قريبا سيرى "معهد المغرب للدراسات والتوثيق" النور في لاهاي الهولندية. "سيكون معهدا رائعا، مفتوحا أمام الجميع، أمام كل الذين لديهم علاقة مع المغرب ومع الهجرة المغربية"، يقول صاحب الفكرة باولو دو ماس الخبير الهولندي في شؤون الهجرة المغربية، مضيفا أنه سيكون معهدا هولنديا لا يستبعد التعاون مع المؤسسات المغربية.
همزة وصل
يطمح باولو دوماس الذي كان من السباقين لدراسة الهجرة المغربية وآثارها على بلدان الإقامة وبلدان الأصل، إلى أن يصبح "معهد المغرب" (Marokko Instituut) همزة وصل بين هولندا والمغرب في جميع المجالات، المعرفية والعلمية التجارية.
"سيكون معهدا رائعا، مفتوحا أمام الجميع، أمام كل الذين لديهم علاقة مع المغرب ومع الهجرة المغربية ومع 3 إلى 4 ملايين مغربي مقيم بالخارج. هو معهد معلومات ومكتبة وأيضا يقوم بدور الوسيط. هو همزة وصل بين المغرب وهولندا في ميادين الثقافة والبحث والمعلومات وأيضا همزة وصل للقطاع الخاص. خلاصة القول: معهد واسع جامع"
ولتحقيق هذا الهدف وفرت بلدية لاهاي دعما ماليا ومقرا لائقا في حي السفارات بالقرب من محكمة العدل الدولية. في هذا المقر الذي يظم مكتبا ومكتبة وغرفة السكرتارية والدعم فضلا عن قاعة محاضرات مشتركة، التقت إذاعة هولندا العالمية صاحب الفكرة والمبادرة الدكتور باولو دوماس الذي يؤكد أن المعهد جد نشيط رغم أنه لم يفتح أبوابه رسميا بعد.
ميلاد فكرة
كان دوماس طالبا في الجامعة حينما طلب منه القيام ببحث ميداني عن المهاجرين المغاربة، وذلك في إطار دراسة شاملة تهم أهم الجاليات الكبرى المستقرة في هولندا كالأتراك والسورينام فضلا عن المغاربة. قبل الطالب دوماس الطلب وشد الرحال إلى المغرب حيث عمل ضمن فريق عمل تحت إشراف الباحث الفرنسي – المغربي المعروف بول باسكون حول بني بوفراح (الريف) و "هوامش المغرب". كانت البداية في العام 1974.
"تولدت الفكرة مع مرور الزمن. فقد شرعتُ في 1974 أعمل في المغرب كباحث. أكثر من ثلاثين سنة مرت إذن وأنا أهتم بالمغرب، وعملت كذلك مدير المعهد الهولندي في الرباط (المغرب) لمدة ثلاثة سنوات، ففكرت أنه يتعين تأسيس معهد مغربي مشابه في هولندا أيضا، مما سيعزز التعاون المشترك بين المغرب وهولندا. وأرى أن هكذا معهد ينبغي تأسيسه، لأن كثيرا من الدول لها مراكز مماثلة في هولندا مثل المعهد الألماني والمعهد لتركي".
ترحيب وتعاون
عرض باولو دو ماس الفكرة منذ أكثر من ثلاث سنوات على البلديات الهولندية الكبرى التي تضم تجمعات مغربية مهمة وتضم كذلك جامعات ومعاهد عليا لاحتضان المعهد. فاتصل ببلدية أمستردام وأوتريخت ولاهاي وروتردام، غير أن لاهاي هي التي رحبت بالفكرة قبل غيرها ووفرت لها ما يلزم للانطلاقة. وتعمد باولو دوماس تجنب الأموال المغربية "المنتظمة" مع ترحيبه بالعمل المشترك مع السلطات المغربية على أساس مشاريع محددة ومؤقتة.
"فكرت منذ البداية أن يكون المعهد هولنديا، وأن لا يعتمد على الدعم المالي المنتظم من المغرب، وهذا بهدف تعزيز مكانة المعهد واسمه على الساحة الهولندية. الدعم المالي الحالي هو من الجانب الهولندي فقط، وعلي أن أشكر بهذه المناسبة بلدية لاهاي التي رحبت بالفكرة منذ البداية".
ويرى دوماس أن الاعتماد على المال المغربي المنتظم قد يؤثر على مستقبل المعهد واستمراريته. وهل أيضا من أجل ضمان استقلالية المعهد؟ يجيب الأستاذ دوماس الذي سبق وأن عمل أستاذا وباحثا في جامعة أمستردام، قسم الدراسات الإثنية:
"نعم! هذا هو السبب الرئيسي. فإذا اعتمدنا على دعم مالي منتظم من المغرب فيعني ذلك أن أموالا مغربية ستدخل المعهد وبالتالي ستتحكم أيضا في استمراريته. إلا أن هذا لا يعني أن المعهد سيتجنب التعامل مع المغرب حتى على الصعيد المالي، لكن شريطة أن يتعلق الأمر ببرامج ومشاريع ملموسة ومحددة. في الوقت الراهن أتعاون مع السلطات المغربية في تنظيم معرض جوال في العواصم الأوربية حول الهجرة. وإذا أرادت السلطات المغربية تمويل نشاط ثقافي معين هنا في هولندا، فأنا أرحب بذلك".
تأخر
يعترف باولو دوماس أن تأسيس المعهد تأخر على الأقل عشر سنوات. وصورة الهجرة المغربية والمغاربة عموما في الإعلام الهولندي لا تسر أحدا. وكان بإمكان هذا المعهد تقديم الصورة الواضحة عن هذه الفئة من الهولنديين أبناء الهجرة، وأن يمد الباحثين بوسائل الدراسة والمقارنة بين الهجرة المغربية نحو هولندا ونحو البلدان والقارات الأخرى.
"كان ينبغي أن يتأسس المعهد قبل 10 سنوات على الأقل ليقدم صورة واضحة عن الهجرة المغربية، لاسيما في هذا الوقت الذي يبرز فيه اسم المغاربة في الصحافة (الهولندية) بشكل سلبي، وهذا ما ينبغي الاعتراف به. هذا بالإضافة إلى أنه، إذا نظرنا إلى المغرب وإلى الهجرة المغربية التي تشمل 3 ملايين شخص عبر العالم و 4 ملايين إذا أضفنا إليهم اليهود المغاربة، فإن الأمر في غاية الأهمية لمقارنة وضعية المهاجرين المغاربة في هولندا مع وضعية المغاربة في فرنسا وإسبانيا، وإيطاليا وأمريكا أو كندا وإسرائيل".
إلى جانب هذه الخدمات، ينوي المعهد تقديم خدمة أخرى للشباب والطلبة من أصول مغربية، سواء كمتطوعين أو متدربين أو متعاونين لكسب الخبرات في ميدان الهجرة، وربما سيكون من بينهم مدير المعهد في المستقبل.
"لدي إمكانيات مادية محدودة للغاية، ولذلك ترى في المقر أثاثا أقل في الوقت الحالي. ما أهدف إليه حقيقة هو جذب، ليس فقط المتطوعين، ولكن أيضا الطلبة المتدربين، أولا لضمان سير المؤسسة وثانيا لتوفير مكان التدريب للطلبة، وخاصة للطلبة ذوي الأصول المغربية سواء في مراحل التعليم المتوسط أو العالي، والذين لا يجدون فرصا للتدريب إما بسبب الأزمة المالية الحالية، أو بسبب أسمائهم. وهذا أيضا مما يجب الاعتراف به. فالمعهد إذن سيوفر لهؤلاء مكانا لمزاولة تدريبهم الإجباري أثناء الدراسة، وكذلك فرصة لكسب الخبرات ومن ثم تعزيز فرصهم في سوق العمل بعد التخرج".
من المنتظر أن يفتتح المعهد أبوابه رسميا مع نهاية العام الجاري وذلك بحضور مغاربة، رسميين وغير رسميين، وكذلك مسؤولين هولنديين فضلا عن العاملين في الميادين الثقافية والاجتماعية والطلبة وفعاليات المجتمع المدني.
المصدر: إذاعة هولندا العالمية