراطي للجمعيات المغربية بايطاليا

Google+ Google+