عبد الله خزراجي.. مسفِيوِي يقرّب ساكنة ترِيفيزُو من المغاربَة

الإثنين, 16 فبراير 2015

شدّته أحلام الهجرة كما شدّه التخصّص، قبلها، إلى دروس التاريخ والجغرافيا.. فما كان منه إلاّ أن اختار اختراق الحدود الجغرافيّة بحثا عن كتابة تاريخه بشكل مغاير يزيح عنه صعوبات العيش ويمكّنه من تحقيق الرغبة في معرفة مجتمعات ساكنين ببلدان أخرى غير المغرب.

هو عبد الله خزراجي، المغربيّ الذي يستقرّ بشمال إيطاليا في مدينَة ترِيفِيزُو التي حلّ بها قبل عقدين ونصف ولم يبارحها، مفردا مجهوداته لخدمة مصالح المهاجرين المغاربة والمغاربيّين ببرامج ذات نفحات ثقافيّة.. مؤمنا في ذلك بكون العيش لا يتحقّق بالخبز بقدر ما يحلو بالتعرف على الآخرين والتعايش مع ثقافاتهم بعد معرفتها بوضوح.

المسفِيوِي

ولد عبد الله خزراجي سنة 1966 بضواحي مدينة آسفي، وبذات الفضاء القروي تدرّج دراسيا ضمن المسار الابتدائيّ قبل أن يقصد المدنيّة بحثا عن مقاعد خولت له التواجد بفضاءات التمدرس الإعداديّة والثانويّة.. ويقول خزراجي عن تلك المرحلة: "كانت مرحلة قاسيا وأنا، بمعية أبناء جيلي من قريتي، أقطع مسافات طويلة بحثا عن استمرارية التعلّم بالرغم من الإكراهات المواجهة.. لكنّ ذلك لا يعني بأن تلك الفترة لم تكن جميلة بذكرياتها".

درس عبد الله، عقب تحصله على باكلوريا آدبيّة وتوجّهه نحو التكوين الجامعي، بشعبة التاريخ والجغرافيا.. إذ استمرّ ذلك لعامين فقط قبل أن يتحرّك صوب العيش بالمهجر، مراكما حتّى الحين ما يزيد بقليل عن رُبع قرن وسط مقامه بمدينة تريفيزُو بشمال إيطاليا.

حلم الهجرة

لازم حلم الهجرة بال عبد الله خزراجي منذ وعيه بالوجود وتعرفه على الإكراهات ومعانقته للطموحات وأبوابها المفتوحة، إذ كان يرَى بلدان الشمال الجغرافي بمثابة قطع من الجنّة على الأرض، وتمثلا كل ذلك ممّا سمعه من محيطه وما يتناقله المهاجرون الدائبون على قصد آسفي مع قدوم كل صيف.. لكنّ تنقله نحو إيطاليا، بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، جعله يدرك الأمور على حقيقتها البعيدة عمّا عاش بذهنه لردح من الزمن.

ويقول خزراجي ضمن لقاء له بهسبريس: "كان حلم العيش كمهاجر خارج المغرب مواكبا لنشأتي، ذلك أنّي خلت أن الفردوس تفرقني عنه مياه البحر الأبيض المتوسّط.. لكن انتقالي صوب الفضاء الاوروبي جعلني أصطدم بالواقع، وإن كنت لا أنكر نيلي استفادَة حياتية كبيرة عبر التجارب المتنوّعة التي خضتها".

ذات المغربي يسترسل: "كانت أصعب الفترات بالوطن مقترنة بمرحلة المراهقة، إذ لم يكن المغرب وفرصه المتوفرة تغريني، وإلى جواري عدد كبير من الشباب الذين احتككت بهم سنوات الثمانينيات"، ويضيف عبد الله: "لم نكن نودّ أن نشتغل بوطننا الأمّ بعدما أغرتنا فكرة الهجرة ومظاهر المهاجرين الوافدين لتمضية عطلهم السنويّة بالمغرب، كما أن الرغبة في اكتشاف بلدان أخرَى قد كانت محدّدا مفصليا في اتخاذ قرار الرحيل".

حين تحرك خزراجي صوب إيطاليا لم تكن سلطاتها تلزم الوافدين من المغرب بوجوب التحصل على تأشيرة ولوج إلى ترابها، كما أن قربها من فرنسا، التي يتوفر عبد الله وسطها على عدد من المعارف، قد كان مشجعا له في البصم على تجربة حياتيَّة جديدَة.. "لقد أغراني البلد وأعجبني، تماما كما هو الأمر الحين، وذلك لحركية مواطنيه والإبداعات التي يبينون عنها في أكثر من مجال، ولذلك اخترت الاستقرار بشمال إيطاليا حتّى الآن" يقول ابن آسفي.

خدمة المهاجرين

استأنس عبد الله خزراجي باشتغالاته الجمعوية السابقة وسط مدينة آسفي ليبصم على أداء مدني متميّز بتريفيزُو وجوارها في شمال الدولة الإيطاليّة.. وعن هذا الأداء يقول: "بداية مرحلة الهجرة بالنسبة إليّ وسط الرعيل الاول من المؤمنين بأهمية العمل الجمعويّ في أوساط الوافدين للعيش بإيطاليا، ولذلك ساهمت في تأسيس اول تجمّع للمغاربة بالمنطقة وسط أفكار لم تكن تجعل أبناء بلدي الذي يعيشون بتريفِيزُو النواحي يقبلون إلاّ على العمل ولمّ المال والتحرك نحو البناءات الإسمنتيّة، لذلك حاولنا تغيير ذلك بالانفتاح على المجتمع والمؤسسات الإيطاليَّة لنيل مكاسب ومنافع تخدم هجرة المغاربة".

قبل ثلاث سنوات من الألفيّة الحاليَة وقف عبد الله خزراجي وراء خلق تعاونية مغربيّة ـ إيطاليّة، وذلك للاشتغال ضمن مضمار الوساطة الثقافيّة بتسطير برامج مشجّعة على تحقيق اندماج المهاجرين وسط بيئة الاستقبال الأوروبيّة.. وقد واكب ذلك حملات تسويَة أوضاع المهاجرين غير النظاميّين وما أبانت عنه من وجود مغاربة ومغاربيّين يلاقون صعوبات كبيرة على المستويات الشخصية والاجتماعيّة.

"باكورة الأداء في هذا المجال كانت تجمعني بإيطالية مجازة في الأدب العربيّ، وقد كان ذلك بشكل عفوي قبل اللجوء إلى مأسسة العمل، وبالنتائج الكبيرة التي حققت في تذليل الصعوبات التي اعترت معاملات المهاجرين مع الإدارات اتسعت رقعة الاشتغال، فأصبحت لنا شراكات مع مجالس بلديّة وإدارات مستشفيات، ما أسفر عن صياغة برامج مشتركَة حققت نجاحا لم يكن متصوّرا" يعلّق عبد الله خزراجي.

من جهة أخرَى، أرسَى خزراجي معالم تحركات ثقافيّة، بمعيَّة متدخلين إضافيين من مؤسسات التدبير بتريفِيزُو، ومنظمات للعمل الجمعوي بالمنطقة، من أجل تغيير الصور النمطيَّة عن المهاجرين والبلدان التي ينتمون إليها بالضفة الجنوبية من المتوسطي.. مستهدفا أطفال الإيطاليّين بتعريف يطال الطبخ المغربي وأزياء المملكة، إضافة لمعارض مصوّرة وألعاب مسرحيّة، بنيّة تمكين الأجيال القادمة من التعرف على أصول مشاركيه بذات حيز العيش.

ربط بالمغرب

يسهر عبد الله، أيضا، على أنشطة سنويّة تعمل على ربط مناطق الشمال الإيطاليّ بالتراب المغربيّ.. ومن بينها التحرك ضمن رحلات استطلاعيّة تلمذيّة، يقدم على تنظيمها بمعيّة المؤسسات التي تقترن بشراكات مع إطاره الجمعوي، لأجل تمكين أطفال ترِيفِيزُو والنواحي من مشاهدة المغرب على حقيقته قبل نقل كل ذلك صوب الأبوين وباقي أفراد العائلة.

"ليس غريبا أن يوافق البلجيكيون أو الفرنسيون أو الهولنديًّون على تحرك أطفالهم ضمن رحلات تقودهم للمغرب، لكنّ ذلك صعب للغاية وسط البيئة الإيطاليّة بفعل التاريخ القصير لهجرة المغاربة صوب هذا البلد، مقارنة بباقي الدول المشار إليها.. لكننا نعمل على نيل المزيد من الثقة من أجل التعريف بثقافة الوطن الأمّ وكسب أجيال المستقبل التي تتعرّف على الصورة الحقيقية للمغرب والمغاربة.. ومن بين أولى ثمار هذه المبادرة تتواجد شراكة بين ثانوية من تريفيزُو وأخرى بآسفي لجعل تلاميد المؤسستين يتواصلون باستمرار" يورد خزراجي.

وعن ذات الاشتغال الجمعوي الثقافي يضيف نفس المغربيّ الإيطاليّ: "ننظّم مهرجانا نال ميدالية الشرف من رئيس الدولة الإيطاليَة كما نال رعاية الملك محمّد السادس، حيث بلغ عمره دورتين اثنيتين فيما يتم التحضير لثالث نسخه.. ومن بين ما يشهده يمكن ان أذكر تحول ساحة سَان مَاركُو، بمدينَة فِينيزيَا، إلى شبيهة بساحة جامع لفنَا المراكشيَّة، بكل تعابير الموسيقى الاحتفالية المغربيّة"، ويسترسل عبد الله: "هناك برامج اشتغال ثريّة تركز على التحركات الميدانيَّة بالأساس، ومن بينها تحرك لجامعيّين إيطاليّين، من أطر وطلبَة، همّ تعرفهم على المدن المغربيّة الممتدّة بين طنجة والعيون بلقاءات مع نشطاء جمعويّين مغاربة، كما استقدم طلبة وكوادر من جامعات مغربيّة في رحلات مشابهم قصدت الفضاء ما بين بَالِيرمُو وفِينِيزيَا".

ويقف عبد الله خزراجي وراء تأسيس ناد مغربيّ وسط مستقرّه بترِيفِيزُو الإيطاليَة، وهو الفضاء الذي يعرف الوفود إليه إقبالا إيطاليا بعدما أضحى مواطنو البلد يشكّلون نسبة 95% من قاصديه.. كما يحرص ذات المغربيّ على تيسير جولات لعدد من الفرق المسرحية المغربية الإيطاليّة صوب دور العرض بالمملكة من أجل تعريف الجانبين بثقافة بعضهما البعض.

عن موقع هسبريس

الصحافة والهجرة

Google+ Google+