كما كان متوقعا، واجه أفراد من الشرطة، أمس، صعوبات في التعامل مع نساء منتقبات، في اليوم الأول لتطبيق قانون أقره البرلمان الفرنسي، في الخريف الماضي، ويقضي بمنع غطاء الوجه في الأماكن العامة. وتعرضت امرأتان منتقبتان وعدد من المتعاطفين معهما إلى الاستجواب، صباح أمس، في ما بدا أنه مظاهرة غير معلنة ضد القانون الجديد، تجمعت أمام كاتدرائية «نوتردام» في باريس. ونص القانون على منع أغطية الوجه التي حددها كالتالي: النقاب والبرقع واللثام والقناع، باستثناء حالات خاصة مثل ممارسة الرياضات التي تتطلب ذلك، والمناسبات والأعياد الدينية التقليدية وبعض العروض الفنية. وينطبق القانون على جميع الموجودين
على الأراضي الفرنسية والجزر الواقعة تحت العلم الفرنسي، ومنهم السائحات المسلمات. ويشمل كافة الأماكن العامة من شوارع ومطارات ومحطات ووسائل نقل عمومي ومطاعم وفنادق ومقاه وحدائق ومتنزهات عامة ودوائر ومصارف وأسواق ومستشفيات ومتاحف ومكتبات. ويسمح بارتداء النقاب للمرأة التي تتنقل بسيارة خاصة، وبشيء من المرونة في محيط أماكن العبادة. وفي حال مخالفة القانون تتعرض المنتقبة لغرامة تصل إلى 150 يورو في حدها الأعلى، عن كل مرة، مع أو من دون دورة في أصول المواطنة. وفي خطوة يمكن أن تعتبر تحديا للقانون في أول ساعات تطبيقه، خرجت كنزة دريدر، وهي ناشطة فرنسية مسلمة ترتدي النقاب منذ 13 عاما وتناضل ضد منعه في فرنسا، وأخذت القطار من مدينة أفينيون إلى باريس، بصحبة زوجها وعدد من الصحافيين، للمشاركة في برنامج تلفزيوني يتناول هذه القضية. ولم يعترض أي شرطي سبيل كنزة التي صرحت بأن القانون الجديد يمس بحقوقها كمواطنة أوروبية تمارس ما يكفله لها القانون من حرية التنقل والمعتقد. وحرص هنري غينو، المستشار الخاص للرئيس نيكولا ساركوزي، على التوضيح في مقابلة مع القناة التلفزيونية الثانية، أمس، أن رجال الشرطة لن يجبروا أي امرأة، بالقوة، على كشف وجهها. لكن إيمانويل رو، الأمينة العامة المساعدة لنقابة مفوضي الشرطة، قالت في تصريح لإذاعة «فرانس أنتير»، أمس، إن القانون الجديد «صعب التطبيق إلى حد كبير». وأضافت أنه ليس من مهمات أفراد الشرطة القيام بما يثير الحساسية، لكنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي في مواجهة الحالات التي تشكل استفزازا صارخا». وأشارت النقابية إلى أن تعليمات وزير الداخلية تشدد على استبعاد الإجبار وعدم اللجوء إلى القوة في التعامل مع المنتقبات، واستشارة النائب العام في الحالات المستعصية للتوصل إلى حلول. وهي حلول لم يفلح البرلمان ولا الأحزاب السياسية في تحديدها طوال السنتين الماضيتين أثناء مناقشة القانون، حسب إيمانويل رو، فكيف سيتمكن الشرطي الواقف في الشارع من حلها؟ وكشفت المتحدثة عن أن هناك مناطق جغرافية قابلة للتوتر لمجرد اعتراض شرطي سبيل امرأة منتقبة، فضلا عن صعوبة إيقاع الغرامات المالية التي حددها القانون على المنتقبة، وقدرها 150 يورو، وعلى الأشخاص الذين يجبرون امرأة على تغطية وجهها، بسبب غياب التفاصيل المرافقة والشارحة للنص.
إلى ذلك، أعلن رجل الأعمال الفرنسي رشيد نكاز عزمه بيع مبنى في المزاد العلني من أجل تمويل دفع الغرامات التي ستفرض، اعتبارا من أمس، على النساء اللاتي يرتدين الحجاب الإسلامي الكامل (النقاب والبرقع) في الأماكن العامة. وقال نكاز، الجزائري الأصل، لوكالة الصحافة الفرنسية: «لقد قررت عرض مبنى في شوازي لوروا (المنطقة الباريسية) للبيع في مزاد علني على الإنترنت مساء أمس, وهو مبنى أملكه مع زوجتي, وهي أميركية كاثوليكية, من أجل تسديد الغرامات عن النساء اللاتي يرتدين بإرادتهن النقاب في الشارع». ودعت منظمة «لا تمس دستوري» التي تضم 750 عضوا، إلى مظاهرة صامتة أمام كاتدرائية نوتردام في باريس، احتجاجا على قانون حظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، الذي دخل حيز التنفيذ أمس. وأضاف نكاز «أنا شخصيا ضد النقاب». مشيرا إلى أنه كان يفضل قانونا يحظر ارتداء النقاب «في الأماكن العامة المغلقة، كالإدارات العامة والمصارف والمراكز التجارية والمدارس». وأضاف نكاز, الذي حاول الترشح بالانتخابات الرئاسية في 2007 ولكنه فشل في الحصول على التوقيعات اللازمة, «ولكن ما إن قرر نيكولا ساركوزي توسيع نطاق تطبيق هذا القانون، بحيث يشمل الشارع، رأيت أن الخط الأحمر تم تخطيه». إلى ذلك، اعتبرت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن أن قانون حظر ارتداء النقاب في فرنسا الذي دخل حيز التنفيذ أمس يخالف مبادئ حقوق الإنسان ويمثل «بداية لمعركة خطيرة».
وقال همام سعيد, المراقب العام للجماعة, لوكالة الصحافة الفرنسية إن «هذا مخالف تماما لمبادئ حقوق الإنسان التي تدعي فرنسا أنها راعية لها». ورأى أن «هذه الخطوة هي خطوة في اتجاه سلوك صليبي جديد يواجه المسلمين في كل مكان، وهي بداية لمعركة خطيرة». وأضاف سعيد «نحن لا ننظر للأمر على أنه مجرد قرار يتناول شأنا نسائيا معينا وإنما هو قرار يتناول المسلمين جميعا ويتناول الدين الإسلامي». وأشار إلى أن «هذا حرمان لحق أساسي وفطري وطبيعي للإنسان في أن يرتدي ما يشاء, فكما يباح لبعض النساء التعري على الشواطئ، فمن الأولى أن يباح للمرأة أن تستتر وترتدي نقابها». واعتبر أن «هذا شأن من شؤون الحريات الشخصية التي لا يجوز مصادرتها بأي حال من الأحوال». مضيفا أن «هذا القرار شوه الحالة الفرنسية في الحريات وجعل فرنسا أول من نقض أسلوب الحرية، ومن وقف أمام هذه الحرية الشخصية».
12-04-2011
المصدر/ جريدة الشرق الأوسط