على خلاف الكثير من المغاربة الذين صنعوا النجاح في أوروبا، بدأ الحسن أيت سعيد، المدير المالي "لرونو هولندا"، حياته في المهجر وهو في سن مبكرة نسبيا، إذ لم يكن هذا اليافع المغربي انذاك يتصور نفسه بعيدا عن أصدقائه ومدينته الدار البيضاء، غير أن القدر نقله بعيدا عن الوطن وهو مايزال تليمذا في المرحلة اللإعدادية، ليني نجاحا ذاع صيته في كل أوروبا.
ولد الحسن أيت سعيد في الدار البيضاء سنة 1964، في أسرة كانت تشتغل في مجال السيرك. طبيعة عمل أسرته جعلته يجول عددا من دول العالم في سن مبكرة، كما أن إقامة والديه بشكل شبه مستمر بأوروبا، جعلاه يحتك بالغرب بشكل كبير، لكن أيت سعيد فضل البقاء في الدار البيضاء، ومتابعة دراسته الأساسية في المغرب. هجرة لحسن أيت سعيد ستأتي بعد رسوبه في اجتياز امتحانات السنة الخامسة الإعدادية، ماجعل والدته تقرر تنلقه معها إلى بلحيكا من أجل تعليم أفضل.
بدايات أيت سعيد في بلجيكا، وتأقلمه مع النظام التعليمي في هذا البلد الأوروبي، لم تكن سهلة؛ فبالإضافة إلى تعقيد الحصول على معادلة شهادته الثانوية بنظيرتها البلجيكية، واجه أيت سعيد صعوبات حقيقة في تعلم اللغة الفلامانية، التي كانت مادة إلزامية من أجل اجتياز المرحلة الثانوية، لكن عزم أيت سعيد مكنه من مواجهة كل الصعاب، الحصول على شهادة الثانوية بتفوق.
حصول أيت سعيد على معدلات جيدة جعله سنة 1984 يدرس الهندسة التجارية في مدرسة "ليشيك"، إحدى أعرق المدارس العليا المتخصصة في الاقتصاد والتجارة في أوروبا، إلا أن تواضع الحالة المادية لأسرة أيت سعيد وعدم تمكنه من الحصول على منحة دراسية عجلا في نهاية مقامه في "ليشيك".
" كانت الحاسبة لدى الطلبة المهندسين بالمؤسسة تساوي 400 أورو، أي نصف أجر ولدي، ولذلك قررت التوفق عن الدراسة سنة 1985". يقول الحسن في حوار مع أسبوعية الأيام المغربية الصادرة يوم الخميس 11 يونيو 2015.
سنة 1986، التحق أيت سعيد بالجامعة، إلا أنه سرعان ما سيترك الجامعة مرة أخرى، وينطلق في رحلة بحث عن عمل، انتهت به في أحد متاجر المواد الغذائية. لم يطق أيت سعيد واقعه، وظل حلم متابعة الدراسة يراوده، ليقرر العودة من جديد إلى مقاعد الدراسة في مدرسة " كورومانس" لدراسة الهندسة التجارية.
خلال مرحلة الدراسة، تمكن الحسن من الحصول على فرصة تدريب بالقسم التجاري لفرع شركة "رونو" بمدينة أندرليخت البلجيكية، سرعان ماستنتهي بحصول الطالب المغربي على وظيفة في ذات القسم. كانت المزاوجة بين الدراسة والعمل تحديا حقيقيا واجه أيت سعيد، خاصة وأن عددا كبيرا من زملائه تركوا الجامعة لعجزهم عن التوفقيق بين الأمرين، لكن إيمان الحسن بضرورة المزاوجة ببين العمل والدراسة، خاصة أمام مايسمح به هذا الأخير من إمكانية التعرف عن كثب على أنواع أسرار التدبير والتسيير التي تخص أحد عمالقة صناعة السيارات في العالم.
بعد تخرجه مهندسا تجاريا سنة 1991، سيلتحق أيت سعيد بمصلحة العلاقة مع الزبناء في "رونو بلجيكا"، المهمة التي كانت حساسة، نظرا لارتباطها بشكل مباشر بمصلحة التمويل والحسابات، لكن أيت سعيد تمكن من القيام بمهامه على أحسن وجه، وكسب ثقة رؤسائه ومسؤولي الشركة الأم في فرنسا، جعلته يصبح مديرا للمراقبة المالية "رونو بلجيكا"، حيث كلف بالمشاركة في أحد أضخم المشاريع التي أعدتها رونو من أجل إعادة هيكلة جميع منشآتها التجارية في أوروبا، والذي استمر العمل عليه لأكثر من سنة ونصف.
عمل أيت سعيد ضمن فريق من كبار أطر ورؤساء رونو على هذا المشروع، وكان هذا الإطار المغربي من أهم الأشخاص الذين وضعوا بصمتهم على هذا المشروع، خاصة وأنه جاء في فترة عرفت فيها الشركة تحولات عميقة على المستوى التجاري.
بعد هذا، انتقل أيت سعيد للإشراف على المصلحة التجارية "لرونو هولندا"، في مهمة لاتقل أهمية عن سابقتها، حيث أنيطت به معمة إعادة هيكلة، وإحياء هذه المصلحة، من أجل زيادة إشعاع رونو في بلد عمالقة صناعة السيارات، وأمام المنافسة للشركات المحلية.