حوار مع المفكر الألماني دان دينر حول الإسلام في أوروبا:
تطرح هذه المقابلة التي أجراها نادر الصراص مع المؤرخ الألماني المعروف دان دينر قضايا تتعلق بنتائج سياسة العلمنة في أوروبا، وضرورة التغيير بالنسبة للإسلام، كما يتطرق الباحث في الدراسات اليهودية لأوجه التشابه والاختلاف في العلاقة بين العداء للإسلام والعداء للسامية.
في سياق التعايش بين المسلمين وغير المسلمين في أوروبا، تحدثتم عن ضرورة أن ينحصر الإسلام في إطار ما هو عقائدي فقط، ماذا تعنون بذلك؟
دان دينر: إننا نعيش اليوم صيغة مسيحية للعلمانية، فكل معارفنا المتعلقة بالمؤسسات ومفهومنا عن الدولة والقانون وما إلى ذلك، هي مظهر علماني، لكنها علمانية مسيحية. والناس الذين يحضرون إلى هنا، يمتلكون قواعد أخرى، ومعرفة مختلفة وفهم مغاير للقانون. إن التحول الذي يتوجب عليهم إنجازه، سيغير من نظرتنا إلى أنفسنا، وفي الآن نفسه، سيضطرون هم أيضا لتغيير أنفسهم، بشكل تتقبل فيه الديانة الإسلامية ـ والتي هي كما نعرف ليست مجرد عقيدة، بل نظاما من القواعد يحكم المجتمع بكليته في الدول الإسلامية ـ المبادئ العلمانية، ليتحول الإسلام إلى عقيدة فقط. ويعني ذلك في السياق الغربي، أن العبادات فقط، ما سيتم الإحتفاظ به من أي دين من الأديان، مثل البروتستانتي أو الكاثوليكي في الكنيسة واليهودي في الكنيس، لكنهم في الشارع "بشر"، ألمان، فرنسيون، سويسريون إلخ.. إن هذه السيرورة سيعيشها المسلمون أيضا. لكن واقع أنهم قادمون من مجتمعات غير أوروبية وغير غربية، ومن خارج السياق المسيحي، سيدفعنا للإنشغال بسيرورة تحولهم، كما سنضطر لإعادة النظر بشروط هذا التحول الذي استمر هنا لأربعمائة عام. إنها الحركة المزدوجة التي تحدثت عنها. إن قانوننا العلماني سيشهد تغيرا، في حين ستتحول الديانة الإسلامية إلى "عقيدة" إسلامية، أو تنحصر في مستوى العقائد.
تطرحون في كتابكم "الزمن المختوم" فكرة أن الجمود الذي يسود العالم الإسلامي، يعود إلى سيطرة ما تسمونه "المقدس" على كل مظاهر الحياة في المجتمعات الإسلامية. إلى أي حد يساهم المهاجرون المسلمون في نقل هذا الفهم للمقدس إلى أوروبا؟
دينر: إن حركة العلمنة التي بدأت منذ أربعمائة عام، توسعت لتشمل مجالات الحياة بشكل بطيء. إننا نفرق بين "الشخصي" و"الخاص" والعمومي"؟ إننا لن نقوم بشيء ينتمي إلى دائرة الشخصي بشكل علني، ومن يقوم بذلك، يثير الإنتباه، وينظر إلى ما يفعله كنوع من الإزعاج. هذا يعني أن هذا التقسيم إلى مجالات ثلاثة، جاء نتيجة لسيرورة العلمنة. لكن هذا التقسيم لم يتحقق في العالم الإسلامي بعد. ولهذا تجدر الإشارة إلى أن المقدس، أي حضور الدين في الحياة اليومية، أكبر بكثير هناك مقارنة بمجتمعاتنا. فإذا ما اقترف أحدهم ذنبا، فإن ذلك يمس الجميع، لأنه ذنب مقترف بحق الله. إن المسلمين الذي يعيشون بين ظهرانينا، سيملكون رؤيتهم الخاصة بعملية تحولهم، وهو ما يقومون به أيضا. تحول يطرح أسئلة من مثل: من نحن؟ لماذا نحن هنا؟ ماذا يعني الحجاب؟ ما الذي لا يعنيه؟ كلها أسئلة تعبر عن سيرورة العلمنة.بعض المفكرين، مثل ميشا برومليك أو الفيلسوفة آلمون بروكستاين، يزعمون وجود شبه في التعامل مع الإسلام في أوروبا اليوم والتعامل مع اليهودية في القرن التاسع عشر فيما يتعلق بالعداء الذي يتم التعبير عنه إزاء هذين الدينين.
إلى أي حد ترون أوجه شبه بين العداء للإسلام والعداء للسامية في أوروبا؟
دينر: ليس بالشكل المطلق. هناك شبه، إذا ما تذكرنا بأن اليهودية وحتى بداية القرن العشرين، كانت الديانة الوحيدة غير المسيحية في سياق المسيحية الأوروبية. في القرن التاسع عشر تحول العداء لليهود إلى عداء للسامية، حين أصبح الأمر لا يتعلق بالدين فقط. بل العكس هو الصحيح. فالعداء للسامية الكلاسيكي يبحث عن اليهودي "المخفي"، وليس عن اليهودي "الظاهر"، عن ذلك اليهودي الذي يرتدي القفطان، والذي يمكن التعرف عليه كيهودي. لقد كان ذلك بمثابة ردة فعل على الحداثة. فالناس عجزوا فجأة عن فهم الأشياء التي توحد العالم وكل الأزمات جرى ربطها باليهود."اليهود يسيطرون على البورصة، اليهود قاموا بهذا، اليهود قاموا بذلك" إنها ظاهرة حديثة. لكن العداء للمسلمين اليوم يعود إلى سبب آخر. إن العداء للأجنبي يمس الاثنينن، فهناك أوجه شبه، لكن الاختلاف يمس الجوهر. فحين نقول"لقد نظر إلى حملة القفطان من اليهود كأجانب" فهذا صحيح، لكن ذلك لم يكن سبب ظهور العداء للسامية. فالعداء للسامية اشتعل بسبب راثناو أو بسبب الضابط الفرنسي دريفوس، الذي لا يمكن ربطه بأي شيء يهودي، فقد كان فرنسيا. وهذا يعني بأن العداء للسامية هو تصوير لما هو مجرد ولما لم يستطع الناس إدراكه. البورصات شهدت إنهيارا كبيرا، وأملاك الناس تبخرت. لم يفهموا كل ما جرى، لم يفهموا الحداثة.
نسمع كثيرا في وسائل الإعلام مفهوم "التقليد المسيحي ـ اليهودي"، خصوصا من السياسيين. هل هذا المفهوم مجرد كلمات فارغة، أم أنه يمكننا الاعتقاد مع آلموت بروكشتاين بأن هذا المفهوم يمثل "الطفل المحبب للألمان المصدومين من الحرب"؟
دينر: إنها عبارة تم خلقها بعد عام 1945 ولها علاقة بالسياسة الأمريكية الراغبة في إعادة تأهيل الألمان للديمقراطية، فقد اعتقد المرء حينها أنه من غير المقبول الحديث عن اليهود فقط، فجمع اليهود بالتقليد المسيحي، ومن هنا جاءت عبارة "التقليدي اليهودي ـ المسيحي". صحيح إذاً أن هذه العبارة اختراع ألماني. لكن هناك سياق أعتقد أنه الأصح والأهم بالنسبة لموضوعنا: هناك أوجه شبه، لكن في أوجه الشبه هذه يشترك الإسلام أيضا، وأعني الاشتراك في التراث اليوناني، وهو ما نجده في اليهودية والمسيحية والإسلام. والإسلام يقف اليوم أمام تحدي نفض الغبار عن علاقته مع الفلسفة اليونانية القديمة، والتي نقلها إلى أوروبا، ولكن التي اندثرت في أرض الإسلام منذ القرن الثاني عشر أو الثالث عشر. إن الإسلام يواجه إذاً مهمة إعادة امتلاك تراثه الذي يعتبر جزءا من التراث القديم. إن الإسلام يشترك مع اليهودية والمسيحية في هذا التراث، ومن المدهش أنه إشتراك في الفلسفة اليونانية، وهي تراث أفلاطون وأرسطو، الذي ينتمي أيضا إلى تاريخ العلمانية.
30-04-2011
المصدر: قنطرة