الخميس، 26 دجنبر 2024 19:52

الواحة.. مصحة للمغاربة المصابين بالشيزوفرينيا

الإثنين, 05 يوليوز 2010

الواحة، فيلا صغيرة بالطراز المعماري الاروبي الذي ميز القرن السابع عشر، تتوسط مدينة روتردام. والواحة مصحة خاصة لمرضى انفصام الشخصية أو الشيزوفرينيا ممن هم من اصل مغربي من الذكور فقط. أنشئت قبل عشر سنوات خصيصا للمغاربة الذين يصابون كثيرا بهذا المرض بعدما اتضح انه من المهم ألا يتغرب المريض عن محيطه.

يقطن في "الواحة" 22 رجلا مريضا. ويقول عبد الله بزداد، مشرف على المصحة ومرافق للمرضى منذ افتتاح المصحة، موضحا إنه قبل إنشاء المصحة الخاصة بالمرضى المغاربة، كان كثير منهم يقيمون في مصحات هولندية ولا يستطيعون التأقلم أبدا مما كان يزيد من معاناتهم، ويضيف: "الاختلاف في الثقافة وفي الأكل والديانة أيضا كانت عراقيل جعلت استقرار المغاربة بمصحات هولندية شبه مستحيل".

يصيب مرض الشيزوفرينيا أو انفصام الشخصية 1% من الأشخاص على مستوى العالم، غالبا لدى الذكور وتظهر آثاره عندما يصل الشاب سن 17 سنة أو 18 سنة. لابد من علاجه فورا، كما يؤكد الطبيب النفسي صلاح السيدالي، الذي لديه تجربة كبيرة مع مرضى الشيزوفرينيا من أصل مغربي. وليس للمرض علاج نهائي لكن من الممكن السيطرة عليه بالأدوية.
يبدأ الانفصام بان يسمع الإنسان أصواتا غريبة ويرى أشياء لا يراها الآخرون، ويبدأ بالشك في الناس والمحيط، وغالبا ما ينام نهارا ويصاب بالأرق ليلا.

يبلغ عبد الله من العمر الآن 45 سنة، ويعتبر أول نزيل بمصحة الواحة، ولا يزال بها بعد مرور عشر سنوات. قبل ذلك، كان نزيلا بمصحة هولندية، وكان يشعر بها باغتراب كبير معانيا طول الوقت من حنين جارف إلى المغرب ولكن المصحة لم تسمح له بالسفر لسوء حالته النفسية. وحين افتتحت المصحة المغربية انتقل إليها ولم يتعود على المصحة الجديدة إلى بعد مرور زمن ليس بالقصير. وحين اعتاد على المكان، استوعب أنه هناك ليتعلم كيف يصبح مستقلا بنفسه ويعتني بها. استحسن الفكرة ولكن حاله عموما لم يتقدم كثيرا فهو أول نزيل بالمصحة. يقول عبد الله حزينا: " كل ما يمكن ان افتقده من العالم الخارجي، بيتي وعلاقة إنسانية حميمة. في الماضي كنت مرتبطا بفتاة هولندية، ولكننا لم نستمر مع بعض، وصلنا إلى طريق مسدود وافترقنا". يحلم عبد الله ان يكون له في يوم من الأيام بيت خاص به وان يستقل بنفسه، مضيفا: " سأستمر في الصراع لأجل الحياة إلى النهاية. أحيانا أتساءل لماذا يحدث كل هذا لي، لماذا أنا مصاب بهذا المرض الذي دمر حياتي بهذا الشكل فلم يعد لها معنى، ولكن بعد حين أتخلص من هذه السوداوية".

يبلع عبد الصمد من العمر 21 عاماً فقط، وهو بذلك أصغر نزيل بالمصحة، ويقيم بها منذ ما يزيد عن سنتين، لكنه لا يزال يرفض بشدة التصديق بأنه مريض قائلا: "اعتقد أنني لم أعان يوما ما من مرض الذهان، اضطرب حالي في وقت ما، فجاءوا بي للمصحة، وهذا ليس عدلا لأني لست مريضا".

وقبل ذلك، كان عبد الصمد بالمدرسة، ويشتغل ساعات بالنهار كما يفعل كل الطلبة،

حين قتلت خالته بسكين أمام عينيه، لم يستطع أن يستوعب تلك الجريمة البشعة، فطرأ تغيير كبير على حالته النفسية حيث أصبح عنيفا، يضطرب بسرعة ويشتبك كثيرا في الشارع. وقبل ذلك لم تكن بدت عليه أية أعراض، حيث يقول: "كنت هادئا ولكن كنت أعود أحيانا متأخرا للبيت وهو الأمر كان يسبب لي مشاكل فضجرت من ذلك ورحلت عن بيت والدي وحصلت على غرفة للسكن، والآن أنا هنا رغم إرادتي".

يرى عبد الصمد انه يستحق ان يقطن لوحده بسكن خاص به، ولكنه سريعا ما يعود ويقول انه سعيد بإقامته هنا: "الأكل مع الجماعة والأنشطة التي نقوم بها مثل السباحة، أمور تعجبني هنا".

تصيب الشيزوفرينيا مغاربة هولندا كثيرا حسب الباحث جان بول سلتن الذي أشار في بحثه الخاص بمرضى الشيزوفرينيا إلى أن المرض يصيب مغاربة هولندا بنسبة ست مرات أكثر، مقارنة بالهولنديين الآخرين.

أزمة الهوية وصعوبة الانتماء والشعور بالدونية كلها أمور تضغط على الطفل وتنغص عليه حياته فيكتنف القلق حياته وحين يصبح مراهقا يظهر فيه هذا المرض. كما ان المغاربة مقارنة بالأتراك المقيمين بهولندا، لا يعرفون ما يكفي عن تاريخهم وأجدادهم، ولا يشعرون بالانتماء لأرض الآباء والأجداد ولذلك فهم حساسون جدا للإصابة بالشيزوفرينيا، وهو ما يؤكده أيضا الطبيب النفسي السيدالي.

والآن وبعد مرور عشر سنوات، هل نجحت مصحة الواحة في روتردام في أداء مهمتها؟

يقول عن ذلك صلاح السيدالي الذي كان أيضا من مساندي الفكرة: "نحن ننصح ان يوضع المريض أولا في مكان يشبه المحيط الذي نما فيه، نفس اللغة للتواصل، ونفس الثقافة والخلفية. الثقة مهمة جدا للمريض، يجب أن يربط الشيزوفريني محيطه بمحيطه الخاص، وجه يذكره بوجه أبيه مثلا، ومائدة تذكره بمائدة أمه، وهكذا لمدة سنة أو اثنيتن". بعد ذلك يجب أن يعاد الشيزوفريني تدريجيا للحياة الاجتماعية إلى ان يستقل بنفسه ويحيا حياة عادية دون ان يتخلى عن خضوع منظم للفحص وعن تناول الأدوية. إلا ان حال عبد الله، نزيل مصحة الواحة الأول، قد ابتعد كثيرا عن المجتمع إلى درجة تجعل العودة إليه من جديد شبه مستحيل، وعن ذلك يقول السيدالي: " هذا وضع لا يمكن قبوله أبدا".

المصدر: إذاعة هولندة

Google+ Google+