الأحد 5 نونبر 2006 نص الخطاب الملكي السامي الذي وجهه جلالة الملك إلى قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي

السبت, 13 يونيو 2009
بكين: الأحد 5 نونبر 2006


(تلى الرسالة الوزير الأول السيد إدريس جطو )

"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه.


فخامة السيد رئيس جمهورية الصين الشعبية،


أصحاب الفخامة،


السيدات والسادة رؤساء الدول والحكومات،


حضرات المندوبين الأفاضل،


حضرات السيدات والسادة،


يطيب لنا أن نتوجه بهذه الكلمة إلى قمة بكين التي تعد مناسبة لترسيخ أواصر الصداقة والتفاهم المتبادل بين الدول الإفريقية وجمهورية الصين الشعبية، والتضامن الذي يجمع بينهما معربين لفخامة السيد هوجنطاو، رئيس جمهورية الصين الشعبية، عن جزيل شكرنا وعميق تقديرنا لما بذله هذا البلد الكبير من جهود لاحتضان هذه القمة وإنجاحها.


إن لقاءنا اليوم يتزامن مع تخليد الذكرى الخمسينية لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ودول إفريقية، لذلك يعد خير تجسيد للإرادة المشتركة التي تحدونا للانكباب جميعا على اتخاذ قرارات على أعلى مستوى، بشأن السبل والوسائل اللازمة لإقامة شراكة استراتيجية صينية إفريقية طموحة وخلاقة، تستند إلى مبادئ المساواة وخدمة المصالح المشتركة والتعاون الشامل.


أصحاب الفخامة،


حضرات السيدات والسادة،


ما فتئت إفريقيا تحظى بدعم قوي وثابت من لدن الصين، سواء إبان فترات الكفاح الوطني من أجل التحرير، أو غداة حصول بلدانها على الاستقلال.ومنذ ذلك الحين والعلاقات القائمة بين الصين وهذه الدول، تزداد اتساعا وتنوعا، سواءا على الصعيد السياسي أوالاقتصادي أوالتجاري أوالثقافي أوالإنساني.


وإنه لمن دواعي ارتياحنا أن نلحظ ما يفتحه التعاون بين الصين وإفريقيا اليوم من آفاق واعدة، وذلك بالنظر إلى المقومات والإمكانيات الهائلة التي تزخر بها بلداننا، فضلا عن الفرص المتعددة، التي تتيحها الأسواق الإفريقية بالنسبة للشركات الصينية.


كما أن هناك إمكانيات كبرى للتبادل الاقتصادي والتجاري ينبغي تسخيرها وتطويرها.


إن الصين، بحكم تعاظم دورها الوازن كقوة صاعدة في المجالين السياسي والاقتصادي العالميين، واعتبارا لتقدمها التكنولوجي الذي يتلاءم مع متطلبات الأسواق الإفريقية، وكذا حيوية الفاعلين الاقتصاديين والمقاولات الكبرى فيها،لتمثل نموذجا واعدا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للقارة الإفريقية.


وإننا لموقنون أنه قد آن الأوان لإعطاء دفعة جديدة لمنتدانا في إطار شراكة حيوية وخلاقة بين دول الجنوب، تأخذ بعين الاعتبارمصالحنا المشتركة وخصوصيات دولنا على حد سواء.


ولذا، فإنه يتعين علينا تنسيق جهودنا وتسخير كل الوسائل المتاحة لجعل قمة بكين حدثا ذا بعد تاريخي ومنعطفا حاسما في تجسيد تضامننا وعزمنا على رفع كافة التحديات السياسية والجيو اقتصادية المطروحة في بداية القرن الواحد والعشرين.


أصحاب الفخامة،


حضرات السيدات والسادة،


إننا لنتابع باهتمام خاص المبادرات التي تتخذها السلطات الصينية في إطار هذا المنتدى، تعبيرا عن تضامنها مع الدول الإفريقية.كما ننوه بالدعم الفاعل الذي تقدمه الصين من أجل تحفيز الإقلاع الاقتصادي للدول الإفريقية، لاسيما من خلال التدابير المتخذة بهدف التقليص أو الإلغاء الكامل للديون المستحقة للصين على الدول الفقيرة الأكثر مديونية والأقل نموا.


وتأسيسا على نفس المبدأ القائم على التضامن الفاعل مع شركائنا الأفارقة، يعمل المغرب، بكل الوسائل المتاحة على الإسهام في الجهود المبذولة لصالح إفريقيا.


وقد قررنا في هذا الإطار، منذ سنة 2002، إلغاء جميع الديون المستحقة للمملكة على الدول الإفريقية الأقل نموا، وكذا إفساح المجال لصادرتها لولوج السوق المغربية بدون قيود.


كما نؤكد استعدادنا الكامل لمساعدة الدول الإفريقية، لاسيما الدول الواقعة جنوب الصحراء، في إنجاز مشاريعها التنموية، وكذا العمل سويا مع الصين والدول الإفريقية لإقامة تعاون ثلاثي في إطار الشراكة الصينية الإفريقية الجديدة، وخطة عمل المنتدى لسنوات 2007-2009 ؛ ومن شأن هذا التعاون أن يمكن من نقل التجارب والخبرات التي نتوفر عليها إلى شركائنا الأفارقة في ميادين متعددة كالفلاحة وتدبير الموارد المائية والبنى التحية والصيد البحري والصحة وتكوين الأطر، متوخين العمل، جنبا إلى جنب مع الصين، لتسخير إمكانياتنا التقنية والعلمية ومواردنا البشرية لخدمة أهداف التنمية المستدامة والمندمجة في القارة الإفريقية.


أصحاب الفخامة،


حضرات السيدات والسادة،


لقد تقدم المغرب خلال الاجتماع الخاص الأخير لكبار الموظفين المنعقد في بكين، بمساهمة في هذا الاتجاه تضمنت توصيات ملموسة تهدف إلى تعزيز الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين الصين وإفريقيا.لذا، يتعين علينا، في إطار السعي إلى إذكاء جذوة روح بكين، أن نتخذ التدابير اللازمة لتمتين هذه الشراكة.


وسعيا إلى تجاوز الصعوبات التي تعرقل مسلسل التنمية في بلداننا وتحول دون تنفيذ أهداف الألفية، يتعين علينا تعزيز سبل التكامل والتناسق بيننا في المجال الاقتصادي، وكذا القيام بالأعمال الرامية إلى تحسين مناخ الاستثمار وتحقيق الاندماج الإقليمي وإفراز أقطاب اقتصادية إقليمية كبرى.


وأمام بروز تجمعات اقتصادية كبرى على الصعيد الإقليمي والانفتاح المتزايد للأسواق التي أفرزتها ظاهرة العولمة، فإن من المجدي القيام بما يساعد على إحداث مناطق للتبادل الحر.


إن المغرب، بحكم موقعه الجغرافي المتميز واتفاقيات التبادل الحر المبرمة بينه وبين العديد من الدول ومجموعات من الدول، لقادر على تمكين شركائه الأفارقة من الاستفادة من تجربته في مجال التبادل الحر والمفاوضات ذات الطابع الاقتصادي والمالي.


بيد أنه لن يتسنى لمثل هذه الشراكة أن تتحقق دون انخراط قوي للفاعلين الخواص الذين هم مطالبون بالعمل على تمتين أواصر التقارب وتعزيز العلاقات في ميدان الأعمال، والتعريف بالإمكانات الاقتصادية والمنتجات والفرص المتاحة للمبادلات والاستثمار، التي تتوفر عليها دولنا.


وتوخيا للرفع من وتيرة المبادلات بين الصين وإفريقيا، وكذا خفض الكلفة العالية لاستئجار السفن والطائرات بسبب بعد المسافات بين دولهما، ينبغي العمل على تطوير البنى التحتية الأساسية اللازمة ووسائل وخطوط النقل البري و البحري، وذلك بهدف إعطاء دفعة للتجارة الإقليمية بين دول إفريقيا، ومن ثمة، لتعزيز حركة المبادلات بين إفريقيا والصين.


وأخيرا، وأخذا في الحسبان الأهمية القصوى للجانب المالي، فإنه من الضروري تعزيز إسهام المؤسسات البنكية الصينية والإفريقية، وكذا المؤسسات المالية الإقليمية والدولية في تمويل برامج ومشاريع التنمية في الدول الإفريقية، لاسيما الدول الأقل نموا منها.


إن المغرب، باعتباره فاعلا نشيطا وأحد البلدان المؤسسة لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي، ليولي اهتماما متزايدا لهذه الشراكة الاستراتيجية الجديدة، فضلا عن الإرادة السياسية القوية التي تحدوه للإسهام الكامل في تفعيلها في أقرب الآجال.


وختاما، نود التوجه بخالص عبارات الشكر والتهنئة لمنظمي القمة التاريخية الأولى للمنتدى، لاسيما حكومة الصين الموقرة وشعبها الصديق، الذي تربطنا وإياه وشائج وثيقة من الصداقة التقليدية والتضامن الفعال والتشاور الموصول.


أشكر لكم حسن انتباهكم، والسلام عليكم ورحة الله تعالى وبركاته".


نص الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى الواحدة والثلاثين للمسيرة الخضراء


أكادير: الاثنين 6 نونبر 2006



"الحمد لله ، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.


شعبي العزيز،


بمشاعر العرفان والوفاء والالتزام، نخلد اليوم الذكرى الواحدة والثلاثين، لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة.


أما العرفان، فلمبدعها والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، وللمشاركين فيها، وللشعب المغربي قاطبة، على تضحياته الجسيمة، في هذه الملحمة السلمية، التي مكنت بلادنا من استرجاع أقاليمها الجنوبية.


وأما الوفاء، فللمبادئ التي جسدتها المسيرة الخضراء، من التحام بالعرش، وإجماع وطني على الوحدة، وتعبئة شعبية دائمة، وتشبع حضاري بقيم السلام والحوار.


ومن ثم كان التزامنا، منذ اعتلائنا العرش، بهذه المبادئ، في تدبير كل القضايا الوطنية الكبرى. وقد سلكنا في ذلك نهجا ديمقراطيا أصيلا، عماده إدماج كل القوى الحية للأمة، والفاعلين المعنيين، في معالجتها بالحوار والتشاور، لجعل القرارات المصيرية تنبثق من القاعدة، كي تتبلورعلى مستوى القمة.


وعلى هذا الأ ساس، قامت مبادرتنا في تخويل أقاليمنا الجنوبية حكما ذاتيا موسعا، في نطاق سيادة المملكة، ووحدتها الوطنية والترابية. وقد قطعنا في هذا الشأن خطوات متقدمة، ضمن مسار تشاوري، وطني ومحلي.


وفي هذا الصدد، نجدد الإشادة بروح المسؤولية، والتجاوب الكبير، الذي أبدته الأحزاب السياسية، من خلال تقديم مقترحاتها البناءة لجلالتنا.


كما ننوه ، في نفس الوقت، بما يبذله المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، رئاسة وأعضاء، من جهود مخلصة، متشبعة بالغيرة الوطنية، سواء للدفاع عن مغربية الصحراء، أو في إعداد تصوره بشأن الحكم الذاتي، ورفعه إلى جلالتنا، في الأسابيع المقبلة.
وبذلك نستكمل التشاور مع أوسع قاعدة شعبية، محليا ووطنيا، لبلورة مقترح المغرب، المجسد للتوجهات الثلاثة الأساسية، في سياستنا الداخلية والخارجية.


فعلى المستوى الوطني، سنواصل المضي قدما، في تعزيز صرحنا الديمقراطي، بالجهوية المتقدمة، باعتبارها قوام الدولة العصرية، التي نرسي دعائمها.


وعلى الصعيد المغاربي والإقليمي، نؤكد بهذا النهج حرصنا على وحدة المغرب العربي، وعلى تجنيب المنطقة وجهة الساحل، وجنوب-شمال المتوسط، ما يمكن أن ينجم عن زرع كيان وهمي، من ويلات البلقنة وعدم الاستقرار، وتحويلها إلى مستنقع لعصابات الإرهاب، والتهريب والاتجار في البشر والسلاح. وتلكم هي المخاطر التي يعمل المغرب على مواجهتها من خلال اقتراح الحكم الذاتي، كتوجه ديمقراطي.


أما على المستوى الدولي، فإن المغرب بهذا التوجه، يظل وفيا لالتزامه الثابت، بالتعاون الصادق مع المنتظم الأممي، ومع أمينه العام، وممثله الشخصي، من أجل الإسهام في إيجاد حل سياسي توافقي، تنخرط فيه بجدية، كل الأطراف المعنية فعلا بهذا النزاع.


وهو ما يتطلب مضاعفة التعبئة والصمود، للتصدي لمناورات ومؤامرات خصوم وحدتنا الترابية، بالعمل المكثف، للتعريف بمشروعية حقنا، وصواب موقفنا، الذي يحظى بمساندة القوى الفاعلة في المجتمع الدولى، وعدد متزايد من البلدان الشقيقة والصديقة لعدالة قضيته. كما أن المغرب سيواصل جهوده الدؤوبة، لتحقيق التنمية الشاملة، بهذه الأقاليم العزيزة علينا.


وفي هذا الصدد، فإننا نوجه كل الفاعلين المعنيين، من سلطات عمومية ومنتخبة، وقطاع خاص، ووكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، وسكان هذه الربوع الغالية، إلى تضافر جهودهم، وإيلاء عناية خاصة للبرامج التي تمس الواقع المعيش لرعايانا الأوفياء بالصحراء، إلى جانب الأوراش الهيكلية الكبرى، بتناسق مع المشاريع المبرمجة، في نطاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي تضع هذه الأقاليم في صدارة أولوياتها.


شعبي العزيز،


إن حرصنا على تفعيل الخيار الديمقراطي التنموي، لا يقتصر فقط على توطيد وحدتنا الترابية، وإنما يشمل أيضا كل القضايا الوطنية الكبرى، حيث اعتمدنا في معالجتها نفس المقاربة التشاورية الإدماجية، القائمة على المشاركة الفعلية، لمختلف المعنيين في اقتراح الحلول الأنسب لها.


ومن هذا المنظور، كان حرصنا القوي على إيلاء عناية خاصة لقضايا جاليتنا بالخارج، وذلكم من خلال اعتماد سياسة جديدة للهجرة، ذات بعدين :


أولهما بعد خارجي نعمل في إطاره على الدفاع عن حقوقهم في بلدان الإقامة، وتمكينهم من ممارستها بدون تمييز، وذلك في نطاق الاتفاقيات الثنائية المبرمة، ولاسيما مع البلدان الأوروبية.


وبقدر ما نشيد باحترام مواطنينا بالخارج لقوانين بلدان الهجرة، فإننا حريصون على الحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية المغربية الأصيلة، القائمة على التسامح والاعتدال، واحترام الاختلاف، وتجسيد الإسلام البناء.


أما البعد الثاني، فهو بعد داخلي وطني، قائم على انتهاج سياسة جديدة، منصفة لجاليتنا بالخارج، التي تحظى لدى جلالتنا بمكانة خاصة، اعترافا منا بكونها في طليعة القوى الحية، المساهمة بدورها الفاعل، في تنمية المغرب وتحديثه، وإشعاعه الحضاري، وتماسكه الاجتماعي، وتطوره الديمقراطي.


وفي هذا السيا ق، كان تأكيدنا على تمكين أفراد جاليتنا من شروط ممارسة مواطنتهم كاملة، بتوسيع انخراطهم ومشاركتهم، في كل مجالات الحياة الوطنية.


وإننا لجد معتزين بالصدى الإيجابي، الذي لقيته مبادرتنا من قبل جاليتنا في الخارج. وتجاوبا مع تطلعهم للانخراط في تفعيل هذه المشاركة، فقد قررنا السير على نفس النهج الديمقراطي المتدرج. فبعد تخويلهم حق المشاركة السياسية، بتمكينهم من أن يكونوا ناخبين أو منتخبين بأرض الوطن، فإننا سنعزز هذا المكسب الديمقراطي، بإقامة المجلس الأعلى للجالية المغربية بالخارج.


وفي هذا الصدد، قررنا تكليف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وهو المؤسسة الوطنية التعددية والمستقلة، التي جعلنا ضمن مهامها الدفاع عن قضايا المغاربة بالخارج، بإجراء المشا ورات الواسعة، مع كل المعنيين، لإبداء رأي استشاري بخصوص إحداث المجلس الجديد، بكيفية تجمع بين الكفاءة والتمثيلية، والمصداقية والنجاعة.


وفي ضوء ما سيرفع لجلالتنا في هذا الشأن، سنقوم بوضع الظهير الشريف، المحدث للمجلس الأعلى للجا لية المغربية بالخارج، على أن نتولى تنصيبه، إن شاء الله، خلال سنة 2007.


وإننا لحريصون على أن يشكل هذا المجلس مؤسسة ناجعة لإسهام جاليتنا في النهضة الشاملة، التي يعرفها وطنهم المغرب، نظرا لما أبانوا عنه من تعلق بهويتهم الوطنية، ومن تعبئة والتزام في تقدم بلدهم، والدفاع عن وحدته، والانخراط في المشروع الديمقراطي والتنموي، الذي نواصل إنجازه بإرادة راسخة وخطى حثيثة، لما فيه خير جميع مكونات شعبنا الأبي، داخل الوطن وخارجه.


والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

Google+ Google+