إلا أن الكثير من عملائه الأتراك انتقلوا إلى ضواح أبعد، ومما زاد الوضع سوءا أن قدرة العملاء على الوصول لمتجره تعطلت، بسبب أعمال إنشاء قضبان «ترام» في الشارع الكائن أمام متجره.
وعن الوضع الراهن، قال كيليغ: «لا تسير الأمور على ما يرام»، بينما انهمك على تجميع نقانق من اللحم البقري وجبن تركية بيضاء، يطلق عليها اليونانيون «فيتا»، من أجل أحد الزبائن.
الآن يخالجه الخوف من تردي الأوضاع أكثر، حيث من المقرر أن يصوت البرلمان الهولندي، الثلاثاء، على مشروع قانون، حال إقراره، سيلزم الجزارين اليهود والمسلمين بتدويخ الحيوانات حتى تفقد الوعي قبل ذبحها، سواء ميكانيكيا أو كهربيا أو باستخدام الغاز، لينتهي بذلك الاستثناء الموجود في القانون الحالي.
كان حزب صغير معني بحقوق الحيوانات، ويحظى بمقعدين بالبرلمان، قد اقترح مشروع القانون، بدعوى أن عدم إفقاد الحيوانات وعيها يعرضها لألم لا داعي له.
وكشفت استطلاعات رأي تأييد أكثر من 60 في المائة من العينة التي شملها الاستطلاع لمشروع القانون، ومن المتوقع أن تصوت جميع الأحزاب المشاركة في المجلس الأدنى من البرلمان على مشروع القانون، بحيث ينتقل بعد ذلك إلى المجلس الأعلى للموافقة عليه. ولم يعارض المشروع سوى الأحزاب الديمقراطية المسيحية، لكن ليس انطلاقا من اعتبارات تتعلق بحقوق الحيوانات، وإنما دفاعا عن الحرية الدينية.
وعلى الرغم من أن خيرت فيلدزر، السياسي الهولندي البارز المشهور بعدائه للمسلمين، ليست له علاقة بالقانون الجديد، فإن اسمه بات مرتبطا به بين أوساط المهاجرين.
مثلا، أكد كيليغ أن «قانون (خيرت فيلدزر) ضد اللحوم الحلال. ويخالجني شعور غير طيب حياله، وإذا رغب أحد في حظر لحومنا، فإننا سنضطر حينئذ لاستيرادها».
وعلى الرغم من أن رفض المجتمع المسلم لمشروع القانون الجديد كان قويا، فإنه جاء مشتتا ليعكس الطبيعة المشتتة لعناصر هذا المجتمع المتنوع بين أتراك، وهم المجموعة الأكبر، والمغاربة وآخرين. ومع ذلك، أعلنت قيادات مسلمة بوضوح معارضتها لمشروع القانون، وانضمت لأخرى يهودية في محاولة لمنعه.
في المقابل، يتسم المجتمع اليهودي، الذي يتركز نصفه تقريبا في أمستردام بينهم نحو 10000 مهاجر إسرائيلي، بأنه أفضل تنظيما، لكنه سيتأثر بدرجة أقل كثيرا عن نظيره المسلم بالنظر إلى أن نحو 3000 رأس فقط من الحيوانات تذبح سنويا طبقا لقواعد الشريعة اليهودية، وتحت رقابة بيطرية وثيقة. إلا أنه داخل مجتمع هولندي ذي طابع علماني متزايد، يشعر القادة اليهود بأن ممارساتهم الدينية باتت تحت الحصار.
من جهته، قال روني أيزنمان، محام يتولى رئاسة الجالية اليهودية في أمستردام: «ليس من الصعب حماية الحريات الدينية عندما يكون مجتمع ما متدينا، لكن عندما يتحول الأفراد للعلمانية على نحو متزايد، هنا يصبح الأمر صعبا».
من جهتها، نفت مريان ثييم، 49 عاما، محامية ورئيسة الحزب المناصر لحقوق الحيوانات، أي عداء من جهة حزبها تجاه المجموعات الدينية، وذكرت في إجابات كتابية على أسئلة وجهت لها أن القانون ضروري لأن التنظيمات العامة لعملية الذبح، بما في ذلك إفقاد الحيوان وعيه قبل القتل، «تنحى جانبا في حالات الذبح، طبقا لشعائر دينية».
وأضافت أن هناك «إجماعا عالميا بين العلماء حول أن الحيوانات تعاني ألما هائلا حال ذبحها قبل إفقادها الوعي».
ودفاعا عن القانون، استشهدت بعلماء يهود مثل آرون إس غروس، أستاذ الدراسات الدينية بجامعة سان دييغو، الذي أوضح أن الكثير من المجتمعات اليهودية الأكثر ليبرالية، بما في ذلك بعض المجتمعات الموجودة داخل الولايات المتحدة، تمارس بانتظام عملية إفقاد الحيوان وعيها قبل ذبحها.
ومع ذلك، ينظر الكثير من المسلمين واليهود إلى مشروع القانون المقترح باعتباره أحدث حلقة من مسلسل عداء أوروبي متزايد تجاه المهاجرين والتنوع.
الأسبوع الماضي، نجح يهود ومسلمون في انتزاع تنازل من المشرعين، عندما وافق المجلس الأدنى من البرلمان على إدخال تعديل على مشروع القانون يقضي بأنه حال إثبات المؤسسات الدينية أن أسلوب الذبح الذي تنتهجه لا يسبب ألما بالحيوانات أكبر مما يسببه الذبح الصناعي، فإنها ستحصل على رخصة لخمس سنوات.
إلا أن أيزنمان سخر من هذا البند، بقوله: «بالنظر لعدم وجود رقم محدد للألم والمعاناة داخل المذابح الصناعية، كيف يمكنك إذن إثبات أن أسلوبك يؤلم بدرجة أقل؟ إن هذا القانون يضرب بالحرية الدينية عرض الحائط».
ويتفق خبراء يهود آخرون مع هذا الرأي، مثلا، قال جو إم ريغينستاين، بروفسور علوم الطعام، الذي يدير برنامج يعنى بالطعام الموافق للشريعتين اليهودية والمسلم داخل جامعة كورنيل: «هذا الأمر لا يتعلق بحقوق الحيوانات، وإنما هو دعوة لليهود والمسلمين لمغادرة البلاد».
* خدمة «نيويورك تايمز»
28-06-2011
المصدر/ جريدة الشرق الأوسط