شهدت البرازيل خلال السنوات الأخيرة توافد العديد من المهاجرين المغاربة الذين اختاروا أمريكا الجنوبية وجهة لاستشراف آفاق اقتصادية واجتماعية جديدة.
ويبقى الواقع الاقتصادي الذي بلغته العديد من الدول الأوروبية جراء استفحال الأزمة الاقتصادية من أبرز الأسباب التي زادت بشكل ملحوظ من موجة الهجرة المغربية الجديدة إلى البلد الأمريكي الجنوبي، الذي يعيش بالمقابل طفرة اقتصادية ينتظر أن تتواصل خلال السنوات القادمة، حسب توقعات العديد من المؤسسات المالية المحلية والدولية.
ويتضح من خلال شهادات للعديد من أفراد الجالية المغربية، استقتها وكالة المغرب العربي للأنباء، أن أغلب هؤلاء قدموا إلى البلاد بدافع اقتصادي بالدرجة الأولى، عن طريق مقربين أو أصدقاء اختاروا، سلفا، وجهة البرازيل "كمغامرة" لبلوغ آفاق اقتصادية جديدة وتلبية لطموحات مهنية ذاتية.
وإذا كانت التقديرات تشير إلى وجود أزيد من ألف من مهاجري الجيل الجديد من المغاربة بالبرازيل، فإن عدد المسجلين منهم بالمصالح القنصلية بسفارة المملكة في برازيليا يبلغ حوالي 500 شخص، حسب معطيات السفارة، التي تشير إلى أن عددا منهم يحملون الجنسية البرازيلية.
وتشير المعطيات ذاتها إلى أن حوالي تسعين بالمائة من أفراد الجالية المغربية يتركزون في المثلث المكون من مدن ريو دي جنيرو وساو باولو، بالجنوب الشرقي للبلاد، وكوريتيبا، بالجنوب، في حين يتوزع الباقون بين العاصمة الفيدرالية برازيليا والمدن الرئيسية بالشمال البرازيلي كسالفادور وماناوس وفورتاليزا.
وينحدر القسط الأكبر من الجيل الجديد من المهاجرين المغاربة بالبرازيل، والذين يبقى متوسط أعمارهم دون الثلاثين سنة، من محور مدن فاس والرباط وسلا والدار البيضاء، وبعض مدن الجهة الشرقية كوجدة وبركان، في حين ينحدر عدد قليل منهم من المناطق الشمالية والجنوبية للبلاد.
ويتعاطى أغلب أفراد الجالية المغربية بالبلد الأمريكي الجنوبي، لاسيما بمدينة ساو باولو، العاصمة الاقتصادية للبلاد، الأعمال التجارية، سواء من خلال استيراد بعض المنتوجات من السوق الصينية وترويجها بالسوق البرازيلية على غرار العديد من التجار البرازيلين والأجانب، أو من خلال تدبير محلات تجارية خاصة، في حين يشتغل البعض الآخر في قطاع الخدمات ومسالخ الذبح الحلال أو بمعامل النسيج التابعة لبعض المقاولين العرب، فضلا عن اشتغال عدد من الأطر المغربية العليا في قطاعات مهمة كالهندسة والإدارة والتعليم العالي.
وتعرف البرازيل أيضا حضورا وازنا لليهود المغاربة الذين ينحدر أغلبهم من المناطق الشمالية للمملكة، خصوصا مدن القصر الكبير والعرائش وطنجة وتطوان وأصيلة وكذا من الجديدة.
ويتركز أغلبهم حاليا في مدينتي ريو دي جنيرو وساو باولو وبمنطقة الأمازون بالشمال البرازيلي، وتحديدا بمدن ماناوس وبيليم وفورتاليزا، حيث يشغل العديد منهم مناصب مهمة بالبلاد بالقطاعين العام والخاص، كرؤساء للشركات وجامعيين ومديري أبناك ومحامين وأطباء وتجار مرموقين.
بيد أن واقع المهاجرين المغاربة بالبرازيل، وخصوصا حديثي الوصول منهم، لا يخلو من صعوبات ترتبط أساسا بالمسطرة الإدارية اللازمة للحصول على الإقامة الدائمة، وما ينجم عن ذلك من عراقيل تحول دون الانخراط بشكل أفضل وأسرع في سوق الشغل.
فإذا كانت شهادات العديد من أفراد الجالية المغربية تجمع على غياب مشكل الاندماج داخل المجتمع البرازيلي، بالنظر إلى انفتاح الأخير وتشكله من أعراق متعددة، فإنها تتوقف بالمقابل عند هذه الصعوبات الإدارية التي تواجه المهاجر المغربي بالبرازيل.
وباستثناء (جمعية الصداقة والتعاون المغربية البرازيلية) بريو دي جنيرو، سجل العديد من المهاجرين المغاربة، غياب إطار جمعوي فعلي أو مؤسسات ثقافية مغربية، على غرار ما تتوفر عليه بعض الجاليات العربية الأخرى من أندية وجمعيات خاصة بها، تسهر على تنظيم أنشطة اجتماعية واقتصادية وتظاهرات فكرية وثقافية لفائدة أفرادها.
وأشار البعض إلى أن العديد من المبادرات اتخذت في هذا الصدد من قبل بعض أفراد الجالية المغربية، غير أنها تبقى مبادرات شخصية محدودة لا تجد طريقها إلى الاستمرارية في ظل غياب الدعم والتأطير اللازمين.
كما وقف البعض الآخر عند مشكل اللغة خصوصا لدى بعض المهاجرين حديثي الوصول إلى البلاد، والذي يقف عائقا كبيرا أمام اندماجهم بشكل أسرع في سوق الشغل، لاسيما أن بعضهم يبدأ، عقب وصوله، بالاشتغال لدى بعض التجار والمقاولين العرب، ما يبطئ تعلمهم اللغة البرتغالية، وبالتالي يؤثر على انخراطهم بشكل أفضل في سوق العمل.
من جهة أخرى، أبرز البعض حاجة الجالية المغربية إلى فروع للأبناك المغربية بالبلد، على غرار ما يتم في عدد من الدول الأوروبية، مذكرين في هذا الصدد بتوسع بنكين برازيليين، وهما "براديسكو" (خاص) و"بانكو دو برازيل" (عمومي) نحو إفريقيا، في إطار شراكة أطلقت مؤخرا مع بنك "إسبيريتو سانطو" البرتغالي، الذي ينشط بالمغرب، فيما شدد البعض الآخر على أهمية استئناف الخط الجوي المباشر بين المغرب والبرازيل.
المصدر: وكالة المغرب العربي