يبدأ العمل في 11 أبريل (نيسان) الحالي بقانون منع ارتداء النقاب في الأماكن العامة على كل الأراضي الفرنسية، الذي أقر في سبتمبر (أيلول) الماضي وصدر في الشهر الذي يليه. وأصدرت وزارة الداخلية أول من أمس تعميما يحدد كيفية تطبيقه. ويطبق حظر النقاب على كل ما يمكن تسميته «مكانا عاما»، ما يعني أن ارتداءه متاح فقط في المنازل أو في غرف الفنادق والسيارات «باعتبارها ملكية فردية» وفي محيط المساجد. وتغرم كل امرأة مخالفة بدفع 150 يورو.
غير أن التعميم يمنع الشرطة من انتزاع النقاب، ويدعو إلى إفهام المرأة المخالفة المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها. وبالمقابل فإنه يشدد على العقوبات القاسية التي يتعرض لها من يجبر فتاة أو امرأة على ارتداء النقاب، حيث يمكن تغريمه بدفع 30 ألف يور أو بحبسه عاما كاملا.
ويأتي ذلك بينما حمي وطيس الجدل حول الإسلام والعلمنة بعد أن طلب الرئيس نيكولا ساركوزي من حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني «الحاكم» أن ينظم نقاشا حول الأديان وموقعها في مجتمع علماني كالمجتمع الفرنسي يفرق بين الدين والدنيا، وحيث تلتزم الدولة الحيادية التامة إزاء كل الأديان.
وتبين أن الإسلام هو الديانة المستهدفة، خصوصا أن الدعوة الرئاسية جاءت بعد أن فجرت زعيمة حزب اليمين المتطرف مارين لوبن ما اعتبرته «الفضيحة الكبرى» بتشبيهها الصلاة التي يقيمها بعض المسلمين في عدد من شوارع العاصمة وبعض المدن بـ«الاحتلال» النازي الذي عرفته فرنسا أيام الحرب العالمية الثانية. وأضافت لوبن: «صحيح، ليس هناك دبابات ولا جنود، ولكن رغم ذلك فإن ما نشهده يطأ بثقله على الفرنسيين، حيث عدد من المناطق المتكاثرة أخذ يخضع لقوانين دينية تحل محل قوانين الجمهورية الفرنسية. نعم، إنه احتلال، واحتلال غير مشروع».
وكانت لوبن تشير إلى عدد من الظواهر التي تعود دوريا إلى دائرة الجدل السياسي، خصوصا في المواسم الانتخابية، وكلها تتعلق بالإسلام، الديانة الثانية في فرنسا حيث الجالية المسلمة تعد ما بين 5 و6 ملايين نسمة. ومن هذه الظواهر، إضافة إلى الصلاة في الشوارع، تزايد الطلبات على بناء المساجد، واللحم الحلال، وموضوع تأهيل أئمة المساجد، وخطبة الجمعة باللغة العربية، ومطالب بعض المسلمين بإيجاد ساعات خاصة لطالبات المدارس للذهاب إلى أحواض السباحة، ورفض أن يتولى الأطباء الذكور فحص النساء المسلمات في المستشفيات. وتضاف هذه الظواهر إلى الملفات الخلافية السابقة مثل ارتداء الحجاب ثم النقاب، وكل منهما عولج عبر قوانين تشريعية بعد جدل طويل.
وأمس طرح موضوع الإسلام والعلمنة للنقاش، بدعوة من حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني «الحاكم» في أحد فنادق العاصمة. ويأتي هذا الطرح بعد أن انشغل الوسط السياسي والإعلامي بموضوع آخر ليس أقل إثارة للجدل أدرج العام الماضي تحت بند «الهوية الوطنية»، وأطلق أريك بيسون، وزير الهوية الوطنية والهجرة وقتها ووزير الصناعة حاليا، بطلب أيضا من الرئيس ساركوزي. وكالأول، فإن معارضي الأمس واليوم يتهمون الحزب الرئاسي بالركض وراء اليمين المتطرف واستخدام الإسلام وسيلة لاستعادة شعبية مفقودة بينت الانتخابات المحلية التي جرت يوم الأحد السابق تهافتها والتغطية على الفشل الحكومي في معالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في فرنسا بحرف الأنظار عنها وتوجيهها باتجاه المسلمين والمهاجرين بشكل أعم.
ولم يثر جدل العلمنة وموقع الأديان حفيظة المسلمين والأديان الأخرى في فرنسا التي أصدرت بيانا قبل أيام تندد فيه بهذا المشروع وتتخوف من انعكاساته على الاندماج الاجتماعي والتكافل بين مكوناته، بل أثار انقساما داخل اليمين نفسه. وأول المتحفظين من الداخل كان رئيس الحكومة فرنسوا فيون الذي رفض المشاركة فيه، كما رفض المشاركة رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه ووزيرة الصحة روزلين باشلو وآخرون.
ويرى كثيرون أن استراتيجية الرئيس ساركوزي بالجري وراء أصوات اليمين المتطرف وتبني طروحاته وآيديولوجيته السياسية استراتيجية فاشلة، ولن تضمن له إعادة انتخابه لرئاسة الجمهورية العام القادم. ويؤكد هؤلاء أنها تفيد الجبهة الوطنية التي أخذت أفكارها وطروحاتها تغزو شرائح واسعة من المجتمع الفرنسي، ما ظهر في التقدم الواسع الذي أحرزه اليمين المتطرف في الانتخابات الأخيرة. وتبين استطلاعات الرأي المتلاحقة أن مارين لوبن يمكن أن تتفوق على ساركوزي في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، ما يعني إزاحته من المنافسة.
واختتمت أعمال أمس بـ«توصيات» سترفع إلى الحكومة والبرلمان. وأول من أمس أثار وزير الداخلية كلود غيان الذي كان طيلة أربع سنوات أقرب مساعدي الرئيس ساركوزي بصفته أمينا عاما لقصر الإليزيه والمكلف المواضيع الأكثر حساسية، زوبعة من الانتقادات بسبب تصريحاته عن الإسلام. وقال غيان في مدينة نانت «غرب فرنسا» إن «ثمة مشكلة تتمثل في تكاثر أعداد الذين ينتهكون العلمنة» في إشارته إلى المسلمين، مضيفا أنه «في عام 1905 (أي في عام ظهور قانون العلمنة)، كان هناك قليل من المسلمين في فرنسا، واليوم هناك ما بين 5 و10 ملايين مسلم، وهذا العدد الكبير، وبعض التصرفات، يطرح مشكلة، إذ من الواضح أن الصلاة في الشارع تصدم عددا من مواطنينا». ووعد غيان الذي سبق أن صرح قبل أيام بأن «الفرنسيين لا يشعرون، في بعض الأحيان، أنهم في بلدهم» بسبب تكاثر المهاجرين، باتخاذ تدابير الأسبوع القادم لمعالجة عدد من المشكلات التي يطرحها الإسلام.
وانتقد الاشتراكيون واليسار بشكل عام والجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان تصريحات زير الداخلية الذي يبدو أن مهمته الأساسية تكمن في محاولة استعادة ناخبي اليمين واليمين المتطرف لتمكين ساركوزي من البقاء في المنافسة، وربما الفوز مجددا بالانتخابات الرئاسية، الأمر الذي يبدو مستبعدا في الوقت الحاضر.
وقالت جمعية مناهضة العنصرية إنها ستتقدم بشكوى أمام القضاء ضد غيان في الأيام القادمة.
6-04-2011