"عمتم مساء, ورحلة جميلة", بهذه التحية توجه المنظمون للجمهور الحاضر في مسرح "بيت الثقافات والتماسك الاجتماعي" في بروكسل لمتابعة العرض الموسيقي "رحلة" المستوحى من أسفار الرحالة العربي الشهير ابن بطوطة, والذي قدمته الجمعة فرقة من موسيقيين عرب وبلجيكيين
وقبل أن يلقي تحيته ويترك المسرح للموسيقيين, عرف أحد منظمي الحفل بقصة الرحالة العربي, الذي عاش خلال القرن الرابع عشر وخاض في اسفار على مدار حوالى ثلاثين عاما, قاطعا حوالى 120 ألف كيلومتر, قادته الى العديد من بلدان شرق اوروبا والشرق الادنى اضافة الى مدن عربية كثيرة.
هذه الاسفار استلهمها عازف العود عابد البحري, المغربي المقيم في بلجيكا, ليقدم عرضا موسيقيا مدته ساعة, تاركا الموسيقى تقود الجمهور في تجوال عبر قطع لحنية مستوحاة من ثقافات موسيقية مختلفة, تحضر فيها موسيقى الرقصات الفولكلورية لاوروبا الشرقية والموسيقى العثمانية وموسيقى الصين والشرق الادنى, اضافة الى بعض جمل الموسيقى العربية المقامية وتلك الاندلسية.
ويقول البحري في حديث لوكالة فرانس برس, ان اتجاهه لتقديم هذا المؤلف الذي سماه "رحلة" يأتي من كونه "مسكونا بالترحال والتجول", ويضيف "كل مشاركاتي واعمالي السابقة كانت مع موسيقيين من ثقافات متنوعة, وفي مشاريع ليست محصورة بزمن بل تسافر الى أزمنة موسيقية مختلفة".
ويشير مؤلف العمل الى ان الرحالة ابن بطوطة كان ملهمه, معتبرا ان موضوع السفر "يبرر تقديم عناصر موسيقية من ثقافات مختلفة في عمل واحد", لافتا الى ان جميع الموسيقيين شاركوه الحماس لعمله الجديد.
ويضيف "اردت عازفين يتجولون مع الموسيقى ويعطونها من افكارهم وليس فقط عازفين يتقنون اللعب على آلاتهم".
وقدمت العمل الموسيقي فرقة "اوركسترا رحلة", وقادها الموسيقي البلجيكي من اصل تونسي سمير بندميرد, الذي عزف على آلة "كلافي سمبل" (بيانو التقسيم), مع عازفين بلجيكيين, هم ثلاثة عازفي كمان, وعازف تشيللو, اضافة الى عازف فلوت وعازف ايقاع.
استلهام اجواء السفر والتجول لم يقتصر على تقديم انواع موسيقية مختلفة, بل امتد ايضا ليؤثر في شكل العرض الموسيقي وبنيته. فالعمل مقسم الى مقطوعات, على شكل محطات متتابعة, تشترك في تقديمها الفرقة, او يترك المجال لالة محددة لتقود اللحن, ومع كل انتقال الى قطعة جديدة يخفت اللحن موحيا بالوصول الى مكان جديد له اجواء موسيقية مختلفة.
عازف الفلوت البلجيكي ستيفان براكافال لعب عزفه دورا محوريا في العمل الموسيقي, اذ كان الفلوت صوتا اساسيا في معظم القطع الموسيقة, وبدا وجوده بمثابة صوت الرحالة المتنقل.
ويقول براكافال لوكالة فرانس برس ان ما اثار حماسته لهذا العمل هو انه "يخلق تقاطعا للحدود الجغرافية والثقافية عبر الانماط الموسيقية المختلفة", موضحا ان الموسيقى التي عزفوها فيها "تأثيرات من كل انحاء العالم", ويضيف "هناك قطع في الاساس هي للناي, واخرى للفلوت المازوري (الهندي) وانا احاول تقديمها بالفلوت الغربي واترك لنفسي وللناس تخيل كيف ستكون مع الات الفلوت الاخرى".
اضافة الى ذلك, يؤكد عازف الفلوت ان اتاحة المجال للارتجال خلال العزف, ودخول عنصر الجاز "لعبا دورا ايجابيا" لصالح فكرة العرض الموسيقي وموضوعه.
وبالفعل, يترك العمل الموسيقي المجال للعازفين كي يقدموا ارتجالاتهم في بعض الاحيان, وخصوصا لعازف الايقاع بيتر شنايدر الذي لعب على مجموعة واسعة من الات ايقاع شرقية وغربية وافريقية مختلفة, وادخل الى العرض ايقاعات تحيل تلقائيا الى اجواء الثقافات القادمة منها.
ويؤكد مؤلف العمل ان موضوع الارتجال كان "عنصرا اساسيا" لهم, فهو "يتيح الحرية للعازف, والحرية هي امر اساسي لموضوع السفر", لافتا الى ان ذلك ايضا جاء "لاحداث توازن بين الارتجال في موسيقى الجاز والموسيقى الشرقية والانضباط" ضمن العمل الاوركسترالي الغربي المعروف.
موضوع التوازن يؤكد عليه ايضا الموسيقي سمير بندميرد, الذي قام بالتدوين الموسيقي للعمل وايضا بتوزيعه على الالات, مشيرا الى ان الاطار الاوركسترالي "اتاح تعدد الاصوات, واعطي الامكانية للحن عربي او صيني او هندي بان يدخل العمل ويندمج فيه بدون ان يفقد خاصيته".
ويشرح بندميرد ان مؤلف "رحلة" جاء اليه "بحلم ان يجمع الحانا من مناطق مختلفة", ويوضح ان عمله كان "ان يكون هذا السفر مترابطا وفيه منطق, وليس مجرد تجميع لقطع".
ويوضح قائد الفرقة ان توزيعه للحن اراد منه "اظهار ان لدى الموسيقى الشرقية مصادر عظيمة, ونحن نريد احياءها ولكن ليس كما فعلوا سابقا", موضحا ان عازفين المانا اخذوا موسيقى اندلسية من شمال افريقيا وعزفوها في اوركسترا لكن ذلك "لم ينجح".
ويؤكد بندميرد انهم لو كتبوا عملهم على طريق بيتهوفن او باخ "فلن يكون هناك رابط", موضحا ان ذلك "سيبدو وكانك تضع لباسا اوروبيا على اميرة عربية, وهذا لن يمشي, عليك ان تعيد صناعة القفطان وتجعله اكثر اناقة وجمالا", مضيفا ان "هذا ما حاولنا فعله".
وقدم العرض الموسيقي في انفير ايضا, وتقدم حفلاته في اطار مهرجان "موسم". وقد لاقى استحسانا من الجمهور الذي اعاد تصفيقه العازفين الى المسرح ليحيوه مجددا.
وتقول ليفا ميرمانس, وهي شابة بلجيكية في العشرينات, ان العرض "جعلني احس وكاني اسافر من مكان الى اخر
المصدر: وكالة الأنباء الفرنسية